النصر في طريق الجهاد الأكبر
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه قال: "المجاهد من جاهد نفسه في الله"1. طريق الجهاد الأكبر هو الطريق الطويل والشاق الذي يجب على الإنسان المؤمن والمجاهد لنفسه أن يقضي فيه كل عمره مجاهداً صابراً متنبهاً إلى منزلقات الدنيا ووسوسة الشيطان وهوى النفس حتى يخرج أخيراً من هذه المعركة الكبرى منتصراً، ليكون النصر في هذه الطريق مقدمة ضرورية لكل الانتصارات الأخرى، من نصر الشهادة إلى الانتصار بالشهادة وغلى تحقيق كل نعمة ونصر في الدنيا والآخرة. لذلك إننا نجد أن تربية النفس وجهادها والانتصار عليها قد احتل حيزاً هاماً في فكر ومواعظ إمامنا الخميني رضوان الله تعالى عليه حتى إنه أفرد مؤلفاً أسماه "الجهاد الأكبر"، هذا فضلاً عن الكتب والمحاضرات التي شحنت بنفسه الطاهر وهو ينبه ويرشد ويعظ المؤمنين ويحثهم على كسب هذه المعركة الهامة بل الفوز في نهاية هذا الصراع الطويل كي يحقق المؤمن أقصى الآمال وغاية المنى وتفتح له كل الطرق أمام جميع الانتصارات المادية والمعنوية. والإمام في طي مواعظه يرشدنا إلى مجموعة من الأسلحة تعد أساساً في هذا الصراع ليكتب في منتهاه بإذن الله، وهي:
طريق الجهاد الأكبر هو الطريق الطويل والشاق الذي يجب على الإنسان المؤمن والمجاهد لنفسه أن يقضي فيه كل عمره مجاهداً صابراً متنبهاً إلى منزلقات الدنيا ووسوسة الشيطان وهوى النفس حتى يخرج أخيراً من هذه المعركة الكبرى منتصراً،
أ ـ البدء بإصلاح النفس:
الشرط الضروري والبديل للنصر في معركة الجهاد الأكبر مع النفس هي أن تلتفت إلى وجود هذه الساحة المعدة للمعركة ـ ساحة النفس ـ وأن لا يكون الإنسان غافلاً عنها بالكلية، فإذا ما التفت الإنسان إلى أن بين جنبيه نفس تملك خياري الشر وجب عليه تبعاً لذلك أن يصلح هذه النفس ويقومها من خلال تعوديها على الخير ومنعها من الشر، يقول الإمام رضوان الله عليه "على المرء أن يبدأ بإصلاح نفسه، والسعي لجعل عقائده وأخلاقه وأعماله مطابقة للإسلام"2.
ويقول أيضاً: "إن ما هو ضروري بالنسبة لنا جميعاً هو أن نبدأ بإصلاح أنفسنا، وعدم الاقتناع بإصلاح الظاهر وحده، بل السعي للبدء بإصلاح قلوبنا، وعقولنا، والإصرار على أن يكون غدنا خير من يومنا"3.
إن إصلاح الظاهر من عمل وقول وترك الباطن متعفناً بالخصال الخبيثة والأخلاق الردية هو كمثل جندي يتصدى للعدو على حدوده ويترك هذا العدو يسرح ويمرح داخل الوطن أو كشخص يعطر فضاء البيت وجدرانه بالطيب كي يتخلص من رائحة الجيفة الموجودة في البيت حيث لا ينفع هذا ولا ذاك سوى باجتثاث العدو من قلب الوطن ورمي الجيفة خارج الدار، وهكذا الإنسان الذي يصلح ظاهره دون الباطن سرعان ما يتدنس هذه الظاهر بلوث الباطن، لذلك يؤكد الإمام هنا على ضرورة البدء بإصلاح النفس وعدم الاكتفاء بالظاهر بل الاهتمام بالباطن، فالمعركة هنا أَوْلَى والنصر أعظم وأدوم.
ب ـ مخالفة الهوى:
إن طبيعة النفس البشرية هي طبيعة خلقها الله تعالى مجبولة على حب الأخذ وطلب المزيد وتحقيق المشتهيات والمتع إلى ما لا نهاية وبلا حدود، لذلك فإن أهم سلاح لمجاهدة النفس هو مخالفتها فيما تتطلب من طلب حزم أو حتى حلال قد يؤدي إلى الإسراف والتبذير أو يوقعنا في الشبهات المؤدية بدورها إلى الحرام، وعلى رأس مطالب النفس هو الأنا وحب النفس دون الآخرين، لذلك كان أول شرط في المواجهة و نكران الذات، يقول الإمام رضوان الله عليه "نكران الذات مقدمة لتكامل الإنسان"4، ويقول أيضاً: "إذا كان بعضنا لا يرتاح قلبياً من البعض الآخر، فتكليفنا الإلهي هو أن نخالف أنفسنا في مقام العمل والذكر والتبليغ"5، أي أن لا نعمل وفقاً لمتطلبات النفس، فإذا كانت نفسي تحدثني بسوء عن صديق أو أخ فلأقحم نفسي على زيارة هذا الشخص وبذل المودة له خلاف هوى نفسي.. كما يقول رضوان الله عليه: "إذا تجاوز الإنسان الأنا وأبدلها بهو يمكنه عندئذ إصلاح كل شيء"6 بحيث يكون الله تعالى هو الحاضر في النفس بدلها، فكلما استشعر الإنسان شيئاً من هوى النفس وعلوها تذكر أنها مخلوقة الله وأنه مأمور بمخالفتها، وهذا طريق الانتصار.
إن طبيعة النفس البشرية هي طبيعة خلقها الله تعالى مجبولة على حب الأخذ وطلب المزيد وتحقيق المشتهيات والمتع إلى ما لا نهاية وبلا حدود، لذلك فإن أهم سلاح لمجاهدة النفس هو مخالفتها فيما تتطلب من طلب حزم أو حتى حلال قد يؤدي إلى الإسراف والتبذير أو يوقعنا في الشبهات المؤدية بدورها إلى الحرام،
ج ـ المراقبة والحراسة:
تماماً كما في ساحة المعركة مع العدو حيث يحتاج الجنود إلى أعلا درجات الرصد والمراقبة لاستطلاع حال العدو والحيلولة دون تسلله خِفْيَة أو جهاراً على قلب المعسكر، فإن معركة جهاد النفس تحتاج إلى المزيد من الحراسات لعدم تسلل هوى النفس ووسوسة شياطين الأنس والجان الذين يتسللون إلى النفس من خلال الدم والعرق والشريان والصبر والسمع وباقي الحواس والأعصاب والقوى الجلية والخفية للإنسان. وعليه فإن الإمام يوصي بمزيد من المراقبة فيقول رضوان الله عليه: "علينا أن ننظر في صحيفة أعمالنا قبل أن تصل إلى محضر الله، ومحضر صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف"7 بمعنى أن نراقب أنفسنا جيداً كي لا نسوّد تلك الصحائف مطلقاً، حيث إن الله تعالى مطلع وحاضر وناظر لأعمالنا في كل لحظة، وكذلك يقول الإمام رضوان الله لعيه: "عليكم السعي لأن يكون لقاؤكم بالله حين حلول وقت الرحيل بوجوه بيضاء"8، وذلك بنفس المعنى المتقدم وهو حراسة الوجه والقلب من أن يتلطخ بأنواع الذنوب، ليبقى أبيضاً نقياً حتى إذا ما حصل الرحيل في أية لحظة لاقى الإنسان بوجهه الأبيض إن شاء الله تعالى.
د ـ زيادة الإيمان والتقوى:
حيث يعتبر الإيمان الروح التي تسيّر جيش الحق داخل النفس وتحركه في هذه المعركة نحو النصر المطلوب. كما أن التقوى تعد الزيت والوقود لهذا الإيمان المحرك. وعليه من غير الإيمان والتقوى لا يتوقع أحد أن ينتصر في معركة النفس وجهادها، وبما أن هذه المعركة طويلة، وبما أن العدو فيها يحضّر دائماً المزيد من العدة والحيل والأحابيل احتاج الإنسان حتماً ودائماً إلى زيادة درجات إيمانه ومراتب التقوى لديه لكي يضمن التوازن ومن ثم الانتصار بإذن الله. وهذه بعض كلمات للإمام تدلك على أهمية الإيمان والتقوى وضرورة الاستزادة منها باستمرار:
إن الدعاء والمناجاة في جوف الليل وأطراف النهار تمثلان طلب العون من الله القدير في هذه المواجهة الصعبة والمعركة المحتدمة بين قوتي النفس،
"إذا دخل الإيمان القلب صلحت الأمور كلها"9.
"إن الإيمان بالله نور يزيح كل الظلمات من أمام المؤمنين"10.
"من كان مع الله ملتفتاً إلى الله، مؤمناً به أخرجه الله من الظلمات وبلغ به حقيقة النور"11
"التقوى أساس العز"12.
"اعلم أن الإيمان هو من الكمالات الروحانية، التي غفل الكثيرون عن حقيقتها الثورية حتى المؤمنين فهم غير مطلعين ما داموا في عالم الدنيا وظلمة الطبيعة على نورانية إيمانهم وعلى ما أعدَّ الله لهم من الكرامات في الآخرة"13.
هـ ـ الدعاء والمناجاة:
إن الدعاء والمناجاة في جوف الليل وأطراف النهار تمثلان طلب العون من الله القدير في هذه المواجهة الصعبة والمعركة المحتدمة بين قوتي النفس، وليعلم أنه من دون التوكل على الله واللجوء إليه وطلب مساندته ونصرته لا يمكن تحقيق النصر في هذه الساحة، وخير تعبير عن أهمية الدعاء في هذا الصراع هو كلمة للإمام الخميني قدس سره يقول فيها: "إن الأدعية التي ورد الحث عليها... هي دليلنا نحو الهدف"14، ويقول أيضاً: "عندما يُحيي المسلمون ليالي القدر ويناجون ربّهم فإنهم إنما يفكّون أسرهم من قيد العبودية لغير الله تعالى، ويتحررون من قيد شياطين الجن والإنس ليدخلوا في العبودية لله وحده"15.
فبالدعاء إذن يفك الإنسان أسر العبودية لغير الله بما في ذلك العبودية للنفس الأمارة التي هي أعدى أعداء الإنسان "أعدى عدوك نفسك التي بين جبينك"16.
: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية.
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- ميزان الحكمة، ج1، ص453.
2- الكلمات القصار، ص81.
3- الكلمات القصار، ص81.
4- الكلمات القصار، ص81ـ83.
5- الكلمات القصار، ص81ـ83.
6- الكلمات القصار، ص81ـ83.
7- الكلمات القصار، ص81ـ83.
8- الكلمات القصار، ص85ـ86.
9- الكلمات القصار، ص85ـ86.
10- الكلمات القصار، ص85ـ86.
11- الكلمات القصار، ص85ـ86.
12- الكلمات القصار، ص85ـ86.
13- الكلمات القصار، ص85ـ86.
14- الكلمات القصار، ص62.
15- الكلمات القصار، ص62.
16- البحار، ج67، ص36.
الانهزام والتراجع
فضل الجهاد
مسالة البراءة و حكمها
ترتب آثار الصحة على العمل الصادر تقية
من خالف التقية في محل وجوبها
الاخبار العامة عن التقية (2)
الاخبار العامة عن التقية (1)