الحج في الشعر الإسلامي في عصر النبوّة و الراشدين
كان الشعر في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) ينصبّ على الدفاع عن الرسول (صلى الله عليه وآله)و دعوة الإسلام ، و الردّ على مشركي قريش وشعرائهم . ولكن الحج ومشاهده مع ذلك ورد في شعر ذلك العصر بالرغم من أنّ المشركين كانوا يتولون الحج إلى العام التاسع من الهجرة (631 م) ، وهي أوّل حجّة في الإسلام ، وقد أناب الرسول (صلى الله عليه وآله)أبا بكر أولا ثمّ أرسل مكانه عليّ بن أبي طالب، ليقرأ عليهم سورة براءة، (1) ، التي يتبرأ فيها الرسول (صلى الله عليه وآله) ممن يحجّ من المُشركين بعد هذا العام إلى مكّة .
و بعد هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله) واستقراره بالمدينة وظهور الدين الإسلامي ، يذكر الشاعر أبو قيس صِرْمة في قصيدة له ما خصّ الله سبحانه وتعالى أهل يثرب وأكرمهم بنزول الرسول (صلى الله عليه وآله) عليهم ، فيقول :
ثوى في قريش بضع عشرة حجة |
يذكّر لو يلقى صديقاً مواتياً |
ويعرض في أهل المواسم نفسه |
فلم يرَ من يؤوي ولم يرَ داعياً |
فلمّا أتانا أظهر الله دينه |
فأصبح مسروراً بطيبة راضياً، (2) |
و خلال غزوات الرسول (صلى الله عليه وآله) لنشر الإسلام وتدعيم الدعوة الإسلامية والحفاظ على سيادتها في الجزيرة العربية ، تناول بعض الشعراء انتصارات الرسول (صلى الله عليه وآله) شعراً ، وذكروا فيه معاني ومشاهد عن الحج . فهذا الشاعر حسّان بن ثابت
يحلف في قصيدة له بربّ الإبل الماشية في منى بالمشعر الحرام . حيث يقول :
كلاّ وربّ الراقصات إلى منى |
يقطعن عُرض مخارم الأطواد، (3) |
وعندما قدم الوفود على الرسول (صلى الله عليه وآله) بالمدينة في العام التاسع من الهجرة ، كان منهم وفد همدان ، فعاهدوا الرسول (صلى الله عليه وآله) وبايعوه ، فكتب لهم الرسول (صلى الله عليه وآله)كتاباً ، فقال في ذلك أحدهم وهو مالك بن نَمَط أبياتاً يمدح فيها الرسول (صلى الله عليه وآله)ويحلف بربّ الإبل التي تسير في منى ، حيث يقول :
حلفت بربّ الراقصات إلى منى |
صوادر بالركبان من هضب مَرْددِ |
بأنّ رسول الله فينا مُصدَّق |
رسولٌ أتى من عند ذي العرش مهتدي، (4) |
وبعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) قام حسّان بن ثابت يبكي الرسول (صلى الله عليه وآله) في قصيدة طويلة ، ومنها أبيات يذكر فيها الحرم والجمرة الكبرى ، فيقول :
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها |
لغيبة ما كانت من الوحي تعهد |
وبالجمرة الكُبرى له ثم أوحشت |
ديارٌ وعَرصات وربع ومولد، (5) |
وفي عهد الخُلفاء الراشدين يرد الحج على لسان الشُعراء في مناسبات عديدة . ففي عهد الخليفة عُمر بن لخطاب ، يشتكي أحد الشُعراء الخليفة من بعض الولاة فيقول :
نحج إذا حجّوا ونغزوا إذا غزوا |
فأنّى لهم وفر ولسنا بذي وفر |
ويقول الشاعر الُمخضرم أُميّة بن حرثان الليثي ، وكان شيخاً كبيراً ، وكان ولداه هاجرا إلى البصرة زمن الخليفة عمر بن الخطّاب ، فقال يشتكي عمر ويطلبه أن يعيد له ابنه كلابا ، ذاكراً الحج في شِعره ويقول :
سأستعدي على الفاروق ربا |
له عمد الحجيج إلى بُساق |
إذا الفاروق لم يرد كلابا |
إلى شيخين هامهما زواقي |
فلمّا سمع الخليفة هذين البيتين ، أرسل إلى أمير البصرة أن يرد كلابا إلى شيخيه ففعل .
--------------------------------------------------------------
الهوامش
(1) سورة التوبة ، الآية 9 .
(2) ابن هشام ، السيرة 2 : 158 ، الأزرقي ، أخبار مكّة 2 : 147 ـ 148 .
(3) ابن هشام ، السيرة 3 : 298 .
(4) ابن هشام ، السيرة 4 : 245 ـ 246 .
(5) ابن هشام ، السيرة 4 : 317 ـ 319 .
أسماء مكّة