الطائفية في المجتمع - علماء السوء وحب السلطة
تعرض الذكر الحكيم في مواطن متفرقة إلى الدور الذي يمارسه علماء السوء في صناعة الفتن والصراعات الطائفية.
وقد أشارت الآيات القرآنية إلى أن إرادة العلو وحب السلطة والرئاسة هي الخلفية الحقيقية التي تدفع علماء السوء لافتعال الصراعات الطائفية.
قال تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (33) ) (سورة التوبة/ 31-34) .
تعرضت الآيات الكريمة المتقدمة إلى السلوك الطائفي والدور السلبي المضاد الذي واجه به أهل الكتاب دين الإسلام وحملته.
وأشارت الآية (32) إلى سعيهم لإطفاء نور الله والقضاء على الإسلام ديناً وكياناً، الأمر الذي لا يمكن أن يُتصور بدون صِدام مع حملة الدين الجديد على الصعيد الثقافي والسياسي على السواء.
لذا من الطبيعي أن يعمدوا إلى إثارة الشبهات وصناعة العراقيل وحياكة المؤامرات لعلهم يتمكنون من إيقاف مد الإسلام.
أما الآية (33) فقد صرّحت بأن علماء أهل الكتاب كانوا يقفون في خط الدفاع الأول ضد دين الإسلام الذي كان يعرض سلطتهم الدينية إلى الاهتزاز والسقوط.
ويتضح السلوك الطائفي عند علماء أهل الكتاب والمُشار إليه في الآيات من خلال التأمل في قوله تعالى: (وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)، وهنا فلنلاحظ ما يلي:
أ: التعبير بالصد يتضمن إشارة واضحة للمنهجية الطائفية التي كانت تتبعها السلطة الدينية الكتابية لمقاومة نور الإسلام، وعُبّر عنه بالفعل المضارع (يَصُدُّونَ) للإشارة إلى مساعيهم المستمرة من أجل منع مجتمعاتهم عن الدخول في الإسلام.
ولأن اعتناق أهل الكتاب لدين الإسلام وانضوائهم تحت حكومته العادلة يقوض كيان السلطة الدينية الكتابية من القواعد، أصبح الصراع الذي يخوضه علماء السوء من أهل الكتاب مع الإسلام صراعاً على الوجود، وأصبح صد الناس عن اعتناق الإسلام الوسيلة التي تمد سلطتهم بالاستمرار والبقاء.
ب: إن صد أهل الكتاب عن الدخول في الإسلام لا يتأتى إلا بحربٍ إعلامية طائفية مُضللة ضد الدين الجديد وضد حملته.
ومن الملاحظ أن كل حملة طائفية تناهض المد المذهبي للآخر المُختلف تستهدفه على محورين:
أولاً: الهجوم الطائفي على ذات الدين أو المذهب: وهذا يبتني على الكذب والتزييف والاختلاق وإثارة الشبهات حول عقائده ومبادئه وشعائره الخاصة لصرف المجتمع عن التوجه إليه.
ثانياً: الهجوم الطائفي على حملته: وذلك من خلال الكذب عليهم واستهدافهم إعلامياً من أجل إسقاطهم وصرف الناس عنهم.
وقد استغل علماء أهل الكتاب مكانتهم الدينية وعملوا على الاستخفاف بالمجتمع وتجهيله للوصول إلى السلطة والرئاسة والإمساك بمقام السلطة التشريعية.
ولهذا أشارت الآية (31) إلى أن أهل الكتاب أسلموا رقابهم في حقل التشريع والسياسة إلى علماء السوء بدلاً من الخضوع لله سبحانه وشريعته: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ) .
كما أشارت الآية (33) إلى استغلال علماء أهل الكتاب لمكانتهم الدينية في أكل أموال الناس بالباطل: (كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ) .
ومن هنا، فإن السلوك الطائفي الذي ظهر به علماء أهل الكتاب كانت له أجندة معلنة وأخرى غير معلنة. أما المعلنة فهي حماية العقيدة والدفاع والذود عنها من كل الأخطار، وأما غير المعلنة فهي المحافظة على عرش السلطة الدينية وما كان توفره لهم من امتيازات تشريعية وسياسية ومالية.
اعداد و تقديم : سيد مرتضي محمدي
القسم العربي - تبيان
الطاغوت السياسي واستغلال الدين
الطائفية في المجتمع - الدين المُحرّف وصناعة الطائفية
العلمانية من الألوان الفكرية المعاصرة
العدالة في أدبيات الفكر الإسلامي المعاصر
الخطوطً الجليّة والواضحة للحاكم الإسلامي