الرفق في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1)
لقد مدح النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم الرفق بأحاديث كثيرة نذكر بعضاً منها:
الرفق يُمنٌ والخُرق شُؤم :
قال صلى الله عليه وآله وسلم : « الرفق يُمنٌ والخُرق شؤمٌ » (1).
وهذا الحديث يصف الرفق باليُمن ، أي : البركة ؛ لمِا لَهُ من دور حيوي في شدّ أزر الناس بعضهم إلى البعض الآخر من خلال ما يزرعه في نفوسهم من المحبة والصفاء ، حتى يعودوا مباركين في تصرفاتهم ، فيعمّ اليمن ساحتهم وتتغشاهم بركات السماء .
الرفق جمال :
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّ الرفق لم يوضع على شيء إلاّ زانه ، ولا نُزع من شيء إلاّ شانه» (2) .
وهذا الحديث يحكي جمالية الرفق في أنه لبوس حسن، يزين مرتديه، فمن تخلّق بالرفق فإنّ الرفق سيزينه ويزيده جمالاً ووقاراً وهيبة ، فلا يلتفت الآخرون إلى ماهو عليه من عيوب ونقاط ضعف لا ينجو منها عادة إلاّ الكُمّل من الناس ، وعلى العكس من ذلك فلو أن إنساناً يستجمع من المزايا الحميدة الشيء الكثير غير أنّه لا يتخلق بالرفق في تصرفاته ، فإنّ مثل هذا الاِنسان سرعان ما ينفر الناس منه لما للرفق من دورٍ مهم في الكشف عن الاخلاق العملية التي يتفاعل معها الآخرون .
جمال ماهية الرفق وحسن جوهره :
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « لو كان الرفق خَلقاً يُرى ما كان مما خلق الله عزّ وجل شيء أحسن منه » (3) .
ويبين لنا هذا الحديث جمال ماهية الرفق وحسن جوهره الباهر ، فهو صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « لو كان الرفق خلقاً يرى » ، أي : لو أن لحقيقة الرفق صورة مجسدة تظهر للعيان وتتمثل للاِنسان « ما كان مما خلق الله عز وجل شيء أحسن منه » فهو يفوقها حسناً وجمالاً ، وبهذا الطرح الافتراضي والتصويري يبين لنا صلى الله عليه وآله وسلم ما للرفق من جمالية في حقل الاخلاق وكيانها التكاملي الشامخ .
الرفق خير :
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « من أُعطي حظّه من الرفق أُعطي حظّه من خير الدنيا والآخرة» (4) .
وفي هذا الحديث إخبارٌ عن الصادق الامين بأن من يرزق الرفق يرزق الخير كله . وهذا يعني أن الذي يزداد رفقاً ، يزداد من خير الدنيا والآخرة ، وعلى العكس سيكون حال الآخر الذي حُرم حظّه من العقل والوقار ، وصرعته الاَنا ، فاستبدل أناةًبالحُمق ، وجهلاً بالحلم ، فزرع لدنياه وآخرته ما يسوءه حصاده ، وتُطيل ندامته عقباه..
الرفق نصف المعيشة :
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « التودد إلى الناس نصف العقل والرفق نصف المعيشة ، وما عال امرؤ في اقتصاد » (5).
وبهذا التشخيص الدقيق في بعده الاجتماعي تتوضح أهمية الانفتاح على الآخرين ، ومداراة عقولهم ، والانسجام معهم من خلال الرفق بهم دون الغلظة عليهم ، ويعتبر ذلك الرفق معادلاً لنصف الجهد الذي يبذله الاِنسان في دائرة عمله الاقتصادي بين أفراد المجتمع ، وهو صلى الله عليه وآله وسلم بهذا يعطي أهمية فائقة للاخلاق في المجال الاجتماعي والاقتصادي اللذين لاينفكان عن تلازمهما في تسيير عجلة الحياة المعاشية للفرد والاَمة ، ولاَجل هذه الحقيقة الحيوية جاء قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الفقرة الاَخيرة وما عال امرؤ في اقتصاد .
6 ـ الرفق كرم :
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « الرفق كَرمٌ ، والحلم زَينٌ ، والصبر خيرُ مَركب » (6).
بهذا الوصف النبوي الشريف يكون المتخلق بالرفق كريماً موقعه بين الناس ، يلزمهم تبجيله وتعظيمه على سجيته هذه . وبهذا الاحترام تتوسع دائرة الرفق بينهم لما للقدوة من أثر في تعميق المفهوم ، واستحقاقه لهذا التجليل جاء من تكرّمه وترفّعه عن متابعة الآخرين في هفواتهم وزلاّتهم .
الرفق وزير الحلم :
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « نِعمَ وزير الايمان العلم ، ونِعمَ وزير العلم الحلم ، ونِعمَ وزير الحلم الرفق ، ونِعمَ وزير الرفق اللين » (7).
استوزر الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم العلم للايمان ، الحلم للعلم ، الرفق للحلم واللين للرفق ، وبهذه المنظومة المباركة بيّن لنا التماسك الحيوي بين الايمان والعلم والاخلاق ، فمن أراد الاِيمان فعليه بالعلم ، ومن أراد العلم الذي يفضي إلى الاِيمان فعليه أن يتزين بالحلم الذي يجعل من العلم علماً هادفاً نحو التكامل لا العلم الذي يرافقه الغرور والعجب والتكبر ، ومن أراد إيماناً يستند إلى العلم النافع والمستوزر بالحلم فما عليه إلاّ التخلق بالرفق الكاشف عن واقعية الحلم وحقيقته .
الرفق الذي يتضمن : السماحة واللطف والانفتاح والتواضع وتكليم الناس على قدر عقولهم والتجاوز عن سيئاتهم والترفع من متابعة هفواتهم، رفقاً يتجلى فيه اللين وتمحى من ساحته الغلظة ، فلا خشونة عند التعامل ولا جفوة بعد التخاصم ، ولا طغيان عند البغي ، هكذا يريدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أبعادنا العلمية والايمانية والاخلاقية ، وهكذا كان هو ـ روحي له الفدى ـ مجسداً لاَخلاق القرآن ، وسنته العملية هي التعبير الادق لكلِّ ذلك الخُلق النبوي العظيم ، ولاجل هذه الحقيقة الناصعة والمحجة البيضاء عرّفه ربه سبحانه وتعالى بقوله : ( وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) .
الله رفيق يحب الرفق :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم « إنّ الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه »(8).
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّ الله عزَّ وجل رفيق يحب الرفق في الاَمركلّه » (9).
فالله جلَّ جلاله رفيق ، والرفق خلقه ، إذ هو اللطيف بعباده والرحمن بخلقه والرحيم بالمؤمنين ، يرأف ويتحنن ويعفو ويسامح ويغفر ويتوب ، برٌّ كريم ، ودود حليم ، وهو ـ جلّ ثناؤه ـ يحب لنا أن نتخلق بأخلاقه حتى نغدوا ربانيين بأخلاقنا ؛ فربنا الصادق يحب لنا أن نكون صادقين ، وربنا المحسن يحب لنا أن نكون محسنين ، وربنا الرفيق يحب لنا أن نكون رفقاء. ولاشك أنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف .
اعداد وتقديم: سيد مرتضى محمدي
القسم العربي - تبيان
المصادر:
(1) الكافي 2 : 119 | 4 باب الرفق . إحياء علوم الدين 3 : 185 . والخُرق : الجهل والحُمق .
(2) الكافي 2 : 119 | 6 باب الرفق . وقريب منه في إحياء علوم الدين 3 : 185 .
(3) الكافي 2 : 120 | 13 باب الرفق .
(4) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد 6 : 229 . إحياء علوم الدين 3 : 185 .
(5) بحار الاَنوار 71 : 249 .
(6) بحار الانوار 69 : 414 .
(7) بحار الاَنوار 75 : 52 .
(8) الكافي 2 : 119 | 5 باب الرفق . إحياء علوم الدين 3 : 185 .
(9) كنز العمال : خبر 5370 .
الـرفق آفاقه وفلسفته
الرفق والاِيمان
اللين والعفو في القران الكريم
ادفع بالَّتي هي أحسن من ايات الرفق