• عدد المراجعات :
  • 1894
  • 5/24/2008
  • تاريخ :

الشفاعة
القران الكريم

   

الشفع خلاف الوتر والوتر فرد والشفع زوج.

قال ابن منظور قد تكرر ذكر الشفاعة في الحديث فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة: وهي السؤال والتجاوز عن الذنوب والجرائم. والمشفّع الذي يقبل الشفاعة والمشفّع الذي تقبل شفاعته ـ لسان العرب واقرب الموارد مادة شفع ـ ومَن تَتَبّع موارد الاستعمال لهذه اللفظة يعرف أنها ضم شيء إلى شيء أو ضم شخص إلى شخص ولو اعتباراً كما لو كان محترماً فيشفع لشخص بمعنى يضمه إلى نفسه فيحسبه منه اعتباراً حتى يعامل معاملته أو تقضى حاجته لوجاهته ولقبول قوله عند الآخرين والشُفعة في الأرض كأن يضم الأرض التي لشريكه إلى أرضه أو أرض جاره إلى أرضه.

ولعل معنى الشفاعة واضح في كل اللغات التي تؤدي هذا المعنى لكثرة الحاجة إليها في المجتمعات في قضاء حوائجهم وأمور معاشهم فهم يتداولون هذه اللفظة أو ما يراد منها كثيراً في حياتهم فلذا لا تحتاج إلى مزيد توضيح.

 

بعض آيات الشفاعة

1ـ قل لله الشفاعة جميعاً.

2ـ من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه.

3ـ لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً.

4ـ يومئذِ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً (يوم يقوم الملائكة والروح صفا لا يتكلمون إلا لمن أذن له الرحمن وقال صوابا).

5ـ لا يشفعون إلا لمن ارتضى.

6ـ وكم من ملك في السموات والأرض لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى.

 

الله هو الشفيع المطلق

ولا تعارض في آيات الشفاعة، فمرتبة الشفاعة العليا بالذات لله تعالى وليس لأحد شفاعة بالذات: قل لله الشفاعة جميعاً.

وكما أن الملك والأمر والقدرة والتصرف والحول والقوة لله تعالى فقط وانه مالكها وله التصرف فيها كيفما شاء كذلك الشفاعة ملكه وله التصرف فيها وكما له تعالى أن يعطي ملكه أو الحول والقوة والقدرة لاحد فكذلك الشفاعة (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) فالشخص الذي يشهد بالحق وهو يعلم قد ارتضاه الله تعالى للشفاعة (لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) فبعد الإذن الإلهي وارتضاء قوله وكونه صواباً فحينئذٍِ يرضى بشفاعته.

حيث قال جل وعلا (لا يتكلمون إلا لمن أذن له الرحمن وقال صواباً) ويوضحه قوله تعالى (يومئذٍ لا تنفع الشفاعة إلا من إذن له الرحمن ورضي له قولا).

وهذه الاستثناءات بعد النفي تفيد الإثبات كما عليه أهل العربية فليس لاحد إنكارها لان ذلك خروج عن فهم اللغة ومن خرج عنها عليه أن يعود إليها ومنها يعرف عدم وجود تعارض في الآيات بل لا تشابه فيها لوضوحها فلله تعالى الحاكمية المطلقة والمالكية العامة وليس لاحد بالذات شيء منها بل تكون بتمليك الله تعالى وإذنه ورضاه.

 

 ليست الشفاعة خرقاً للقوانين

الشفاعة من النواميس الإلهية كبقية الأمور العائدة لله تعالى وليس في جعلها لاحد خرق للقوانين الإلهية كيف تكون خرقاً وهو إذن فيها وارتضاها وجعلها فإنكارها موجب للقول بعدم الاختيار الإلهي وعدم إرادته ومشيئته المطلقة وتحديد لها وهو قول باطل وقد قال تعالى فيما يشابه ذلك (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم) وقال جل ذكره (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) بل قد يكون تصرفه اكثر من ذلك حيث قال جل وعلا (فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات) وكما قد تدفع السيئة أو تبدل كذلك قد تتضاعف الحسنات (أولئك يؤتون أجرهم مرتين) بل قد يكون كما قال جل شأنه (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) فله تعالى أن يفعل ما يشاء وكيف يشاء (لا يُسئل عما يفعل وهم يسئلون) فليست الشفاعة خرقاً للنواميس الإلـــهية بل هي منها داخلة في ملكه وتصرفه.

والشفاعة المنفية في القرآن الكريم هي المستقلة عن الله تعالى والثابتة هي ما كانت بتمليكه واذنه ورضاه.

فما أشكل على الشفاعة من اشكالات ناتج عن عدم فهم آيات الذكر الحكيم ومع التدبر فيها لا يبقى إشكال وإن فرض وجود متشابه فيها فيمكن إرجاعه إلى المحكمات منها وبذلك يحل الإشكال المتصور. فأصل الشفاعة ثابت في القرآن الكريم لله تعالى بالذات ولمن ملكه الله تعالى من ملك أو نبي أو مؤمن صالح على ما سيأتي التفصيل فيه مسنداً بالروايات الشريفة.

 

 الشفاعة في القوانين البشرية

كثيراً ما نرى في المجتمعات كلها أن الشفاعة جارية في القوانين الوضعية إذ قد يحصل التصادم والتعارض وعدم التلائم بين القانون وبين مصالح بعض الأفراد فيخالف القانون ولاجل أن لا يعاقب يلتجئ إلى الشفاعة في القانون مثل من شمله قانون الضرائب والدفع مضر بحاله أو المقدار مجحف به يلتجئ إلى إسقاطه أو تقليله إلى الوسائط.

وكذا من يريد بناء عمارة لا يقبل القانون بالهندسة أو المقدار الذي يريد بناءه فيلتجئ إلى حيلة ووساطة في ذلك لكي يمكنه الاستمرار في عمله وفق مصلحته. فالشفاعة في هذه القوانين تكون لأجل دفع ضرر أو جلب منفعة وقس على ذلك من الأمثلة في المجتمع كلاً حسب حاجته.

 

معنى الشفاعة في الأمور الاجتماعية

لا يخفى على من عاشر المجتمعات التي يسودها الحكم العشائري أو سمع بها من وجود الشفاعة فيها لأجل الفصل والقضاء بين النزاعات ويكون ذلك بواسطة شخص محترم وهذا المعنى جارٍ أيضاً في الحواضر المدنية خصوصاً في المشاكل التي لا تستدعي الذهاب إلى المحاكم لأي سبب كان. وكثيراً ما تقع في الأمور العائلية من الخلافات التي تلتجئ الأسر فيها إلى هذا النحو من الفصل وكثيراً ما يحصل الفصل بخلاف القوانين الوضعية أما بإسقاط الحقوق أو العقوبات تماماً، اكثراً أو بعضاً وليس ذلك معناه عدم صحة القوانين بل قد يكون على سبيل العفو والصفح عن الفرد أو لأجل احترام شفيع ذي وجاهة في المجتمع.

 

موارد تأثير الشفاعة

لابد أن يكون الشخص المشفوع له لائقاً للشفاعة بنحو يستوجب ذلك كما لو كان خروجه عن القانون والتمرد عن غفلة أو جهل أو لسوء حالٍ أو لغلبة شهوةٍ غير مصرٍ على التمرد بل نادماً على ما صدر عنه غير جاحدٍ لمولوية المولى وحينئذٍ يأتي دور الشفاعة لتجبر ما كسر وتكمل الأسباب ليكون الفرد وكأنه قد سار على نهج القانون ويعفى عنه.

 

 وسيلة الشفاعة

ولا يتوسل الشفيع إلى الشفاعة بإنكار مولوية المولى ولا أن يطلب منه ترك مولويته أو انكار مقام العبودية للعبد بل يطلب منه أن يرفع اليد عن العبد الذي يستحق العقوبة لا أن ينسخ حكمه عموماً أو في خصوص ذلك الفرد ولا أن يبطل قانون العقوبات بل لا تجري الشفاعة في هذه الأمور وإنما يتوسل الشفيع بصفات في المولى توجب العفو والصفح مثل أن يذكر كرمه وسخاءه أو رأفته ورحمته أو يتوسل بصفات في العبد توجب العفو عنه كمذلته ومسكنته وحقارته وسوء حاله أو أن يقبض على كريمته ويتوسل بجاهه ومقامه عند المولى فلأجل كرامته وقرب مقامه ومنزلته تحصل الشفاعة.

 

عمومية الشفاعة في الدنيا والآخرة

كما تجري الشفاعة في الأمور الدنيوية وفي القوانين الوضعية وغيرها فكذلك في الآخرة بإسقاط العقاب أو تخفيفه بل تجري في الدنيا فيما يرتبط بالقوانين الإلهية بتوسط الأسباب المعهودة شرعاً كما إذا حكم على شخص بالسجن وتوسل بالله جل ذكره فيمكن خلاصه بالدعاء والتوسل وهذه الشفاعة نحو من توسيط الأسباب وقد قال جل شأنه (واستعينوا بالصبر والصلاة) وقد ذكر العلماء أنواع من الذكر والدعاء تؤثر على التربية والزرق والخلاص من السجن ودفع البلاء والأمراض ونزول المطر وغير ذلك من بلاء الدنيا أو جلب الخيرات بل ذكرت أمور من الصلوات والأعمال للخلاص من ضيق اللحد أو ضغطة القبر أو غير ذلك وخصوصاً في خواص الأسماء الحسنى قال تعالى (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) وهذه شفاعة بأسمائه الحسنى حتى أن كثيراً من الكرامات تجري عن هذا الطريق.

 

الشفاعة التكوينية

قد يستفاد من بعض آيات الذكر الحكيم وجود شفاعة كونية بمعنى توسيط الأسباب الكونية للوصول إلى المسببات كما يفهم من قوله تعالى (له ما في السماوات والأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) حيث ذكرت الشفاعة مع الأمور الكونية وكذا جاء في قوله تعالى (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه) فالشفاعة هنا بعد تدبير الأمور تكون في حدود الأمور التكوينية.

والشفاعة هنا هي نهج الأسباب للحصول على المسببات.

 

العقل يدل على إمكان الشفاعة

ليست الشفاعة من الأمور المحالة أو وجودها يوجب المحال بل من الأمور الممكنة وقيل أن العقل يدل على إمكان وقوعها لاعلى وقوعها حيث لا وسيلة للعقل ولا مسرح له في ذلك نعم لو قيل أنها من مصاديق اللطف وإنها واسطة من الوسائط التي تقرب العبد إلى الله مع الصفح والتجاوز عنه وتوجب له الوصول إلى الكمال لكان العقل دالاً على وقوعها من هذا الباب أيضاً والتفصيل موكول إلى محله.

 

هل الوعد بالشفاعة موجب للتجري على المعصية

قد يقال أن الوعد بالشفاعة يوجب تجري العبد على المعصية ويغريه على هتك حرمة المولى وهو نقض لغرض بعث الأنبياء حيث يريدون منهم الطاعة والدوام عليها وعدم ارتكاب المعاصي فكيف يعدوهم بالشفاعة التي تنتج خلاف ذلك؟ وجوابه أن الوعد بالشفاعـــة كالوعد بالمغفرة والرحمة والدعوة إلى عدم القنوط واليأس من رحمة الله ورَوْحِه كما قال تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وكقوله جل شأنه (قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً) فكما وعد بالمغفرة وعد بالشفاعة هذا أولا.

وثانياً: أن التجري يأتي من الوعد لكل فرد على كل ما عمل وليس هذا حاصلاً هنا ومع عدم العلم هل تقبل الشفاعة في حقه وهل يختم له بالخير والإيمان أو لا. فكيف يقدم على هتك المولى مع انه تعالى قال لهم (وكانت عاقبة الذين اساؤوا السوءى أن كذبوا بآيات الله) وكل فرد يامل الشفاعة ويخاف ذنبه وليس آمناً من مكر الله جل وعلا إلا إذا أمنه الله تعالى يوم الفزع الأكبر وعليه فلا يلزم من ذلك إغراء بالمعصية كما توهم.

 

 أوهام وردود

قد يقال أن الشفاعة لبعض الأفراد توجب ضياعاً لحقوق الآخرين كما لو شملته الشفاعة مع انه مطلوب لجماعة أو فرد أخر بحقوق شرعية فلابد أن يتغاضى عنه في الحساب فإذا شُفع له تركت الحقوق ويوجب ذلك ظلماً لأصحاب الحقوق. وجوابه إذا عرفنا المالكية المطلقة لله تعالى فهو يملك العبد وما يملك وله التصرف في العبد وهو أولى به من نفسه فله تعالى التصرف في ملكه ومملكته فقد قال جل شأنه عن جماعة (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً) مع انه (ولا يظلم ربك أحدا) فله أن يضاعف حسنات ذوي الحقوق لأجل إسقاط حقهم وله اخذ الحقوق منهم مقابل عفوه عنهم أو مقابل كرمه الدائم والخلود الأبدي الذي لا يستحقونه وتأتي الإشارة إلى توضيحه في الروايات.

قد يقال انه تعالى قال (فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً) وقال (إن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) فالقوانين والسنن الإلهية جرت على معاقبة العصاة والطغاة بالنار وجوابه: إن ذلك تمسك ببعض الكتاب وترك للباقي فكيف تكون الشفاعة خروجاً عن السنن الإلهية وقد ذكرها الله تعالى في كتابه واثبتها فهي أيضاً من النواميس الإلهية وابطالها موجب لتقييد القدرة الإلهية وتحديد دائرة التصرف والاختيار الإلهية ورفضها رفض لبعض آيات الذكر الحكيم (افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض).

قد يقال آيات الشفاعة متشابهة وغير واضحة.

وجوابه إذا تنزلنا وقلنا ذلك فهناك آيات محكمات ترجع إليها المتشابهات ويتضح بذلك معناها.

حدود الشفاعة وفيمن تجري

لا تنفع الشفاعة ولا تجري ولا تشمل جماعات وطوائف منهم المشركون والمنافقون والكفار (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقال جل ذكره حاكياً عنهم (فما لنا من شافعين) وكذا لا تجري في تاركي الصلاة وما نعي الزكاة والذين يتبعون كل ناعق فقد حكى جلّ ذكره عند ما يسألون (ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين) وقال عن المنافقين (في الدرك الأسفل من النار) واما غيرهم فيمكن جريان الشفاعة في حقه (قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً) ومن الرحمة التي لا يقنط منها الجميع هي الرحمة المهداة التي قال(ص) ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي كما تلقت الأمة هذا الخبر بالقبول. وبذلك عرفنا حدود الشفاعة وعدم تعديها وشمولها للكفار وما ذكرنا من الطوائف الأخرى ومن الذين لا تشملهم الشفاعة المنكرون لها كما في الحديث الشريف عن الصدوق في الامالي والعيون عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله(ص) من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي.

ما هي فوائد التوبة للانسان؟

التوبة وأثرها على الفرد والمجتمع

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)