الرفق في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم (2)
الله يعين على الرفق :
قالرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ الله يحب الرفق ويعين عليه » (1).
في هذا الحديث المبارك يبين لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الله مع كونه يحب الرفق ، فهو سبحانه يعين عليه ، فمن أراد التخلق بالرفق وسعى لاكتساب هذه الفضيلة فإنّ المد الاِلـهي يُقبل عليه ويقوّي فيه هذه العزيمة ، وهذا كقوله تعالى : ( إنَّهُم فِتيَةٌ آمَنُوا بِرَبِهِم وَزِدنَاهُم هُدىً ) (2) فبعد أن أقبلوا على الايمان زادهم الله هدىً ، فكذا الحال في اكتساب سجية الرفق ، فإنّ الله يعين الساعين إليها بأن يسهل لهم سبل الوصول إلى بغيتهم التكاملية هذه .
فإذا وجدنا أنفسنا غير متخلقين بهذه السجية الفاضلة فإنّ العيب فينا ،إذ لم نسع نحوها حتى تُقْبِل هي إلينا .
الرفق رأس الحكمة :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « الرفق رأس الحكمة ، اللّهم من وليَ شيئاً من أمور أُمتي فرفق بهم ، فارفق به ، ومن شقق عليهم فاشقق عليه »(3).
الحكمة كما لا يخفى هي وضع الشيء في محله ، ولما كان الرفق هو من محامد الصفات التي يتصف بها الخالق المتعال وأنبياءه الكرام وذوي الحجى والالباب ، وبه يعالجون سقم الناس ، فهو الدواء المحكمة مراهمه، والبلسم الناجح شفاؤه ، ينفع مع الفرد في تطبيبه وتهذيبه ، ومع الاُمّة في تدبير أمرها وسَوْسها .
فالنبي الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن يعرّف الرفق بأنه رأس الحكمة ، يتوجه إلى ربه بالدعاء بالرفق لمن يرفق بمن وُليَّ عليه ، وبالمشقة على من يشق عليهم ، ولاشك أن دعوة المصطفى حبيب الله هي دعوة مستجابة حتماً ، وهي في الوقت نفسه كشف عن قانون وإرادة سماوية في المكافأة والمجازاة على الاَفعال .
أفضل الصاحبين :
الصحبة في الله عمل ممدوح ، باركه الاِسلام كثيراً ، وحثّ عليه ، وبشّر أهله بالثواب الجزيل والمنزلة الرفيعة ، لكن بين المتصاحبين في الله تفاضل ، فأحدهما أرفع منزلةً وأعظم أجراً من أخيه ، فبأيّ مزيّة نال هذا التفضيل ؟
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكشف لنا عن سرِّ هذه المفاضلة ، فيقول : «ما اصطحب اثنان إلاّ كان أعظمهما أجراً وأحبّهما إلى الله عزَّ وجل : أرفقهما بصاحبه»(4) .
الرفق إذن هو الذي رفع أحد الصاحبين على أخيه درجةً ، وشرّفه بمنزلة من حبّ الله أعلى .
الزيادة والبركة:
إنّ الله تعالى ليجازي عباده على مكارم الاخلاق في الدنيا فيريهم ثمراتها ، كما يدّخر لهم ليوم لقائه ما هو أنمى وأبقى ، فما الذي يراه المتحلّي بالرفق في دنياه ؟اه ؟اه ؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ في الرفق الزيادة والبركة، ومن يُحرم الرفق يُحرم الخير »(5)
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « ما زوي الرفق عن أهل بيت إلاّ زويَ عنهم الخير » (6).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « من كان رفيقاً في أمره نال ما يريد من الناس » (7).
وقال الاِمام الصادق عليه السلام : « أيّما أهل بيت اُعطوا حظّهم من الرفق فقد وسّع الله عليهم في الرزق ، والرفق في تقدير المعيشة خيرٌ من السعة في المال ، والرفق لا يعجز عنه شيء والتبذير لا يبقى معه شيء ، إنّ الله عزّ وجلّ رفيق يحبّ الرفق »(8).
الرفق سور الايمان :
عن هشام بن أحمر ، قال : جرى بيني وبين رجل من القوم كلام ، فقال لي أبو الحسن عليه السلام : « ارفق بهم ، فإنّ كُفرَ أحدهم في غضبه ، ولا خير في من كان كفره في غضبه » (9).
وفي كلام بعض الصالحين : ما تكلّم الناس بكلمة صعبة ، إلاّ وإلى جانبها كلمة ألين منها تجري مجراها (10).
الرفق في حقوق المؤمنين :
ركّز الاِسلام كثيراً عنايته بحقوق المؤمنين بعضهم على بعض ، حفظاً لكرامة الاِنسان المؤمن ، وصيانة للمجتمع ورصّاً لصفوفه ، قال تعالى : (والمؤمِنُونَ والمؤمِنَاتُ بَعضُهُم أولِياءُ بَعضٍ ) (11).
والرفق واحد من تلك الحقوق التي ينبغي حفظها ، وفي (رسالة الحقوق) التي أفاض بها الاِمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام أكمل دستور يتناول شعب الحقوق وجوانبها وألوانها ، وفيها تجد للرفق حظّه المبرّز وهو يوزعه على أولى الفئات التي ينبغي أن يحفظ لها حقّها فيه ، ومنها: المسلمون عامّة :
قال عليه السلام : « وحقّ أهل ملّتك : إضمار السلامة ، والرحمة لهم ، والرفق بمسيئهم ، وتألّفهم ، واستصلاحهم ، وشكر محسنهم ، وكفّ الاَذى عنهم»(12).
المستنصح :
وقال عليه السلام : « وحق المستنصح : أن تؤدّي إليه النصيحة ، وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به » (13).
الزوجة :
وقال عليه السلام : « حقُّ الزوجة: أن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ جعلها لك سكناً وأُنساً وتعلم أنّ ذلك نعمةً من الله عليك ، فتكرمها ، وترفق بها ، وإن كان حقك عليها أوجب فإنّ لها عليك أن ترحمها لاَنّها أسيرك ، وتطعمها وتسقيها وتكسوها ، وإذا جهلتْ عفوتَ عنها » (14) .
وفي الزوجة جاءت وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « رفقاً بالقوارير » (15).
الصغير :
وقال عليه السلام : « وحق الصغير : رحمته في تعليمه ، والعفو عنه ، والستر عليه ،والرفق به ، والمعونة له » (16).
وهكذا يزيّن الرفق أخلاق المرء وحياته ، بل أخلاق المجتمع كلّه ، ليسهم مع أخوانه من مكارم الاخلاق في بناء انسان متكامل ومجتمع متين متجانس يسوده الائتلاف والوئام، وتتجذّر فيه كلّ عناصر الصحة والقوّة والصلاح .
اعداد وتقديم: سيد مرتضى محمدي
القسم العربي – تبيان
(1) الكافي 2 : 120 | 12 باب الرفق .
(2) الكهف 18 : 13 .
(3) بحار الانوار 75 : 352 .
(4) الكافي 2 : 120 | 15 باب الرفق .
(5) الكافي 2 : 119 | 7 باب الرفق .
(6)الكافي 2 : 119 | 8 باب الرفق .
(7) الكافي 2 : 120 | 16 باب الرفق .
(8) الكافي 2 : 119 | 9 باب الرفق .
(9) الكافي 2 : 119 ـ 120 | 10 باب الرفق .
(10) إحياء علوم الدين 3 : 186 .
(11) التوبة 9 : 71 .
(12) شرح رسالة الحقوق ، للسيد حسن القبانچي 2 : 541 .
(13) رسالة الحقوق 2 : 387 حق المستنصح .
(14) المصدر السابق 1 : 517 حق الزوجة .
(15) مسند الحميدي : 1209 .
(1) رسالة الحقوق 2 : 455 حق الصغير .
الرفق في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1)
الرفق بالحيوان في السنة (1)
الرفق بالحيوان في السنة (2)
ادفع بالَّتي هي أحسن من ايات الرفق