و لله الاسماء الحسنى فادعوه بها
لقد خلق الله الانسان في احسن تقويم ، و زوده بكل وسائل الهدى ، و لكن حيث ترك الانتفاع بها اصبح حقيرا الى درجة لا ينفع الا لجهنم ، و كأنه قد خلق لها و من أجلها ، لقد زود الله البشر بالقلب و جعل التفقه به من مسؤولية البشر ، و زوده بالعين و لكن التبصربها من واجبه ، و كذلك الأذن جعلها من اجل السماع الاستماع لايمكن الا بارادة البشر و بقراره .
ان الانسان الذي لا يقرر الانتفاع بوسائل الفقه و المعرفة التي عنده يشبه الانعام ، بل اضل منها منهجا و طريقا ، لان الانعام لا تملك قدرة و البشر يملكها و لا ينتفع بها ، و هؤلاء غافلون عن قدراتهم العاملة ، و عن المستوى الذي بامكانهم بلوغه .
و لله سبحانه الاسماء الحسنى ، و كل اسم من أسمائه يشير الى قوة فاعلة في الحياة ، أو سنة جارية فيها ، فأذا عرفنا الله بآياته عرفنا تلك الاسماء ، و من خلالها استطعنا أن نكيف انفسنا مع الحق ، و دعاء الله باسمائه الحسنى يكرس روح الحقيقة في البشر ، أما من يغير اسماء الله فعلينا ان نتركهم للجزاء العادل .
و هناك من يحكم بالحق و يجعله مقياسا لتقييم الحياة ، أما الذين يكذبون بآيات الله فانهم سوف يتدرجون الى النار من حيث لا يعلمون ، و ان الله يملي لهم ويمهلهم الى حين .
الحكمة:
أن ربنا رحيم و رحمته واسعة ، و لكن رحمته سبحانه قد حددها بحكمته البالغة ، بأولئك الذين ينتفعون بالنعم و يقررون الاستفادة منها ، أما من لا يشتغل قلبه و سمعه و اذنه و بالتالي مداركه فان رحمة الله تتبدل بالنسبة اليه الى نقمة شديدة ، حيث يلقى بهفي جهنم و كأنهم قد خلقوا لها .
[ و لقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن و الانس لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم اعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها ] (اعراف/179)من الآية يظهر بوضوح أن الهدى من الله ، و لكن الاهتداء بالهدى من البشر و من صنعه ، فهو الذي يقرر التفقه بالقلب ، و التبصر بالعين ، و السماع بالاذن ، و من دون هذا القرار فان الله لا يكره احدا على الهدى .
[ اولئك كالانعام بل هم أضل ] (اعراف/179)
لان الانعام تهتدي بفطرتها نحو منافعها ، و هؤلاء ينحرفون حتى انهم ليضرون بأنفسهم بوعي و من دون وعي ، كالذي يشرب الخمر و يضرر بنفسه ، و الذي يسلط الطاغوت ليستعبده ، و الذي يعاقر المخدرات و يمارس الفاحشة ليضر بنفسه ، مما لا يفعله الحيوان لانه يهتدي بفطرته الى مصالحه ..
[ أولئك هم الغافلون ] (اعراف/179)
الغافـــل هو : الذي يملك ذخائر المعرفة و لكنه لا يستفيد منها فيقع في المهالك .
الالحاد بالأسماء و الصفات :
بسبب الالحاد و الانحراف في اسماء الله ، ينحرف كثير من الناس فيزعمون مثلا أن الله واسع الرحمة و انه لذلك لا يعذب احدا لان رحمته تأبى ذلك ، أو يزعمون بانه لو زل احد فانه قد سقط نهائيا و سوف يعاقبه الله لانه شديد العقاب ، و لا يرجى له الخير ابدا ، هذا التصور الخاطئ أو ذاك يكرس انحراف البشر ، بينما الاعتقاد السليم أن الله واسع الرحمة و أنه شديد العقاب كل في محله و حسب الحكمة ، و ان الرحمة و النقمة تأتيان بعد ارادة البشر و مشيئته ، فلو اراد الرحمة لنفسه لحصل عليها ، و لو شاء العذاب لأبتلى به، هذا الاعتقاد السليم يبعد البشر من انحرافاته ، و هذا الاعتقاد السليم انما يبلغه الانسان بفطرته النقية و عقله و بصيرته ، حيث ينسب بها الى ربه احسن الاسماء .
[ و لله الاسماء الحسنى فادعوه بها ] (اعراف/180)
إن دعاء الله باسمائه الحسنى يكرس الضمير الحسن عن الانسان ، فيهتدي الى السنن الحاكمة في الحياة و التي يجريها ربنا باسمائه الحسنى .
[ و ذروا الذين يلحدون في اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ] (اعراف/180) و الالحاد في اسماء الله يسبب إنحرافات عمليه، و على تلك الانحرافات يعاقب الله عباده ، لا على مجرد التصور الخاطئ ، بل نستطيع أن نؤكد ان الانحرافات العملية هي السبب المباشر في الالحاد في أسماء ربنا ، اذ من دون سبب و إذا ترك البشر فطرته النقية عرفالله باسمائه الحسنى ، و لذلك لا ينفع الجدل في أسماء اللهو المناقشة مع الملحدين فيها ، لان سبب الانحراف و الالحاد ليس سوء الفهم بل سـوء النية ، و ربما لذلك أمرنا الله بترك هؤلاء الملحدين و شأنهم ، إذ المجادلة مع المنحرفين بوعي مسبق و إصرار عليه تشوش رؤية البشر الصافية ، و تشككه في حقه .
يبدو أن الخليقة تقاد بقوى معينة مثلا بالعلم ، و الحكمة ، و القدرة ، فالشمس تجري لمستقر لها ، و لكن كيف ؟
الحكمة هي التي تجعل للشمس هدفا تتحرك نحوه من أجل تحقيقه ، و العلم هو الذي يحدد مسيرة الشمس بحيث تبلغ الهدف ، و القدرة هي التي تنفذ الحكمة و العلم و تقهر الشمس على إتباع تلك المسيرة المحددة ، هذه هي أسماء الله سبحانه ، و تجلياته ، فالعلم اسم من أسمائه الذي يتجلى في كل صغيرة و كبيرة في الكون ، و الحكمة كذلك ، و القدرة و هكذا ..
و حين ندعو الله باسمائه و نقول يا عليم ، يا قدير ، يا حكيم ، أو نقول نسألك بعلمك ، و بقدرتك ، و بحكمتك ، فاننا في الوقت الذي نكرس في أنفسنا قيمة العلم ، و القدرة ، و الحكمة و نستخدمها في واقعنا ، فان هذه القيمة لا تكون منفصلة عن توحيد الله و عن عبادته ، و عن الايمان بأنه أعلى من أسمائه ، و أن علينا التوكل عليه لا الاعتماد فقط على أسمائه .
التوسل بالذات لا بالصفات :
ان من أكبر أخطاء البشر هو التوسل بأسماء الله سبحانه دونه ، لان ذلك يشكل جزءا من الحقيقة الكونية ، و هو يؤدي الى الايمان ببعض الحقيقة ، فمثلا ، الايمان بالعلم دون الحكمة يسبب جعل العلم معبودا وحيدا كما فعل الفرنسيون في منطلق ثورتهم . و العبودية للعلم تجعل العلم بلا هدف ، بل بهدف استغلال البشر ، و سحق القيم المعنوية عنده . كذلك القدرة إذا أصبحت معبودة بذاتها لا بصفتها إسما من أسماء الله الحسنى ، فان القدرة المنطلقة بلا حكمة تستهوي الناس و تجعلهم يطلبونها بشتى الوسائل ، حتىبفداء القيم .
و من هنا تركز الادعية المأثورة على تذكر الاسماء الحسنى بانها منسوبة الى الله و جاء في بعض الادعية : [ اللهم إني أسألك بأسمك يا الله يا رحمن ، يا رحيم ، يا كريم ، يا مقيم ، يا عظيم ، يا قديم ، يا عليم ، يا حليم ، يا حكيم ، لا اله إلا أنت ، الغوث الغوث ، خلصنا من النار يا رب ] . (1)
[ اللهم إني أسألك بأسمك يا علي يا وفي ، يا غني يا ملي ، يا صفي يا رضي ، يا زكي يا أبدي ، يا قوي يا ولي ] . (2)
[ اللهم إني أسألك من بهائك بأبهاه و كل بهائك بهي ، اللهم إني أسألك ببهائك كله ، اللهم إني أسألك من علمك بأنفذه و كل علمك نافذ ، اللهم إني أسألك بعلمك كله ] . (3)
[ اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء ، و بقوتك التي قهـرت بها كل شيء ، و خضع لها كل شيء ، و ذل لها كل شيء ، و بجبروتك التي غلبت بها كل شيء ، و بوجهك الباقي بعد فناء كل شيء ،و بأسمائك التي ملأت أركان كل شيء](4)
إن إسلوب الادعية يكرس قيمة الاسماء التي تذكر تارة بالعموم و تارة بالتحديد ، و لكن تبقى قيمة التوحيد فوق قيمة أسماء الله ، لان هذه الاسماء تتصل بالتالي بالله سبحانه .
موقف التصديق :
و حين يدعو المؤمن ربه باسمائه الحسنى يجعل الحق مقياسا و قيمة ، لانه بمعرفة الله سبحانه و معرفة أسمائه الحسنى يستوعب البشر جوانب الحق .
[ و ممن خلقنا أمة يهدون بالحق و به يعدلون ] (اعراف/181)
و الملاحظ في الآية أن الله سبحانه عبر عن أولئك الذين يحكمون بالحق بـ ( الأمة ) بأعتبارهم طائفة منتظمة تحت قيادة إمام ، ثم يهدون الناس الى الحق ، و هم بدورهم يأخذون بالحق و يجعلونه مقياسا لتطبيق العدالة في المجتمع .
موقف التكذيب :
و في مقابل هؤلاء جماعة يكذبون بآيات الله التي تهدي الى الحق ، و جزاء هؤلاء استدراجهم حتى يصلوا الى الدرك الأسفل من حيث لا يعلمون [ و الذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ] (اعراف/182)و الاستدراج هو : إعطاء الطرف الآخر فرصة التقدم حتى يقع في الفخ مفاجئة ، لذلك لا يجوز للبشر أن يستريح على المهلة التي يعطيها الله له ، أو على النعم التي دعاء السحر .
تترى عليه ، أو ما أشبه .. فان المهلة أو النعمة قد تكون مصيده له ، و فخا سرعان ما يقع فيه .
[ و املي لهم إن كيدي متين ] (اعراف/183)
أي أعطيهم مهلة ، و ذلك خطة لأخذهم أخذا لا يقدرون على الفرار منه ، لان خطة الله متكاملة و محكمة .
الهوامش:
(1)و(2) من دعاء الجوشن الكبير في مفاتيح الجنان .
(3) من دعاء البهاء في مفاتيح الجنان .
(4) دعاء كميل للامام علي (ع) .
دعاء لحفظ القرآن
دعاء لأمير المؤمنين (ع) عند ختم القرآن
أدعية نبي الله موسى عليه السلام
دعاء نبي يونس وهو في بطن الحوت