الخشوع وآثاره في القرآن
هذا اللفظ يلازم الخوف والخشية الى حدّ ما. فالخشوع يعني خضوع القلب، ويشير الى حالة الليونة في القلب مقابل (القسوة) التي تطلق على صلابة القلب وعدم تأثّره. (1)
فانّ جذور الخشوع موجودة في الفطرة الإنسانية كسائر المشاعر والعواطف، وهي قابلة للقوة والضعف فعلينا تقوية جذورها الفطريّة حينما تضعف.
قال تعالى في القرآن الكريم:
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)(2).
هذه الآية ترغّب المۆمنين بأن يتحلَّوا بالخشوع والخضوع في القلب ولا تقسو قلوبهم ولا يكونوا غير متعاطفين، وليكونوا متواضعين خاضعين إزاء كلمات الله وآياته والكتب السماوية والحق والحقيقة، ولينظّموا شۆون حياتهم ويعطوا الصورة الصحيحة لأعمالهم وسلوكهم بوحي منها، وتذمّ الذين وصفتهم بأنّهم قساة القلب الذين نزلت عليهم الكتب السماوية والتوراة ولكن لم تۆثّر على حياتهم، وبدلاً من الخروج من حالة الغفلة والميل الى الحق تمادت قلوبهم في قسوتها ومارسوا الفسق والفجور، وتطلب الآية من المۆمنين السعي لجعل قلوبهم خاشعة تجاه الحق واسم الله وأن لا يبتلوا بمصير بني اسرائيل.
انّ تعامل الآية المذكورة مع خشوع القلب وقسوته يبيّن هذه الحقيقة وهي أنّ تحصيل الخشوع أمر اختياري الى حدّ ما، أي الإنسان بتوفير المقدّمات وممارسة أعمال خاصّة قادر على إيجاد هذه الحالة في القلب، كما أنّ القسوة، وهي النقطة المقابلة للخشوع، يمكن إيجادها في القلب عن طريق مقدماتها الاختيارية ولذا توجه الذمّ الى قاسي القلب.
وعليه فانّ جذور الخشوع موجودة في الفطرة الإنسانية كسائر المشاعر والعواطف، وهي قابلة للقوة والضعف فعلينا تقوية جذورها الفطريّة حينما تضعف.
يعتبر القرآن الكريم (الخشوع) من الصفات البارزة للإنسان الصالح، ويشير الى هذه الصفة في مقام الثناء على الأشخاص والجماعات باعتبارها نقطة امتياز، كما قال في مدح الأنبياء(عليهم السلام): (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ)(3).
إنّها حالة وكيفية خاصّة في الجهاز العصبي للإنسان بأن يقشعرّ جلده حينما يجد نفسه فجأة بين يدي موجود عظيم، ثمّ يلين قلبه وبالتبع جلده، ويشعر في نفسه وهو أمام الله لينا وخشوعا وتواضعا، وهذه علامة اهتدائه.
في آية اُخرى يذكر (الخاشعين) و(الخاشعات) -بعد اعتبارهم فئة لها هذه الصفة الممتازة- ضمن فئات اُخرى ذات صفات بارزة اُخرى، وتقول أخيراً كأجر على هذه الصفات الصالحة: (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (4).
وفي مورد المصلّين يستند الى اتّصافهم بالخشوع كرمز للاستقامة والتحمل حيث يقول تعالى:
(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ)(5).
ومن الجدير بالإلتفات أنّ هذه الآية تشير بدقة الى موضوع البحث وتسلّط الأضواء على العلاقة بين حالة الخشوع وبين معرفة المبدأ والمعاد وبعض الأفعال الإلهيّة، ببيان انّ حالة الخشوع من صفات الذين يظنون أنّهم يلاقون الله ويرجعون اليه.
وفي آية اُخرى يبيّن تعالى الخشوع في الصلاة كعلامة بارزة للإيمان الذي يكون هو المنشأ لفلاح الإنسان، حيث يقول: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُۆْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ)(6). وفي مورد آخر أكثر تفصيلا يتطرق الى علامات النقطة المقابلة لصفة الخشوع ويقول:
(أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء)(7).
لقد شرح الله سبحانه صدور بعض الناس وأعطاهم قلوباً تذعن للإسلام وتكون تحت شعاع من نور ربهم، تقشعرّ جلودهم من سماع آيات الله، وتلين قلوبهم وجلودهم لذكر الله، وهذه كلها آثار وعلامات لخصائل تحكي عن الخشوع في القلب، وفي المقابل أشار سبحانه الى (لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) وهم الذين لا يملكون شيئا من هذه الخصال ولا يتأثّرون أبداً بالحق ممّا يدلّ على ضلالهم المبين.
أجل، إنّها حالة وكيفية خاصّة في الجهاز العصبي للإنسان بأن يقشعرّ جلده حينما يجد نفسه فجأة بين يدي موجود عظيم، ثمّ يلين قلبه وبالتبع جلده، ويشعر في نفسه وهو أمام الله لينا وخشوعا وتواضعا، وهذه علامة اهتدائه. كما أنّ آيات اُخرى تذكر علامات اُخرى كالسجود على الأرض والبكاء بتأثير من الإستماع الى الآيات الإلهيّة، حيث تقول:
(إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا)(8).
أو تقول: (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)(9).
كما قالت في آيتين سابقتين:
(إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا)(10).
ومرّة اُخرى يلزم الإنتباه الى هذه الملاحظة، وهي أنّ هذه الآية تشير الى العلاقة بين الخشوع بعلاماته وآثاره وبين العلم والمعرفة، وأنّ هذه الحالة كالحالات المماثلة لها تنشأ من المعرفة، حيث إنّ الذين أوتوا العلم هم ذَوو المعرفة الذين يشعرون بالخشوع في قلوبهم ويسجدون لله.
المصادر:
1- مقتبس من كتاب الأخلاق في القرآن ، آية الله محمد تقي مصباح اليزدي.
2- الحديد: 16.
3- الأنبياء: 90.
4- الاحزاب: 35.
5- البقرة: 45 و46.
6- المۆمنون: 1.
7- الزمر: 22 و23.
8- مريم: 58.
9- الإسراء: 109.
10- الإسراء: 107.
آثار التوفيق ومعناه
حبّ الله وحبّ الدنيا لا يجتمعان
عبادة المحبّين
الإخلاص ثمرة الحب