اعتبار المندوحة وعدمه (1)
أقول : ظاهر قوله في المأذون بالخصوص لا تجب فيه الاعادة وإن تمكن من فعله قبل خروج الوقت ، أن عدم التمكن من فعله على غير وجه التقية حين العمل معتبر ، وأن من كان في سوق وأراد الصلاة وجب عليه مع التمكن الذهاب إلى مكان مأمون فيه.
وحينئذ فمعنى قوله قبل ذلك : وإن كان للمكلف مندوحة عن فعله ، ثبوت المندوحة بالتأخير إلى زمان ارتفاع التقية ، لا وجودها بالنسبة إلى زمان العمل.
وحينئذ يكون هذا قولا باعتبار عدم المندوحة على الاطلاق كصاحب المدارك ، إذ ليس مراد صاحب المدارك بعدم المندوحة عدم المندوحة في مجموع الوقت ، إذ الظاهر أنه مما لم يعتبره أحد ، لما سيجئ من مخالفته لظواهر الاخبار ، بل لصريح بعضها.
ومراد القائل بعدم اعتباره عدم اعتباره في الجزء الذي يقع الفعل فيه ، فمن تمكن من الصلاة في بيته مغلقا عليه الباب لا يجب عليه ذلك ، بل يجوز له الصلاة تقية في مكانه ودكانه بمحضر المخالفين.
نعم ، لو كان الخلاف في اعتبار عدم المندوحة في تمام الوقت وعدمه ، كان ما ذكره المحقق تفصيلا في المسألة.
وعلى أي تقدير فيرد على ما ذكره المحقق في القسم الثاني :
أنه إن أراد من عدم ورود نص بالخصوص في الاذن في متعلق التقية : عدم النص الموجب للاذن في امتثال العمل على وجه التقية.
ففيه : أنه لا دليل حينئذ على مشروعية الدخول في العمل المفروض امتثالا للاوامر المطلقة المتعلقة بالعمل الواقعي ، لان الامر بالتقية لا يستلزم الاذن في امتثال تلك الاوامر ، لان التحفظ عن الضرر إن تأدى بترك ذلك العمل رأسا ـ بأن يترك الصلاة في تلك الحال ـ وجب ، ولا يشرع الدخول في العمل المخالف للواقع بعد تأدي التقية بترك الصلاة رأسا ، وإن فرضنا أن التقية ألجأته إلى الصلاة ولا تتأدى بترك الصلاة كانت الصلاة المذكورة واجبة عينا ، لانحصار التقية فيها ، فهي امتثال لوجوب التقية عينا لا للوجوب الموسع المتعلق بالصلاة الواقعية.
وإن أراد به : عدم النص الدال على الاذن في هذه العبادة بالخصوص ، وإن كان هناك نص عام دال على الاذن في إمتثال أوامر مطلق العبادات على وجه التقية.
ففيه : أن هذا النص كما يكفي للدخول في العبادة امتثالا للأمر المتعلق بها ، كذلك يوجب موافقة الاجزاء وعدم وجوب الاعادة في الزمن الثاني إذا ارتفعت التقية.
والحاصل : أن الفرق بين كون متعلق التقية مأذونا فيه بالخصوص أو بالعموم لا يفهم له وجه ، كما اعترف به بعض ، بل كلما يوجب الاذن في الدخول في العبادة امتثالا لاوامرها كان امتثاله موجبا للاجزاء وسقوط الاعادة ، سواء كان نصا خاصا أو دليلا عاما ، وكلما لا يدل على الاذن في الدخول على الوجه المذكور لم يشرع بمجرده الدخول في العبادة على وجه التقية امتثالا لامرها ، بل إن انحصرت التقية في الاتيان بها كانت امتثالا لاوامر وجوب التقية لا لاوامر وجوب تلك العبادة.
اللهم إلا أن يكون مراده من الامر العام أوامر التقية ، ومن وجوب العمل على وجه التقية إذا اقتضت الضرورة هو هذا الوجوب العيني لا الوجوب التخييري الحاصل من الوجوب الموسع ، فيكون حاصل كلامه الفرق بين الاذن في العمل إمتثالا للاوامر المتعلقة بالعبادة وبين الاذن في العمل إمتثالا لاوامر التقية.
لكن ينبغي حينئذ تقييده بغير ما إذا كانت التقية في الاجزاء والشروط الاختيارية ، وإلا فتدخل المسألة في مسألة اولي الاعذار ، ويصح الاتيان بالعمل المذكور امتثالا للاوامر المتعلقة بذلك العمل مع تعذر تلك الاجزاء والشرائط لاجل التقية ، على الخلاف والتفصيل المذكور في مسألة اولي الاعذار.
ومما ذكرنا يظهر أن ما أجاب به بعض عن هذا التفصيل ـ بأن المسألة مسألة ذوي الاعذار ، وأن الحق فيها سقوط الاعادة بعد التمكن من الشرط المتعذر ـ لا وجه له على إطلاقه.
ثم إن الذي يقوى في النظر في أصل مسألة اعتبار عدم المندوحة :
أنه إن اريد عدم المندوحة بمعنى عدم التمكن حين العمل من الاتيان به موافقا للواقع ـ مثل أنه يمكنه عند إرادة التكفير للتقية من الفصل بين يديه : بأن لا يضع بطن أحدهما على ظهر الاخرى ، بل يقارب بينهما ، وكما إذا تمكن من صبه الماء من الكف إلى المرفق لكنه ينوي الغسل عند رجوعه من المرفق إلى الكف ـ وجب ذلك ولم يجز العمل على وجه التقية ، بل التقية على هذا الوجه غير جائزة في غير العبادات أيضا ، وكأنه مما لا خلاف فيه.
وإن أريد به عدم التمكن من العمل على طبق الواقع في مجموع الوقت المضروب لذلك العمل ـ حتى لا يصح العمل تقية إلا لمن لم يتمكن في مجموع الوقت من الذهاب إلى موضع مأمون ـ فالظاهر عدم اعتباره ، لان حمل أخبار الاذن في التقية في الوضوء والصلاة على صورة عدم التمكن من إتيان الحق في مجموع الوقت مما يأباه ظاهر أكثرها ، بل صريح بعضها ، ولا يبعد أيضا كونه وفاقيا.
وإن اريد عدم المندوحة حين العمل من تبديل موضوع التقية بموضوع الامن ـ كأن يكون في سوقهم ومساجدهم ، ولا يمكن في ذلك الحين من العمل على طبق الواقع إلا بالخروج إلى مكان خال أو التحيل في إزعاج من يتقي منه عن مكانه لئلا يراه ـ فالاظهر في أخبار التقية عدم اعتباره ، إذ الظاهر منها الاذن بالعمل على التقية في أفعالهم المتعارفة من دون إلزامهم بترك ما يريدون فعله بحسب مقاصدهم العرفية ، أو فعل ما يجب تركه كذلك مع لزوم الحرج العظيم في ترك مقاصدهم ومشاغلهم لاجل فعل الحق بقدر الامكان ، مع أن التقية إنما شرعت تسهيلا للامر على الشيعة ورفعا للحرج عنهم ، مع أن التخفي عن المخالفين في الاعمال ربما يؤدي إلى اطلاعهم على ذلك ، فيصير سببا لتفقدهم ومراقبتهم للشيعة وقت العمل ، فيوجب نقض غرض التقية.
الشيخ مرتضى الانصاري
المستحب من التقية
التقية ومقامتها
فلسفة الحج في الأحاديث الشريفة
ما أكثر الضجيج و أقل الحجيج
آداب الإفطار والسحور
استهلال شهر رمضان
رجب ،أفضل أوقات العمرة