فارابي من أجل مجتمع فاضل
نؤكد هنا على أن الفارابي واحد من المفكرين المسلمين الذين برعوا في دراسة الموضوعات السياسية والاجتماعية والفلسفية ، بأسلوب يختط في بحثه المنهج العلمي إلى حد كبير ، ولعل ذلك نراه جلياً في كتابه : (السياسات المدنية) ، وكذلك كتابه : ( آراء أهل المدينة الفاضلة).
والكتاب الأخير من أشهر مؤلفات الفارابي في الفلسفة والاجتماع ، وكان على غرار كتاب : (جمهورية أفلاطون) الذي ظهر في اليونان ، عندما كانت الحضارة اليونانية في أوج عظمتها وعزتها .
وهدف الفارابي من تأليف كتاب (أهل المدينة الفاضلة) وهو تكوين مجتمع فاضل ، وجمهورية مثالية ، شبيهة بجمهورية أفلاطون .
وكتاب (أهل المدينة الفاضلة) يعتمد على أفكاره الفلسفية ، كما اعتمد أفلاطون على تعاليمه الفلسفية عند كتابته لكتابه (الجمهورية).
لقد اعتمد أبو نصر الفارابي في القسم الأول من كتابه على مبادئ الدين الإسلامي، فتكلم عن أجزاء النفس الإنسانية ، أو أجزاء الروح ووظائفها ، كما تناول قضايا تتعلق بالإرادة والاختيار ، وهو الجزء أو القسم الفلسفي الذي اهتم فيه بالأسس الفلسفية التي تستند عليها المدينة الفاضلة ، والذي استهله بالكلام عن صفات المولى عز وجل ، وأهميته في خلق الموجودات والكائنات .
أما القسم الثاني فقد أوضح فيه المبادئ أو الأسس التي تقوم عليها المدينة الفاضلة ، وواضح أن الرجل قد تأثر بآراء أفلاطون وأرسطو .
ولكن الذي يهمنا في هذه السطور هو : أن أهم المسائل الاجتماعية والسياسية التي عالجها الفارابي في كتابه هي مسألة : تحليل حقيقة الاجتماع الإنساني ، أي : كيفية نشوء ، وظهور المجتمع ، وتقسيم المجتمعات البشرية ، وأسس المدينة الفاضلة ، وصفات قائدها .. إلى آخره .
حقيقة الاجتماع الإنساني :
لقد بدأ الفارابي أبحاثه الاجتماعية بتحليل حقيقة الاجتماع الإنساني ، والدوافع الأساسية في قيامه ، ولا ريب في أنه رجع في هذا الصدد إلى أرسطو ، عندما قال بأن الإنسان حيوان اجتماعي بطبعه ، أي أنه : يحتاج إلى أشياء كثيرة لا يستطيع أن يحصل عليها ، أو يحصلها بمفرده ، فهو لا بد له من التعاون مع الآخرين من أعضاء جنسه البشري ، من أجل أن يبلغ الكمال .
والكمال الذي يقصده الفارابي هو السعادة ، والسعادة لا يتم للإنسان تحقيقها في نفسه إلا عن طريق التعاون المادي ، ومعه ـ وهذا هو الأهم ـ التعاون الروحي أو الفكري ، فالسعادة تتصل بتحقيق الأشياء المادية والروحية في آن واحد .
ورغبة الإنسان في تحقيق السعادة لا يمكن أن تتم إلا إذا استطاع تكوين هيئة أو سلطة سياسية منظمة تتولى القيام بوظائف عديدة للأفراد (نيابة عن الأفراد) ، ومثل هذه الوظائف ينبغي أن تجلب السعادة للمجتمع ، وتحقق أماني وطموحات الأفراد .
والسعادة عندما تنتشر في المجتمع ، وانتشارها يعتمد على مبادئ العدالة والمساواة ، فإن المدينة الفاضلة التي تكلم عنها الفارابي سوف تظهر للعيان .
هذا ، وقد ذكر الفارابي وهو يشرح بإسهاب ، طبيعة المدينة الفاضلة ، ذكر أنها المدينة التي يتعاون أفرادها واحدهم مع الآخر ، بغرض نيل السعادة ، ويتخصص كل واحد منهم في أداء عمل معي.
--------------------------------------------------------
الهوامش:
1. الهاشم، جوزف: الفارابي، ط2، بيروت المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر، 1968.
2. شمس الدين، أحمد: الفارابي حياته، آثاره، فلسفته، ط1، بيروت – لبنان – دار الكتب العلمية، 1411ه – 1990م.
3. عطوي، فوزي: الفارابي فيلسوف المدينة الفاضلة، دار الكاتب العربي، 1980.
4. فاسمجانوف، الفارابي، ترجمة برهان الخطيب، الترجمة إلى اللغة العربية – دار التقدم - موسكو، 1986.
وظائف المدينة الفاضله عند الفارابي
منابع فلسفة الفارابي
منطلقات الفارابي الفكرية
المنهج العلمي عند الفارابي
فارابي و علماء الغرب
التوفيق بين أفلاطون وأرسطو