العقدة النفسية
قال الله تعالى: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾(القيامة:1ـ2).
هناك بعض الأسرار التي توجد عقدة في باطن الاشخاص حيث لا يمكن اكتشافها من جهة، وإن كتمانها يسبب القلق والاضطراب من جهة أخرى وهي تجعل الحياة أحياناً مرة وجحيماً لا يطاق، وأحياناً تسبب أمراضاً نفسية. إن السبيل الوحيد للعلاج منحصر في اكتشاف ذلك السر المكتوم وحل تلك العقدة وهذه مهمة شاقة جداً.
هناك بعض الأسرار التي توجد عقدة في باطن الاشخاص حيث لا يمكن اكتشافها من جهة، وإن كتمانها يسبب القلق والاضطراب من جهة أخرى وهي تجعل الحياة أحياناً مرة وجحيماً لا يطاق، وأحياناً تسبب أمراضاً نفسية.
الضمير الباطن والظاهر
ولا يضاح معنى الضمير الباطن والضمير الظاهر من زاوية علم النفس نجد من الضروري أن نمثل لهما بمثال: تصوروا أسرة متوسطة مسلمة عاشت حياتها في طهارة وشرف، فالزنا والاستهتار يعدان عملا شنيعاً في أنظار أفراد الأسرة. ولم يسبق لهم أن دنسوا أذيالهم بتلك الجريمة. تتعارف فتاة من هذه الأسرة مع شاب بصورة سرية، وبعد عدة لقاءات عادية يتفقان على أن يقضيا نهاراً كاملاً معاً. تخرج الفتاة بحجة التذاكر في الدروس والذهاب إلى بيت إحدى زميلاتها وتذهب مع رفيقها للنزهة إلى (سد كرج)، يتنزهان لساعتين أو ثلاث، ويتلذذان بمشاهدة المناظر الطبيعية الجميلة... وعند الظهر يذهبان إلى بيت ما للاستراحة وتناول طعام الغذاء. المحيط الهادئ وانعدام الرقيب عليهما يهيجان عواطف الشباب و بصورة موجزة ينال وطره من الفتاة. وبالرغم من أن الفتاة لم تكن تملك فكراً هادئاً من أول الصباح وكانت تحس بالقلق في باطنها، لكن فقدان بكارتها سبب لها انهيار شديد، ولكن الآوان قد فات، وقد وقع ما كان واجباً أن لا يقع. وعند المغرب يرجعان إلى المدينة. كان غياب الفتاة هذا اليوم للمطالعة والتذاكر العلمي في الظاهر، ولكن قد وقع في الباطن اتصال غير مشروع. إن الفتاة تحس باضطراب شديد من جراء عملها هذا، وتشعر بأن شرفها مهدد بالخطر، فإن أفشي سرها فإن ذلك سيجر لها فضيحة عظيمة. إنها تفكر، وتخطط، وتصمم في النهاية خلاصاً من الفضيحة أن لا تتزوج مدى العمر وتحتفظ بهذا السر تصحبه معها إلى القبر، ولتنفيذ خطتها هذه تبدأ بالتمهيد للموضوع، تتحدث عن مشاكل الزواج أحياناً. ثم لا يمضي بضعة أشهر حتى يجيء إليها من يطلب يدها. الفتاة تختفي عن الخاطبات، وتخبر أبويها وأفراد أسرتها عن امتناعها عن الزواج وتتحدث عن تصميمها دائماً: لا أتزوج، الرجال غير أوفياء، لا يوجد رجل في مجتمعنا. لماذا أتزوج؟ لماذا أرمي بنفسي في دوامة المشاكل والآلام؟ وما أكثر الفتيات اللاتي تزوجن ورجعن بعد عدة أشهر إلى بيوت آبائهن، حوامل، وقضين حياة ملؤها الكدر والأسى. إني لا أرمي بنفسي في هوة الشقاء والتعاسة أبداً! وتكثر من الحديث عن أمثال هذه القضايا وتستشهد ضمناً بحياة بعض الفتيات، ولكنه يوجد في باطن الفتاة ضمير مستتر آخر تكتمه عن كل أحد. ولكنها حين تختلي بنفسها أو تذهب إلى الفراش تتحدث إلى نفسها: ما أشأم ذلك اليوم! لماذا ألقيت بنفسي في هذه المخاطر؟ كيف أديت بنفسي إلى الشقاء والتهلكة كيف أعيش عمري وحيدة محرومة من لذة الحياة الزوجية؟ تتحدث مع نفسها عن الماضي دائماً وتظهر الندم والأسف باستمرار، وقد تزرف الدموع لذلك!!!..
يوجد في باطن هذه الفتاة ضميران: أحدهما ظاهر. والآخر ضمير باطن.
يوجد في باطن هذه الفتاة ضميران: أحدهما ظاهر. والآخر ضمير باطن. لقد رتبت الأحاديث في ضميرها الظاهر وأينما جلست تتحدث قائلة: لا أتزوج، الرجال غير أوفياء، لا يوجد رجل في مجتمعنا أصلاً، لا أسبب الشقاء لنفسي، وما شاكل ذلك من الأحاديث... أما في ضميرها الباطن فتوجد أشياء لا ترضى بأن تخبر عنها أحداً. وهي المطلعة عليها فحسب. لماذا خرجت للنزهة؟ لماذا عاشرت رفيق السوء؟ لماذا أشقيت نفسي مدى العمر؟ وما شاكل ذلك...
رقابة الضمير الباطن
ولأجل ألا يطلع شخص على أسرار ضميرها الباطن، فان الفتاة تراقب حركاتها وألفاظها تماماً، وتتكلم بكل حيطة وحذر، وتنفر من الكلمات التي ترتبط بسرها، وتحاول أن لا تستعملها في أحاديثها أصلاً، ومثلاً على ذلك فانها تتألم وتتنفر من كلمات، السد، كرج، البحيرة، المحركات، الجسر، البساتين، وتتجنب ذكرها دائماً، وعلى ما يقول علماء النفس فان ضميرها الظاهر يضع ضميرها الباطن تحت رقابة شديدة.
تمر سنة أو سنتان على هذا الوضع، ولكن القضية تكسب لوناً جديداً بالتدريج. فمن جهة تصاب الفتاة على أثر الضغط الروحي الدائم، والألم الباطن، والاضطراب والأرق بالاضطراب الفكري، والانزجار النفسي، وتفقد طاقتها بالتدريج. ومن جهة أخرى فان والديها وأسرتها يرون هذا الوضع الشاذ نتيجة عدم الزواج، ويلحون عليها في أن تتزوج وتنهي كلماتها الباطلة. وهكذا تؤدي هذه المجموعة من العوامل الداخلية والخارجية إلى أن تصاب الفتاة بمرض روحي وتصاب بالجنون في النهاية. يراجع أهلها الطبيب، ولكن المرض يشتد يوماً فيوماً، وإن الطريق الوحيد للعلاج هو اكتشاف السر الذي تعرفه الفتاة فقط، وهي غير مستعدة لافشاء ذلك السر بأي ثمن كان.
إن اكتشاف الضمير الباطن للفتاة، والوصول إلى سرها الذي يقع تحت رقابة شديدة مهمة شاقة جداً، ويجب الاستفادة من بعض الآثار والعلامات التي تنبع من أعماق روحها في حالات خاصة.
"يجب لهذا العمل التصدي لاكتشاف الشواهد والامارات وكما يمكن أن نتوصل إلى وجود حيوان عظيم يسبح تحت ماء المحيط المظلم المتراكم، من بعض حركات الماء أو الارتفاع الموقت في سطح الماء، فلا بد من ممارسة ودقة كثيرتين للاستفادة من بعض الظواهر الموقتة في كشف بعض الأسرار، وأخيراً فبالامكان أن يترصدوا بكل صبر وتحمل اللحظة الخاطفة التي يفقد المصاب وعيه ويكشف عن السر عندما لا يحس بأي رقابة عليه"1.
---------------------------------------------------------------
المصدر:
1- فرويد ص:34.
کيفية علاج الروح و الجسم بالغذاء
أثر الطعام في روح الانسان
الهدوء النفسي
النزاع بين الميول النفسانية والوجدان الأخلاقي
القواعد والأسس المعنوية والنفسية للتوبة الحقيقية
التغذية السليمة في القران
التحليل النفسي في الاسلام