النزاع بين الميول النفسانية والوجدان الأخلاقي
على مفترق الطرق
قد يحتدم النزاع في باطن الانسان بين الميول النفسانية والوجدان الأخلاقي، فان الشهوات والغرائز تهيج الانسان من جانب، وتحثه على تحقيق رغباته اللامشروعة. بينما يقف الوجدان من الجانب الآخر في أتم القوة والفعالية مكافحاً ومعلناً معارضته الصريحة لارتكاب الجريمة. أما عباد الشهوة والأفراد الحقراء الذين لا يهتمون بارتكاب الجرائم، فانهم يصممون بسرعة، ويحققون رغباتهم اللامشروعة مهملين نداء الوجدان.
وأما المؤمنون والعقلاء فانهم يسعون للتخفيف من ضراوة الميول اللامشروعة. ومن دون أي تردد يختارون الطريق الصحيح منزهين أذيالهم من التوث بالجريمة والفساد، ملبين نداء الوجدان.
ويقف على مفترق الطريقين طائفة تهتم بشؤونها الدينية والوجدانية بمقدار ما، ولكن رصيدها الايماني ليس بالمقدار الكافي لمواجهة الميول اللامشروعة. فهؤلاء يقفون مترددين تتملكهم الحيرة، فلا يستطيعون أن يغضوا الطرف عن الميول المتطرفة ويتخلوا عن اللذائذ المنافية للدين والوجدان شانهم في ذلك شأن المؤمنين، كما لا يستطيعون أن يصمموا بصورة حتمية على ارتكاب الجريمة شأنهم في ذلك شأن المنحرفين.
المؤمنون والعقلاء فانهم يسعون للتخفيف من ضراوة الميول اللامشروعة. ومن دون أي تردد يختارون الطريق الصحيح منزهين أذيالهم من التوث بالجريمة والفساد، ملبين نداء الوجدان.
هؤلاء يتذرعون ببعض المببرات، وبعض الأدلة الواهية لإسكات ضمائرهم، وهم يأملون أن يحققوا رغباتهم النفسانية من دون أي اضطراب داخلي أو قلق باطني... ولكنهم غافلون عن يقظة الوجدان، وأنه من الذكاء والفطنة بحيث لا تنطلي عليه التلفيقات ولا تغيير مظهر الذنب بمظهر آخر، ولا يكف عن واجبه المقدس، وهو توجيه اللوم إلى المجرم.
"إذا كنا نقضي من هذه الظواهر بانطفاء جذوة الوجدان فقد وقعنا في خطأ كبير. إن الوجدان لا يزال حياً حتى في حالات الموت الروحي، ويستمر في القيام بعمله بكل هدوء ويستطيع أن يكشف عن وجوده فجأة باشراقة خلابة وغير متوقعة. فهناك إلى جانب الوجدان الذي يقوم بإظهار ميوله وعقائده وأفكاره، يوجد وجدان مستتر يحكي عن حالة روحية غير مرئية. إنه يمكن الاستعانة ببعض التعابير التي يستعملها. المريض والتي تعد فاقدة للمعنى وجنونية في الظاهر، كدليل على وجود هذا الثبات. هذه التعابير ترينا أن الوجدان يستطيع أن يبقى حياً تحت خرائب الذكاء والعقل".
"إن الوجدان يؤثر حتى في حياة الأنسجة وفي وضعية الأعمال الجسدية التي تملك شخصية حية بنفسها أيضاً"1.
وفي قضية عمر بن سعد، وقيامه بتلك المعركة الدامية على صعيد كربلاء أملا في الحصول على حكومة الري، أجلى شاهد على ما ذهبنا إليه. فمن جهة نجد أن قتل الحسين بن علي عليهما السلام وثلة من أصحابه الأبرار والأبرياء عمل مخالف للوجدان والدين والعقل. ومن جهة أخرى كان يرغب في الحصول على حكومة الري وفي ذلك لذة الرياسة، والرغبة النفسية التي تلح عليها نفسه الأمارة. فعندما اقترح عبيد الله بن زياد حكومة الري عليه بشرط قتل الامام الحسين عليه السلام اضطرب عمر لذلك وتحير في أمره. فلو كان فرداً مؤمناً ومتديناً لكان يرد ذلك الاقتراح بسرعة ولم يكن يقوم بتلك الجريمة الشنيعة لقاء حكومة لا تدوم أياماً. وإذا كان إنساناً منحرفاً وبعيداً عن الدين بتمام معنى الكلمة لا يقيم وزناً للوجدان والايمان والعقل والرأي العام، فانه كان يوافق على الاقتراح بدون ترديد ولا يقول شيئاً أبداً. ولكن الذي يظهر من وضعه أنه كان يحس بالاضطراب وعدم الارتياح لعمله هذا في ضميره الباطن ولكن لم يكن إحساسه هذا بالدرجة التي تجعله يغض الطرف عن لذة الرئاسة والجاه. فاستمهل عبيدالله ليأتيه بالجواب النهائي. وحين أقبل عليه المساء تنحى زاوية خلية، وجسد أمام ناظريه معسكرين متعارضين يقف في أحدهما الله والرسول، والعقل والشرف، والوجدان والانسانية... أما في المعسكر الآخر، فيقف حب الجاه والرئاسة، اللذة والشهوة، الحكومة وعبادة الذات , فبقي متحيراً بين ذينك المعسكرين فعندما كان ينظر إلى الله والوجدان والعقل كان يقول: يجب ألا أرتكب هذه الجريمة الشنيعة، أن لا أشترك في دم الحسين عليه السلام أما حين كان يلتفت نحو الشهوة والرئاسة كان يقول: يجب ألا أترك الفرصة تفوتني، فإن مقاماً مع هذه العظمة لا يتيسر دائماً... وأخيراً تذرع ببعض المغالطات الباطلة لاقناع الوجدان الذي يوجد في باطن كل انسان متدين وملحد. وأخيراً حلل القضايا من الوجهة الدينية، وكان أن قال:
يقولـون أن الله خالـق جنــة |
وتعـذيـب، وغــل يديــن |
فإن صدقـوا فيما يقولون، إنني |
أتوب إلى الرحمـان من سنتيـن |
وإن كذبوا فزنـا بدنيا عظيمـة |
وملك عقيم دائــم الحجليــن |
فأوجد هذه المسرحية الخيالية في ذهنه وجعلها ملجأ لجنايته، وتبريراً لخيانته، ظاناً أنه يستطيع إقناع وجدانه بهذا العمل، وأنه يستطيع أن يخفيه خلف أستار المغالطات الموهومة، ويحفظ نفسه من تعذيب الضمير إلى الأبد غافلاً عن أن الوجدان الأخلاقي الفطري ينظر بنور الواقع، وأنه لا يسكت بالتبريرات الباطلة، فالوجدان مشعل وضاء موجود في باطن الانسان. بأمر من الله، ولا يمكن إطفاؤه بهذه الكلمات. إن الوجدان الأخلاقي لا ينسى واجبه السماوي، ولا يدع المجرم لوحده، ولا يفسح المجال له ليتخلص من تعذيبه ولومه وتقريعه.
ولقد صمم إبن سعد على ألا يستمع لنداء الوجدان، ويتجاهل وجوده تماماً، ولكن تجاهل الحقيقة لا يقدر على إزالة الحقيقة.
"إن ما لا شك فيه أن هذه الحالات ناتجة عن أن الانسان يمتنع عن سماع نداء الوجدان، هذا الامتناع هوالذي يولد هذا التصور الخادع القائل بأنه لا يوجد وجدان. في حين أن الوجدان اليقظ قد لاذ بالوجدان المغفول"2.
وأخيراً فقد صمم على ارتكاب الجريمة، وأقدم على أعظم الذنوب أملاً في الحصول على حكومة الري... ولكن أسفرت النتيجة عن حرمانه من تلك الأمنية، وهنا تناوشته الضربات القاضية من قبل الوجدان من جهة وحز في نفسه انهياره السياسي وفشله الاجتماعي من جهة أخرى... فوقع في أسر الأمراض الروحية والاضطرابات النفسية وسلبت من راحته فأمر أن يمد فراشه طوال الليل والنهار، فكان يستلقي في الفراش تارة، ويتمشى في البيت أخرى ويتخطى في الأزقة بلا إرادة ثالثة... وكانت عاقبته أن لاقى حتفه على يد أحد الضباط الثوار في ذلك الفراش، وأنهى حياته المشؤومة بهذا الوضع المزري.
-----------------------------------------------------------------
المصادر:
1- جه ميدانيم ؟ بيماريهاى روحى وعصبى ص:63.
2- جه ميدانيم ؟ بيماريهاى روحى وعصبى ص:66.
التغذية السليمة في القران
اهل البيت يفسرون بالاستقسام بالأزلام
التفأل بالقرآن
الكلمات الأربع
کيفية علاج الروح و الجسم بالغذاء
أثر الطعام في روح الانسان
الهدوء النفسي