اهل البيت يفسرون بالاستقسام بالأزلام
ولكن القول الحق القول الاخر لأنه مروي عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين جعلهم النبي ( صلى الله عليه و آله ) عِدلاً للقرآن ، و قال : " إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض " .
و هذا القول كما في ( مجمع البيان ) و غيره ، روي عن الإمام أبي جعفر محمد الباقر بن علي بن الحسين ، و ابنه جعفر بن محمد الصادق ( عليهم السلام ) ، و هو ( إن الأزلام عشرة ، سبعة لها انصباء [1] ، و ثلاثة لا انصباء لها ، و كانوا يعمدون إلى الجزور [2] فيجزؤونه أجزاءا ، ثم يجتمعون عليه ، فيخرجون السهام و يدفعونها إلى رجل ، و ثمن الجزور على من تخرج له التي لا انصباء لها ، و هو القمار ، فحرمه اللّه تعالى ) .
قيل المراد بالاستقسام بالأزلام ، استقسام الجزور بالأقداح على الانصباء المعلومة ، أي طلب قسم من الجزور أو ما قسم الله تعالى منه ، و هذا هو الميسر و قد تقدم ذلك .
و ذكر هذا القول ، أبو السعود في تفسيره إلا أنه ترك التنويه بذكر قائله ( عليه السلام ) ، فقال : و قيل هو استقسام الجزور بالأقداح على الانصباء المعهودة . و ذكره البيضاوي و السيوطي و غيرهما .
و قال الآلوسي في ( روح المعاني ) : و قيل المراد بالاستقسام بالأزلام ، استقسام الجزور بالأقداح على الانصباء المعلومة ، أي طلب قسم من الجزور أو ما قسم الله تعالى منه ، و هذا هو الميسر و قد تقدم ذلك . و روى علي بن إبراهيم عن الأئمة الصادقين رضي الله تعالى عنهم ، و رجح بأنه يناسب ذكره مع محرمات الطعام إنتهى كلام الآلوسي .
و هذا القول ، هو القول الموافق لسياق الآية و ما قبلها من الآيات .
و من هذا القول يعرف المنصف أن الأمة لو تمسكوا بالكتاب و العترة ، و أخذوا العلم من أهله ، و اتبعوا هدى أهل البيت ( عليهم السلام ) ، أمنوا من الضلال و الاختلاف و من القول بغير علم و تفسير القرآن بالرأي ، و يعرف أن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) لم يأمر الاُمة بالرجوع إلى أهل بيته إلا لفضائل اختصهم اللّه بها ، و لأن اللّه تعالى أمره بذلك .
و قد فسر الزمان سر ذلك ، فصدر منهم في المعارف الإسلامية و العلوم الحقيقية من التوحيد و التفسير و الفقه و الحديث و الأخلاق و الآداب و شرح معالم الإنسانية ، ما لم يصدر عن أحد بعد رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله ) ، قد اعترف بذلك الموافق و المخالف .
ثم إن من جميع ذلك يظهر أن لا وجه لإلحاق الاستخارة بالقرآن المجيد و بحبات السبحة ، بالاستقسام بالأزلام لوجود الفرق بين الاستقسام بالأزلام و بين الاستخارة . فإن حقيقة الاستقسام على القول الأول الذي ظهر لك ضعفه ، يرجع إلى الشرك ، و استعلام ما يكون في المستقبل ، و طلب معرفة الخير و الشر من الأصنام . و الاستخارة حقيقتها ، الدعاء ، و طلب الحاجة ، و معرفة الخير من اللّه تعالى علام الغيوب .
و قد فسر الزمان سر ذلك ، فصدر منهم في المعارف الإسلامية و العلوم الحقيقية من التوحيد و التفسير و الفقه و الحديث و الأخلاق و الآداب و شرح معالم الإنسانية ، ما لم يصدر عن أحد بعد رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله ) ، قد اعترف بذلك الموافق و المخالف .
و الفرق بينهما ، هو الفرق بين الشرك و التوحيد ، مع أنه ليس في الاستخارة طلب معرفة ما يقع في مستقبل الحياة مثل الموت و المرض و وجدان الضالة و غيرها مما يكون مآله طلب معرفة الغيوب .
و إنما يستفاد منها إذا كان مؤداها الخير ، أن الأمر كيف وقع ، و وقع أم لم يقع ، يكون فيه الخير ، و أن ما يقع هو أصلح الأمرين أو الاُمور . و مثل هذا إنما يؤثر في الإقدام على الفعل أو تركه ، و لهذا ورد النهي عن التفأل بالقرآن دون الاستخارة به . فإن التفأل إنما يكون فيما سيقع كشفاء المريض و قدوم المسافر و غيرهما ، بخلاف الاستخارة ، فإنها طلب لمعرفة الرشد و ما فيه الخيرة .
فعلى هذا ، الاستخارة بالقرآن الكريم و بالسبحة ، ليست مخالفة للكتاب ، و لا مانعاً من هدايته و إرشاده للتي هي أقوم ، و لو قلنا بالقول الأول في تفسير الاستقسام . و أما بحسب القول الثاني و الثالث ، فلا ارتباط بين الاستقسام و الاستخارة أصلا ، و لا وجه لإلحاقها به .
--------------------------------------------------------
الهوامش
[1] الأنصباء : العلائم ، و منه حديث القداح العشرة سبعة لها أنصباء و ثلاثة لا أنصباء لها . مجمع البحرين : 3 / 174 .
[2] في الحديث ذكر الجزور بالفتح ، و هي من الإبل خاصة ما كمل خمس سنين و دخل في السادسة ، يقع على الذكر و الأنثى و الجمع جزر كرسول و رسل ، يقال جزرت الجزور من باب قتل أي نحرتها ، و الفاعل جزار بالتشديد ، و الحرفة الجزارة بالكسر . مجمع البحرين : 3 / 246 .
لو زاد اليقين لمشينا على الماء !
الاسلام دين الفطرة