رفعوا الأكفَّ وأرسلوا الدعواتِ |
وتجرّدوا للهِ في عرفاتِ |
شُعْثاً تُجَلِّلهُمْ سحائبُ رحمة |
غُبْراً يفيضُ النورُ في القَسَمات |
وكَأَنَّ أجنحةَ الملائكِ عانقَتْ |
أرواحَهم بالبرّ والطاعات |
فتنزلت بين الضلوع سكينة |
علوية موصولة النفحات |
وتصاعدت أنفاسهم مشبوبةً |
وجْدا يسيلُ بِوَاكِفِ العبراتِ |
هذي ضيوفُك يا إلهـي تبتغي |
عفواً وترجو سابغَ البركات |
غصّتْ بهم في حلِّهِمْ ورحيلهم |
رحبُ الوهاد وواسعُ الفلوات |
تركوا وراء ظهورهم دنيا الورى |
وأتَوْكَ في شوق وفي إخبات |
وفدوا إلى أبواب جودك خُشَّعاً |
وتزاحموا في مهبط الرحمات |
فاقبل إله العرش كلّ ضراعة |
وامح الذنوب وكَفِّر الزلاَّتِ |
وتلفَّت الأقصى وبين جفونه |
دمعٌ وبين ضلوعه نيرانُ |
وتلفَّت الأقصى لمكَّة لوعةً |
أختاه! تنهش أضلعي الغربانُ |
أختاه! أين المسلمون وحشدهم |
أين الملايين الغثاة! أهانوا؟ |
أختاه! وانقطعت حبال ندائه |
واغرورقت من دمعه الأجفانُ |
وهوت معاول كي تدقَّ حياضه |
وهوت على أمجاده الجدرانُ |
القبلتان مرابعٌ موصولةٌ |
درجت على ساحاتها الفتيانُ |
القبلتان يموج بينهما الهدى |
نوراً ويخشع عنده الإنسانُ |
القبلتان وكلُّ رابية لها |
حرمٌ وكلُّ شعابه أكنانُ |
يهدي الحمام إلى الشِّعاف هديله |
ويردُّ جنحيه رضىً وأمانُ |
ويضمُّ بينهما ظلال نبوَّة |
والصَّالحين فطاب منه مكانُ |
والكعبة الغرَّاء بين حجيجها |
نورٌ وتحت ظلاله ركبانُ |
تتقطَّع الأيَّام من أحداثها |
وحجيجها متواصلٌ ريَّانُ |
يسعى وما ظمأ به ، وبهاجر |
ظمأ الرُّبى ورضيعها ظمآنُ |
أجرى لها الرَّحمَن زَمزم آيَةً |
فَابتَلَّت السَّاحَات والأزمانُ |
وجرى بكلِّ عروقها منه هوىً |
وصفت على جنباتها الغدرانُ |
أمقام إبراهيم والبيت العتيق |
هدىً وآياتٌ له وبيانُ |
الطَّائفون الرَّاكعون لربِّهم |
خفقت قلوبهم وضجَّ لسانُ |
تتزاحم الأقدام في ساحاته |
وترفُّ بين ظلاَله الأَبدَانُ |
ومنىً صدى ربواتها التَّوحيد |
والتكبير والإخبات والإذعانُ |
عرفات ساحاتٌ تضجُّ ورحمةٌ |
تغشى ودمعٌ بينها هتَّانُ |
لبَّيك يا الله! وانطلقت بها |
رسلٌ وفوَّحت الرُّبى وجنانُ |
لبَّيك والدُّنيا صدَى والأفق |
يرجعها ندىً يبتلُّ منه جنانُ |
لبَّيك وحدك لاَ شَريكَ لَكَ الرِّضَا |
وَالخير منكَ ببَابكَ الإحسَانُ |
لبَّيك ، والتفت الفؤاد ودارت |
العينان وانفلتت لها الأشجانُ |
دقَّت قوارعها الدِّيار فزُلزلت |
تحت الخطى الأرباض والأركانُ |
جمعت مراميه البلاد فمشرقٌ |
غاف وغربٌ لفَّه النِّسيانُ |
أين الحجيج! وكلُّ قلب ضارع |
ومشارف الدُّنيا له آذانُ |
نزعوا عن السَّاحات وانطلقت بهم |
سبلٌ وفرَّق جمعهم بلدانُ |
وطوتهم الدُّنيا بكلِّ ضجيجها |
وهوىً يمزِّق شملهم وهوانُ |
ومضى الحجيج كأنَّه ما ضمَّهم |
عرفات أو حرمٌ له ومكانُ |
بالأمس كم لبُّوا على ساحاته |
بالأمس كم طافوا هناك وعانوا |
عرفات ساحاتٌ يموت بها الصَّدى |
وتغيب خلف بطاحه الألوانُ |
لم يبق في عرفات إلاَّ دمعةٌ |
سقطت فبكَّت حولها الوديانُ |
هي دمعة الإسلام يلمع حولها |
أملٌ وتهرق بينها الأحزانُ |
يا أمَّة القرآن دارك حلوةٌ |
ما طوَّفت ذكرى وهاج حنانُ |