• عدد المراجعات :
  • 2409
  • 6/6/2011
  • تاريخ :

الإحسان في مقابل الإساءة

الورد

هناك آيتان: توصي إحداهما بالإحسان الذي له أثر حسن يقول تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ﴾ 1. ويتبين بالقرينة أن المراد هو الإحسان للناس والإساءة إليهم، أي أن الإحسان يختلف عن أثر الإساءة ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ  ﴾ 2أي لو أساء إليك شخص فأحسن إليه.

يقول سعدي: "اعف أيها الفتى فإن الإنسان يمكنه بالإحسان أن يصطاد ويكبل الوحش".

من البديهي أن الأوامر الأخلاقية ليست عامة. وأن مواردها مشخصة فمرة يقولون أحسن ليمكنك أن تغير قلب المقابل بالاحسان، فلو أردنا أن نحسن ونعلم بأن أثر هذا الاحسان هو التخلص من العدو وجذبه إلينا. إن أحد موارد صرف الزكاة هم المؤلفة قلوبهم. وهم الكفار الذين أظهروا الإسلام وهم ضعيفوا الإيمان، فتجب حمايتهم والحفاظ عليهم بالمحبة والاحسان المالي.

 

الصبر على اساءة المشركين

والآية الثانية هي: ﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ﴾3 .

فالحديث هنا عن الصبر والتقوى، وليس حول الاحسان. فهنا منع عن رد الفعل السيئ، وهو ما يعده البعض عملاً غير منطقي. لكنه بتعبير القرآن من عزم الأمور. أي عمل قائم على أساس العقل والمنطق والعزم، وليس عملاً قائماً على أساس الميول والاحساسات غير المنطقية.

 

التفسير الصحيح للمحبة

وإن لم يكن المجال مورداً لـ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَة ﴾4 . بل كان الاحسان سبباً للاساءة للإنسانية، فهنا يأمرنا الإسلام باستعمال القوة، التي أشدها الجهاد في الأمور الجماعية. والقصاص في الأحكام الجزئية. لكن كل هذا ناتج عن حب الخير والصلاح والسعادة للآخرين. وليس استنثاءً من القانون العام في جميع الأديان بأن "أحبب للناس ما تحب لنفسك، وابغض لهم ما تبغض لنفسك" بل هو اختلاف في أسلوب الاحسان.

سابقاً عندما لم يتعود المزارعون على رش السموم في مزارعهم، فكانوا يرون موظف الدولة عدواً لهم، فعندما كان يذهب المسؤولون لرش السموم في المزارع (وهذا العمل لصالح المزارعين وخيرهم) كان المزارعون يعطونهم الرشاوى لكي يغادروا المزارع بدون رش السموم: وكانوا يشترون أدويتهم وسمومهم ثم يدفنونها في مكان بعيد.

فلو كان الناس لحد الآن هكذا، فهل نقول: لا يجب علينا أن نؤذي الآخرين، وبما أنهم يتألمون ويبغضون رش السموم فعلينا أن نفعل ذلك؟ كلاّ، فالمسألة ليست مسألة التألم والانزعاج، بل يجب توعية الناس ولو بالقوة وايصال الخير والصلاح لهم؛ وانهم سيدركون ذلك الخير والصلاح في آخر المطاف. إذن مسألة الاحسان والمحبة هي احدى المسائل التربوية الإسلامية، بل هي موجودة في جميع الأديان، ولكن بفارق وجوب الدقة في تفسير المحبة والاحسان؛ لكي لا نخلط هذا الاحسان بذلك الاحسان السطحي.

 

تقوية شعور البحث عن الحقيقة

المسألة الأخرى في باب التربية هي تقوية شعور البحث عن الحقيقة. ويقال: إن هذا الغريزة موجودة عند كل إنسان بنسبة معينة، وأنه متفحص وباحث عن الحقيقة. ويقال، هي التي تدفع الإنسان لطلب العلم وهذا من الغرائز والاحساسات التي يجب تقويتها في الإنسان، ولا داعي لاطالة الكلام هنا: لأن الكل يعلم بأن الإسلام دعا كثيراً لطلب العلم، ويحكي تاريخ الإسلام وايده أشخاص غير مغرضين بأن ظهور الحضارة الذي بدأ منذ القرن الأول بل بدأت القراءة والكتابة والتعلم والتعليم وتعلم اللغات المختلفة منذ زمن الرسول (ص) وان العلم الذي بدأ بالعلوم الدينية ووصل إلى العلوم الطبيعية والفلسفية والطب وغيره كان أساسه وأصله تشجيع الإسلام ودعوته إلى تحصيل العلم، وكان ذلك أمراً مقدساً عند المسلمين.

 

التعصب سدّ في طريق العلم

إن التعصب من أهم العقبات التي تحول دون تقدم العلم. ونحن نعلم أن الإسلام حارب التعصب. وتوجد خطبة في نهج البلاغة من أكبر خطب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) تسمى (القاصعة) ومحورها هو التعصب والتكبر، وقد حارب الإمام الأعراب لتعصبهم الشديد، وبين أضرار التعصب وأكد أنه لو كان لابد من تعصب الإنسان لشيء "فليكن تعصبكم لمكارم الخصال" فتعصبوا للفضائل، لا لهذه الأمور، وانه لماذا ادرس عند فلان في حين أنه ابن فلان وأنا ابن فلان، وكان أبوه خادماً لأبي. ان التعصب قسوة وشدة، والقسوة من عدم النضج. ثم يقول: "أيها الكرام ان هذا الكون كشجرة، ونحن فيه كثمار غير ناضجة، ان التعصب والتشدد حمق كشرب دم الطفل الصغير".

الشيخ مرتضى مطهري

----------------------------------------------------------------

الهوامش:

1- فصلت:34.

2-  فصلت: 34.

3-  آل عمران: 186.

4- المؤمنون: 96


تنمية القابليات في باطن الإنسان

القابليات الروحية لدى الإنسان

التربية البدنية من وجهة نظر الإسلام

مناقشة نظرية نسبية الأخلاق

تربية اليتيم وموقف التعاليم الاسلامية

تربية الاستعداد العقلي

تربية العقل و تدبر العاقبة

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)