تربية اليتيم وموقف التعاليم الاسلامية
كثيراً ما يصادف أن يموت الآباء أو الأمهات في أيام الحروب أو في الحالات الاعتيادية، ويخلفون أطفالاً صغاراً يجب أن يحافظ عليهم في المجتمع وليصيروا رجال الغد بفضل التربية الصحيحة، وإن الدول وضعت للأيتام نظماً معينة تكفل لهم حقوقهم.1
والأسلام أيضاً يتضمن التعاليم القانونية والخلقية الخاصة به في حل هذه المشكلة. فإذا كان الطفل اليتيم قد ورث من أبويه مالاً فإن القيم (وهو الشخص يعين من قبل الحاكم الاسلامي العادل لادارة شؤون اليتيم) يقوم بتهيئة ما يحتاج إليه من طعام ولباس ومسكن من ماله الخاص أما إذا لم يملك اليتيم مالاً، فان بيت المال هو المسؤول عن مصارفه فحياة اليتيم إذن مؤمنة طبقاً للنظام المالي في الاسلام. ولكن النكتة الجديرة بالدقة هي: أن الاسلام لا يرى انحصار سعادة اليتيم في توفير وسائل الحياة المادية من الطعام واللباس والمسكن فقط.
إن الرويات الكثيرة تصر على معاملة اليتيم معاملة بقية الأطفال في الأسرة، وأن يقوم الرجال والنساء مقام الوالدين في رعاية اليتيم.
اليتيم إنسان قبل كل شيء، ويجب أن تحيى فيه جميع الجوانب المعنوية والفردية، وله الحق في الاستفادة من الحنان والعطف والأدب والتوجيه، وكل ما يستفيد منه الطفل في حجر أبويه. اليتيم ليس مثل شاة في القطيع يذهب صباحاً إلى المرعى معهم ويرجع في المساء. إنه إنسان ويجب الاهتمام بميوله الروحية وغذائه النفسي مضافاً إلى الرعاية الجسدية والغذاء البدني.
اليتيم في أحضان الأسرة
إن الرويات الكثيرة تصر على معاملة اليتيم معاملة بقية الأطفال في الأسرة، وأن يقوم الرجال والنساء مقام الوالدين في رعاية اليتيم. لقد كان بإمكان الحكومة الاسلامية في عصر الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم من الناحية المادية أن تنشئ في كل مدينة داراً لرعاية اليتيم وتصرف عليهم من بيت المال، ولكن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يفعل ذلك. لأن هذه المؤسسات والدور ناقصة من وجهة نظر التربية الكاملة من الناحيتين الروحية والمادية. فالأسرة فقط هي التي تستطيع أن تلبي نداء عواطف الطفل، ولذلك فقد ظل يوصي الآباء والأمهات وأولياء الأسر بمنطق الدين والايمان بالمحافظة على اليتيم. وأخذه إلى بيوتهم وإجلاسه على موائدهم، ومعاملته كأحد أولادهم، والسعي في تأديبه وإدخال السرور على قلبه بالعطف والحنان والمحبة.
لا شك أن تأسيس دور للأيتام وإكسائهم وإشباعهم، عبادة إسلامية كبيرة، ولكن مناغاة اليتيم والعطف عليه، وتأديبه وتربيته عبادة أخرى وقد خص الله لذلك أجراً وثواباً خاصاً.
وها نحن نعرض النصوص الواردة في حق اليتيم:
1- قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "خير بيوتكم بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيوتكم بيت يساء اليه"2.
2- عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: "من عال يتيماً حتى يستغني، أوجب الله له بذلك الجنة "3.
3- وعنه صلّى عليه وآله وسلّم: "من كفل يتيماً من المسلمين، فأدخله إلى طعامه وشرابه، أدخله الله الجنة البتة، الا أن يعمل ذنباً لا يغفر "4.
4- عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: "من مسح رأس يتيم، كانت له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات "5.
5- "من أقعد اليتيم على خوانه، ويمسح رأسه يلين قلبه "6.
6- قال رسول الله (ص): "من أنكر منكم قساوة قلبه، فليدن يتيماً فيلاطفه وليمسح رأسه يلين قلبه بإذن الله، فإن لليتيم حقاً "7.
7- عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال: "جيئ بمقدار من العسل إلى بيت المال، فأمر الامام علي عليه السلام بإحضار الأيتام، وفي الحين الذي كان يقسم العسل على المستحقين كان بنفسه يطعم الأيتام منالعسل، فقيل له يا أمير المؤمنين ما لهم يلعقونها ؟ فقال: إن الامام أبو اليتامى وإنما ألعقتهم هذا برعاية الآباء "8.
8- قال أمير المؤمنين عليه السلام: "أدب اليتيم مما تؤدب منه ولدك واضربه مما تضرب منه ولدك "9.
9- من وصية الامام أمير المؤمنين إلى أولاده: "الله الله في الايتام فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم "10
10- عن فقه الرضا عليه السلام: "وإن كان المعزى يتيماً فامسح يديك على رأسه "11.
11- "لما أصيب جعفر بن أبي طالب، أتى رسول الله أسماء فقال لها: أخرجي لي ولد جعفر فأخرجوا إليه فضمهم وشمهم. قال عبد الله بن جعفر: أحفظ حين دخل رسول الله على أمي، فنعى لها أبي ونظرت إليه وهو يمسح على رأسي، ورأس أخي "12.
يستفاد من مجموع النصوص الاسلامية ضرورة تربية الأيتام كسائر الأطفال في المجتمع، ولهم الحق في الاستفادة من جميع المزايا والعواطف الانسانية. إن الأيتام في الدولة الاسلامية يمتازون برعاية كاملة من حيث الطعام واللباس والحنان والأدب بحيث لا يحسون بأي فرق بينهم وبين سائر الأطفال. وطببيعي أن تربية كهذه تكون مصونة من الانحراف والخطأ. وإن طفلاً كهذا لا يصاب بعقدة الحقارة والذلة، فينمو بصورة معتدلة وتشبع رغباته الباطنية جميعها بشكل صحيح، ولكن القيام بمثل هذا الواجب المقدس والعبء الثقيل يتطلب إيماناً قوياً وعقيدة مستقيمة.
لقد اهتم الاسلام بتعليم أتباعه هذا الدرس المقدس والآن حيث يطوي هذا الدين السماوي قرنه الرابع عشر نجد في أطراف العالم الاسلامي الرجال والنساء الكثيرين الذين يفتحون صدورهم بكل رضى واعتزاز للقيام بهذه المهمة، ويتوروعون عن إتيان أصغر عمل يسبب الأذى لليتيم ويجرح عواطفه.
"وحين يحرم الموت المبكر طفلاً من ملجئه الطبيعي يشدد الآخرون في رعايتهم له والاستجابة لاحتياجاته. لكن هذا العمل لا بد وأنه منبثق من كنز عظيم يفيض بالحنان والعاطفة. وإن كنزاً كهذا لا يوجد إلا في باطن ثلة قليلة من البشر الممتازين "13.
------------------------------------------------------
المصادر:
1-الطفل بين الوراثة والتربية
2- مستدرك الوسائل للمحدث النوري ج 1-148.
3- تحف العقول ص 198.
4- مستدرك الوسائل ج 1-148.
5- المصدر السابق ج 2-616.
6- سفينة البحار مادة يتم. ص 731.
7- الوسائل ج 1-157.
8- البحار ج 9-536.
9- الوسائل ج 5-125.
10- نهج البلاغة ص 470.
11- مستدرك الوسائل ج 1-147.
12- بحار الأنوار ج 18-212.
13- ما وفرزندان ما ص 3.
تنمية القابليات في باطن الإنسان
القابليات الروحية لدى الإنسان
التربية البدنية من وجهة نظر الإسلام
مناقشة نظرية نسبية الأخلاق
كيف تنجح مع إخوانك؟
إنتهاك الإنسان لحق أخيه
عظمة حق الأخ