• عدد المراجعات :
  • 1969
  • 6/17/2011
  • تاريخ :

التربية البدنية من وجهة نظر الإسلام

الورد

المسألة الأولى هي أنه هل عني الإسلام بتقوية الجسم وتربيته أم لا؟ من المحتمل أن يجيب شخص بالنفي، لأننا نعلم أن تربية الجسد وتنميته مذمومة في الإسلام، وبما أن المفروض أن التربية هي التنمية، فلا ينبغي تربية الجسد، لأن الإسلام قد ذم تربية الجسد، إلا أن هذه مغالطة لفظية، ففي الإسلام تكون تنمية الجسد بالمفهوم الصحيح للكلمة- وهي تقويته- وهي ليست فقط غير مذمومة وإنما هي ممدوحة.

مثلاً هل يرى الإسلام أن يعمل شخص عملاً يزيد من قوة باصرته أم أن يعمل عملاً يضعفها؟ لاشك في أن رأي الإسلام هو الأول، ولدينا أخبار وأحاديث كثيرة في أن لا تفعلوا الفعل الفلاني لأنه يضعف البصر وافعلوا هذا لأنه يقوي البصر، أو مثلاً في الدعاء الذي نقرأه في التعقيبات "اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعل النور في بصري والبصيرة في ديني" فهل هذه تنمية للجسد؟ بل لو أقدم الإنسان عن عمد على فعل يضعف بصره يكون قد ارتكب جرماً، وكذلك لو فعل الإنسان فعلاً يبقي على أسنانه سالمة فعمله هذا مقبول بنظر الإسلام، بخلاف ما لو فعل شيئاً يؤدي إلى تسوسها عاجلاً وقلعها، لقد أوصى الإسلام بالسواك لتبقى الأسنان سالمة، وأكد أن الشيء الفلاني يزيد من قوة الرجل والشيء الفلاني يزيد من قوة السمع، وأكل الشيء الفلاني حسن لأنه يقوي المعدة.

وحيث دعا الإسلام إلى تقوية الجسد بمعنى جعله سالماً وقوياً، فما معنى قوله: أن الإنسان لا ينبغي له أن يأكل كثيراً، وتأكيده على قلة الأكل وفوائدها "المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء"1، إن كانت هذه تنمية للجسد فليأكل الإنسان كثيراً حتى ينفجر، كلا، فإن تربية الجسد بمعناها الحقيقي هي تقويته وابقاؤه سالماً، وهي ممتدحة بلا شك ومن ضروريات الإسلام، بل إن فلسفة كثير من الأمور الأخرى من قبيل النظافة والأغسال وجميع الأوامر في رعاية الصحة الموجودة في الإسلام ما هي إلا تقوية للجسد، إن ما أسميناه عجالة تنمية للجسد هو نفسه تنمية للنفس، فعندما نقول: إن الإسلام يعارض تنمية الجسد، فإنما نريد بذلك تنمية الشهوة، ولا شك أن الإسلام يعارض ذلك، فما أكثر تنميات الجسد التي تؤدي إلى ضعفه، إنّ من ينمّي جسده بمعنى تنمية الشهوة ويكون دائماً وراء اللذات الجسمانية، فإن أول أثر لأعماله هو تخريب جسده واضعافه، إن التنمية الحقيقية للجسد تلازم تحمل أنواع المحروميات الجسدية، لأنها لا (تلائم) تنمية الجسد، فإذن علينا أن لا نشتبه فنتصور أن محاربة الإسلام لتنمية الشهوة والنفس- بسبب تسميتنا هذه الأمور تنمية جسدية- محاربة لتنمية الجسد الواقعية، وجعله قوياً ونشطاً.

وأما الشخص الذي كل همه تقوية جسده، فالنقص في عمله ليس من جهة أنه أقدم على تقوية جسده، ولم يترك أسنانه تتسوس وتخرب، بل لأنه أهمل الجوانب الأخرى، إن الشيء الذي يكون سيئاً في هؤلاء الأشخاص هو مسألة (الحصر)، أضرب مثلاً: لو شاهدتم طفلاً منهمكاً في اللعب دائماً ويقضي وقت الأعمال الأخرى أيضاً باللعب فانكم حتماً ستتساءلون، ولكن هذا ليس معناه أنكم تخالفون لعب الأطفال بشكل مطلق، فلو أن هذا الطفل قد ترك اللعب يوماً فستقومون بعرضه على الطبيب، فإذن لو أراد الإنسان أن يصرف جميع وقته في تنمية جسده فإنه يمارس عملاً غير صحيح، ولكن ليس من جهة أنه تقوية للجسد، بل لإضعافه سائر الجهات الاُخرى، بيد أن إضعاف الجسد بالطرق غير الإسلامية- كالطريقة الهندية المعروفة- التي لا تعني مخالفة تنمية الشهوة والنفس فحسب، بل مخالفة حتى تقوية الجسد، ويقولون: ينبغي الابقاء على ضعف القوى الجسدية، فهذا أمر لا يقره الإسلام، ولكن لا يوجد شك في أن تقوية الجسد وتربيته ليست هدفاً في نظر الإسلام، وإن كانت أمراً مطلوباً على أنه وسيلة، أي أن الإنسان عندما يعدم الجسم السالم والقوي سوف يفقد الروح السالمة. 2

---------------------------------------------------------------------

المصادر:

1- سفينة البحار للقمي، ج1، ص345.

2- التربية والتعليم في الاسلام


الوجدان وتعديل الهوى

نموذج آخر لمخالفة الوجدان

جزاء مخالفة الوجدان

عبادة الهوى

الوجدان الأخلاقي

عوامل التربية

فلتات اللسان

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)