شيعة الريّ خلال العصر السلجوقيّ
أشبَهَ ملوكُ السلاجقة وأمراؤهم، الغزنويّين والسامانيّين في الانحياز للمذهب السنّي الحنفيّ والخلافة العبّاسيّة، وفي مواجهة التشيّع ومحاربته.
وعلى الرغم من أن هذه المحاربة كانت تستهدف الإسماعيليّة والباطنيّة بصورة مباشرة، إلاّ أنّها طالت الشيعة الإماميّة أيضاً.
أشبَهَ ملوكُ السلاجقة وأمراؤهم، الغزنويّين والسامانيّين في الانحياز للمذهب السنّي الحنفيّ والخلافة العبّاسيّة، وفي مواجهة التشيّع ومحاربته.
ومع ذلك، فقد ترسّخت جذور التشيّع في منطقة الجبال، وتكيّفت بسرعة مع الظروف الجديدة الحاكمة، فأمكن ذلك من الانتشار والازدهار حتّى خلال العصر السلجوقيّ.
ونلاحظ في هذا العصر أنّ أحد أهم مقوّمات نموّ التشيّع تتمثّل في نفوذ الشيعة الإماميّة في الهيكل الاداريّ للدولة السلجوقيّة، مستفيدين من غطاء التقيّة والمجوّزات الشرعيّة الأخرى، فساهم ذلك مساهمة جديّة في الدفاع عن الشيعة في مقابل القادة الأتراك.
يُضاف إلى ذلك أن نُقَباء العلويّين وزعماءهم احتلّوا مواقع اجتماعيّة مرموقة مكّنتهم من أن يصبحوا مَلاذاً يلوذ به أفراد الشيعة.
وكان من الآثار التي خلّفتها حكومة آل بُوَيه ـ التي حكمت طوال مائة سنة ـ تربيةُ جيلٍ من شباب الشيعة ثقافيّاً وإداريّاً، وانخراط عدد كبير من هؤلاء الشيعة في المناصب الإداريّة المهمّة. وكان وجود طبقة شيعيّة تجسّد الطبقة المثقّفة في المجتمع أمراً لا يمكن تجاهله حتّى في مرحلة تفاقم الظلم السلجوقيّ، فقد كانت الدولة والمجتمع بحاجة إلى هذه الطبقة. وكانت وجود ألقاب « القُمّي »، « التَّفْرِشيّ »، « الفَراهانيّ »، « الآويّ »، « الكاشانيّ »، « البرقيّ » لبعض الأفراد الموجودين في الدولة السلجوقيّة دلالة على حضور ونفوذ الشيعة في تلك الدولة.
وفي اعتقادنا أنّ الشيعة الإماميّة كان لها قصب السبق في هذا المجال على الفرقة الزيديّة، فقد كان الزيديّة دعاةً إلى الإمامة، وكانوا يسعون إلى السيطرة على الحكم بصورة مباشرة، أمّا الشيعة فكانوا ـ ضمن انتظارهم لظهور الإمام المهديّ عليه السّلام ـ يرتبطون بفقهائهم ويفزعون إليهم في حلّ مشكلاتهم الماليّة والقضائيّة، وكانوا يعمدون إلى حفظ تسلّطهم النسبيّ على الأمور من خلال النفوذ في الجهاز الحاكم، وصولاً إلى حفظ كيان المجتمع الشيعيّ والدفاع عن حقوق المظلومين.
وكان من الآثار التي خلّفتها حكومة آل بُوَيه ـ التي حكمت طوال مائة سنة ـ تربيةُ جيلٍ من شباب الشيعة ثقافيّاً وإداريّاً، وانخراط عدد كبير من هؤلاء الشيعة في المناصب الإداريّة المهمّة.
ونلاحظ وجود نماذج لمثل هذا النفوذ في عصر الإمام الباقر عليه السّلام وما بعده، ونلاحظ الارتباط مع علماء الشيعة في العصور المختلفة؛ وكان الأمر خلال العصر السلجوقيّ على هذه الشاكلة أيضاً.
يقول مولّف كتاب « فضايح الروافض »: وفي عصر بركيارق والسلطان محمّد كان أبو الفضل البراوستانيّ وأبو سعد الهندوي القمّي يشغلان وظيفة الخزانة واستيفاء الحقوق. ويُضيف: ولم يكن للشيعة في عصر من العصور مثل هذه القوّة، فهم يتكلّمون بملء أفواههم ما يشاءون، إذ ليس هناك من يُخيفهم من الأمراء الأتراك، وأصحابُ المقامات كلّهم من الروافض، وفي الدواوين كلّهم منهم أيضاً، وقد تكرّر في عصرنا هذا ما كان في عهد الخليفة المقتدر (1).
ويرمي مؤلف كتاب الفضائح إلى القول بأنّ نفوذ الشيعة قد تزايد في أواخر العصر السلجوقيّ إلى درجةٍ كبيرة، قياساً إلى نفوذهم في عصر مَلِكشاه السلجوقيّ الذي كان يُضيّق ويُشدّد عليهم.}
ويقول المولّف المذكور: وإذا ما وُجد في عصر السلطان الراحل ملكشاه أميرٌ سنيّ، فإنّ الرفضة يَرْشُون علماء السنّة بمبالغ طائلة، ليشهدوا في صالحهم بأنّهم من أتباع المذهب السنّي أو الحنفيّ، وصرتَ ترى الحاجب والبوّاب والطبّاخ أغلبهم من الروافض الذين يجهرون بمذهبهم دونما خوف ولا تقيّة (2).
وكان هذا النفوذ الشيعيّ كبيراً إلى الحدّ الذي صار معه موظّفو الإدارة والمتصدّون للأمور التنفيذيّة في الدولة من الروافض. وبطبيعة الحال فإنّ استخدام هؤلاء ينبغي أن يكون من قِبل الكوادر العليا الإداريّة التي ينبغي ـ ضرورةً ـ أن تكون شيعيّة. وكان الشيعة في داخل الحكومة يتعاضدون بينهم ويساعد بعضهم البعض الآخر.
وينبغي أن لا نغفل عن أنّ هذه الحقائق إنّما تَصدُق غالباً على منطقة الريّ التي عاش فيها مؤلف كتاب « فضايح الروافض » ومؤلّف كتاب « النقض ».
وقد أكّد عبدالجليل الرازي مؤلّف كتاب « النقض » على أمر التسامح الذي تحلّى به موظّفو الشيعة مع مُخالفيهم من المذاهب الأخرى، وكذّب مزاعمَ مؤلف « فضايح الروافض » في أنّ بعض الشيعة كانوا يُجحفون بحقوق أهل السنّة.
وعلى أيّ حال، فإنّ الضغوط التي مُورِسَت في حقّ الشيعة في مطلع العصر السلجوقيّ من أجل إضغافهم لم تُخلِّف آثاراً عميقة مهمّة، ثمّ خفّت هذه الضغوط تدريجاً، وتبيّن للسلاجقة أنّ أمر الفرقة الإسماعيليّة يختلف عن الشيعة الإماميّة؛ وقد كان للشيعة أنفسِهم دور مهمّ في هذا الأمر، وساهموا في الوقوف في وجه الإسماعيليّة وفي المناظرات العلميّة مع علمائها، وفي كتابة المؤلّفات والردود في إبطال مذهبها.
وقد ساهم ذلك كلّه في إيجاد أجواء جديدة، أضحى الجهاز الحاكم ينظر خلالها إلى علماء الشيعة باحترام وإجلال، ونُشير في هذا الشأن إلى الاحترام الذي كان يُبديه نظام المُلك ـ مع ما عُرف عنه من التعصّب للمذهب السنّي ـ لبعض الشخصيّات الشيعيّة (3).
فإنّ الضغوط التي مارسها بعض الملوك السلاجقة، وخاصّة في بداية حكمهم، لم تُضعِف الوجودَ الشيعيّ في منطقة الريّ؛ نظراً لترسّخ جذوره وانتشاره في تلك البلاد.
وقد سعى عبدالجليل الرازي في جمع الشواهد الدالّة على أنّ معاملة ملوك السلاجقة للشيعة كانت معاملة حسنة، مع أنّه تجاهل بعض الممارسات السيّئة لبعض ملوك السلاجقة إزاء الشيعة.
وذكر عبدالجليل الرازي ـ ردّاً على ما زعمه مؤلّف « فضائح الروافض » من أنّ السلطان ملكشاه السلجوقيّ والخواجه نظام المُلك قد أهانا عدداً من علماء الشيعة أسماهم بأسمائهم ـ أنّ السلطان السلجوقي المذكور والخواجة نظام الملك كانا يوقّران سادات الشيعة وعلماءهم، وتطرّق بالتفصيل إلى الوضع الذي كان عليه كلُّ من هؤلاء الأعلام ونوّه بأنّ الخواجة نظام المُلك كان يتقرّب إلى علماء الشيعة عرفاناً منه بفضلهم، وأنّه كان يسمع الحديث من بعضهم.
وعلى أيّ حال، فإنّ الضغوط التي مارسها بعض الملوك السلاجقة، وخاصّة في بداية حكمهم، لم تُضعِف الوجودَ الشيعيّ في منطقة الريّ؛ نظراً لترسّخ جذوره وانتشاره في تلك البلاد.
--------------------------------------------------
الهوامش:
1- 2- 3- النقض
المصدر:شبکة الامام الرضاعليه السلام
شيعة الريّ وضغوط الغَزْنَويّين
أسرة آل بُوَيه في الريّ
انتشار التشيّع في الريّ في عصرِ آل بُوَيْه
العلويّون والتشيّع في الريّ
انتشار التشيّع في الريّ(2)
بداية التشيّع في الريّ
الشيعة في سائر مناطق الشرق