• عدد المراجعات :
  • 1246
  • 9/6/2010
  • تاريخ :

شيعة الريّ وضغوط الغَزْنَويّين

التشيع في الري

لم تكن علاقة آل بُوَيه بالخلفاء العبّاسيين علاقة طيّبة، فقد تسبّبت هذه الأسرة في إضعاف دولة العبّاسيين من جهة، وناصَرَت مذهب التشيّع ودعمت نشاطات العلويّين من جهة ثانية.

وكان الحاكم العبّاسي يسعى بشتّى الوسائل إلى الضغط على آل بُوَيه، ومن الوسائل التي استخدمها حكّام بني العبّاس لتحقيق أهدافهم في اضعاف آل بويه وإيجاد المشكلات لهم، أنّهم كانوا يُغرون بهم حكّامَ شرق إيران الذين اشتهروا بتعصّبهم في التسنّن، ومن هؤلاء السامانيّون والغَزْنَويّون.

وكان من جملة الأذى الذي ألحَقَ هؤلاء بآل بويه، الحملة التي قادها السلطان محمود الغزنوي سنة420 هـ فهاجم فيها مدينة الريّ تقرّباً منه إلى الحاكم العبّاسي الذي لم يكن مرتاحاً لآل بويه ولا للتشيع، ولا لمذهب الاعتزال ـ الذي نشط في الريّ وكان له حضوره بعد الصاحب بن عبّاد ـ إضافة إلى الغنائم التي سيحصل عليها الغزنويّون من خلال هذه الهجمات.

وقد ذكر المؤرّخون وذكر السلطان محمود بنفسه أنّ السبب في هذه الحملة هو قمع التشيّع والاعتزال. وكان أهل السنّة حينذاك يتّهمون الشيعة بكونهم من القرامطة والباطنيّة، وهما في الحقيقة مرتبطان بالإسماعيليّة.

لم تكن علاقة آل بُوَيه بالخلفاء العبّاسيين علاقة طيّبة، فقد تسبّبت هذه الأسرة في إضعاف دولة العبّاسيين من جهة، وناصَرَت مذهب التشيّع ودعمت نشاطات العلويّين من جهة ثانية.

وقد نقل الخواجة نظام المُلك رسالةً للسلطان محمود أشار فيها إلى أنّه لم يأتِ بهدف احتلال عراق ( العجم )، بل جاء لاصلاح الفساد في أوضاع هذه المنطقة. وأشار السلطان محمود في رسالته هذه إلى التعارض بين الأتراك ـ الذين كانوا على مذاهب أهل السنة ـ وبين الديالمة الشيعة، فقال: ورجّحت هذا الأمر الهام على أمر غزو الهند، وتوجّهت إلى عراق ( العجم )، وسلّطت جيش الأتراك ـ وجميعهم من المسلمين النزهاء على المذهب الحنفيّ ـ على الديالمة والزنادقة والباطنية من أجل أن يستأصلوا شأفتهم، فقُتل بعضُهم بالسيف، وألقي بعضهم في السجون، وتشرّد بعضهم في البلاد العريضة. ثمّ إنّي نصبتُ الأمراء والعمّال على خراسان من أتباع المذهب الحنفيّ أو الشافعيّ، فهاتان الطائفتان عدوّتان للرافضة والباطنيّة، ومواليتان للأتراك (1).

ونقل ابن كثير في تاريخه أنّ السلطان الغزنويّ أرسل في سنة 420 هـ إلى الحاكم العبّاسيّ رسالة يُخبره فيها أنّه قتل طائفة من أهل الريّ من « الباطنية » و « الروافض » أبشع قتلة، وصَلَبهم، ونهب أموال رئيسهم، وكانت تُقدّر بألف ألف دينار (2).

وتبعاً لنقل ابن الأثير، فقد صلب السلطان محمود من أصحاب مجد الدولة ممّن أسماهم بالباطنيّة خلقاً كثيراً، ونفى المعتزلة إلى خراسان، وأحرق كتب الفلسفة ومذاهب الاعتزال والنجوم، وأخذ من الكتب ما سوى ذلك نحو مائة حمل (3).

وكان إقدام السلطان الغزنويّ المتعصِّب ذي الأُفق الضيّق على تدمير مكتبات الريّ ومحو آثارها، من جملة جرائمه الثقافيّة التي سجّلها له التاريخ.

وذكر مؤلّف كتاب « فضايح الروافض » وصفاً لما فعله السلطان محمود الغزنوي بشيعة الريّ، فقال: وحصل في عهد السلطان محمود الغازي من قتل وصَلب علماء الرفض ما سوّد وجوههم، وكان السلطان يأمر بكسر منابرهم ويمنعهم من الحديث في المجالس (5).

 

ويمكن القول أنّ تلك الجريمة قد أدّت إلى تضييع عدد كبير من المؤلّفات الشيعيّة والفلسفيّة، واندثرت آثار بعضها نظراً لكونها نسخاً فريدة لا نظير لها. ومن أهم المكتبات التي كانت في الريّ: المكتبة الصاحبيّة للصاحب بن عبّاد، وكان ابن عبّاد قد ذكر أنّ كتب مكتبته كانت تعادل حمل أربعمائة بعير أو أكثر (4)، وقد أقدم السلطان الغزنويّ على إحراق الكتب الكلاميّة والفلسفيّة في هذه المكتبة الضخمة التي ذكر أبو الحسن البيهقيّ أنّه شاهد فهرس كتبها، فكان يقع في عشر مجلّدات.

وذكر مؤلّف كتاب « فضايح الروافض » وصفاً لما فعله السلطان محمود الغزنوي بشيعة الريّ، فقال: وحصل في عهد السلطان محمود الغازي من قتل وصَلب علماء الرفض ما سوّد وجوههم، وكان السلطان يأمر بكسر منابرهم ويمنعهم من الحديث في المجالس (5).

لكنّ السلطان الغزنويّ لم يحصد من جوره ومظالمه شيئاً، فلم يضعف نفوذ الشيعة في الريّ، نظراً لأعدادهم الكبيرة فيها ولامتلاكهم وجهةً ثقافيّة متميّزة وذات جاذبيّة كبيرة. ومثل هذا التواجد الأصيل لا يمكن استئصال جذوره بهجمة عسكريّة مؤقّتة، وقد ردّ عبدالجليل الرازي على كلام مؤلف « فضائح الروافض » في هذا الشأن. فقال: «... ولمّا عاد السلطان محمود، عاد لعلماء الشيعة أمرُهم وقاعدتهم ونفوذهم » (6).

ولم يُكتب للغزنويّين البقاء في الريّ طويلاً، فقد عاد علاء الدولة إلى بسط نفوذه على الريّ واصفهان، وكان قد فرّ من الريّ بعد هجوم السلطان محمود، وتمكّن علاء الدولة ـ من خلال الكرّ والفرّ والقبول بالحكومة العامة للغزنويّين ـ من إدامة حكومة البويهيّين الضعيفة لسنوات عديدة.

وفي العقدين الثالث والرابع من القرن الهجري الخامس، ظهرت دولة جديدة في الشرق، تمكّنت من اخضاع إيران إلى سيطرتها لمدّة طويلة، هي الدولة السلجوقيّة. حيث قَدِم طُغْرُل إلى الريّ سنة 434 هـ، وتمكّن في سنة 447 هـ من إسقاط بقايا حكومة آل بُوَيه في بغداد، فأنهى بذلك حكومتهم التي دامت مدّة مائة سنة وبضع سنوات (7).

----------------------------------------------------------------

الهوامش:

1- "سياسي نامه"للخواجه نظام الملک

2- البداية و النهاية لابن کثير

3-الکامل في التاريخ

4-معجم الادباء

5- نقلا عن: النقض لعبد الجليل الرازي

6- النقض

7- تمکنت عائلة کاکويه وهم من اقارب ال بوية –من السيطرة علي مدينة يزد و الحکم فيها لمدة طويلة

المصدر:شبکة الامام الرضاعليه السلام


أسرة آل بُوَيه في الريّ

انتشار التشيّع في الريّ في عصرِ آل بُوَيْه

العلويّون والتشيّع في الريّ

انتشار التشيّع في الريّ(2)

بداية التشيّع في الريّ

الشيعة في سائر مناطق الشرق

الشيعة في أندونيسيا

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)