الترابط بين أجزاء فلسفة الفارابي
إن أول ما يلاحظه المطلع على فلسفة الفارابي هو هذا التسلسل المنطقي والترابط المحكم والصارم بين مختلف أجزاء فلسفته، نعني بذلك حرص الفارابي على عدم إهمال أي نقطة من نقاط الموضوع الذي يبحث فيه، مع ذلك جهده في جعل أي جزء من أجزاء فلسفته متصلاً اتصالاً وثيقاً بالأجزاء الأخرى، ويظهر هذا واضحاً في الترابط بين نواحي فلسفته النظرية والعملية، أي الماورائية الاجتماعية والسياسية بشكل خاص.
ما ذكرناه يشكل أحد أهم عناصر الفلسفة المنهجية إذا لم يكن هو المنهج بعينه. فلننظر فيما يلي في تعريف المنهج ولنحاول تطبيقه على فلسفة الفارابي.
يعرف "لالاند" المنهج والفلسفة المنهجية بقوله: إنه مجموعة عناصر يتوقف بعضها على بعضها الآخر بحيث تشكل هذه العناصر كلاً منتظماً. والفلسفة المنهجية هي مجموعة أفكار مترابطة منطقياً بحيث تفسر الأفكار الأخيرة بالأفكار الأولى.
ينطبق هذا التحديد بكل تفاصيله على الفلسفة الفارابية من خلال كتابه "آراء المدينة الفاضلة" الذي يعتبره أكثر الباحثين الكتاب الذي يعبر أفضل تعبير عن فلسفة الفارابي ككل.
ينقسم كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة إلى قسمين كبيرين: قسم فلسفي وقسم سياسي اجتماعي. يبحث القسم الأول - وهو الأكبر – في الموجود الأول وفي نفي الشريك عنه ونفي الضد، وفي صفات الإله وعلمه وأنه حق وحياة وحكمة وما شابه ذلك.
أما القسم الثاني فيرتكز على الأول, ويبحث فيه الفارابي في احتياج الإنسان إلى التعاون، ثم يذكر المدينة الفاضلة وأضدادها.
فالقسم الأعظم من كتاب المدينة الفاضلة مخصص إذن للبحث في الإلهيات لا في السياسات، لأن رأي الفارابي في المدينة الفاضلة ناتج من نظرياته الفلسفية في العقول السماوية, وصدور الموجودات عن الخالق، وعلاقة الأكوان بعضها ببعض.
وهذا ما يوضح ما قلناه من أن المنهج عبارة عن ارتباط أجزاء فلسفة ما بعضها ببعض من جهة ثانية تدخل فكرة الفعل الواعي المراد والهادف الذي يتعارض مع الفعل العفوي(1).
--------------------------------------------
الهوامش
1. شمس الدين، أحمد: الفارابي حياته، آثاره، فلسفته، ط1، بيروت – لبنان – دار الكتب العلمية، 1411ه – 1990م.
فارابي "المعلم الثاني"
اخلاق الفارابي
فلسفة فارابي الاخلاقية و السياسية
التوفيق بين أفلاطون وأرسطو
المنهج العلمي عند الفارابي
فارابي و علماء الغرب