• عدد المراجعات :
  • 1848
  • 12/8/2010
  • تاريخ :

في صوم عاشوراء(1)

الامام الحسين(ع)

لا ريب في حرمة صوم يوم عاشوراء بنظر فقهاء الإمامية إذا كان بقصد التيمُّن والتبرُّك بهذا اليوم باعتباره يوم سرور وفرح بقتل الحسين الشهيد (ع).

والوجه في ذلك هو أن الصوم من الأفعال القربيَّة لله تعالى ولا يمكن التقرُّب إلى الله تعالى بما يبغضه، إذ أنَّ قتل الحسين (ع) كان مبغوضاً لله وللرسول (ص) وموبقة اشتدَّ غضب الله عز وجل على مرتكبها، وعليه يكون قصد التيمُّن والفرح بقتل الحسين من القصود الموجبة للسخط الإلهي، ومن غير المعقول أن يُتقرَّب إلى الله تعالى بما يُسخطه بل أنَّ التقرُّب إليه بما يُسخطه قبيح عقلاً.

وبذلك يثبت أن الصوم في يوم عاشوراء بالقصد المذكور حرامً تكليفاً وباطل وضعاً، أما حرمته التكليفية فناشئة عن أنَّ باعث هذا الصوم هو الفرح والتيمُّن بقتل الحسين (ع) وهو من موجبات السخط الإلهي، وكل فعلٍ يكون مُتعلَّقاً للسخط الإلهي يكون محرماً تكليفاً، وأما بطلانه وضعاً فلأن الصوم من الأفعال القربيَّة ومن غير الممكن التقرُّب إلى الله بما يُسخطه، فالصوم بالقصد المذكور منافٍ لقصد القربة لله تعالى، وذلك ما يقتضي فساده، إذ لا يصحُّ صومٌ دون قصد القربة لله عز وجل.

ويمكن تأييد ذلك برواية محمد بن سنان عن أبان عن عبد الملك قال:سألت أبا عبد الله (ع) عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم ؟ فقال: تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين (ع) وأصحابه رضي الله عنهم بكربلاء،... ثم قال: وأما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين (ع) صريعا بين أصحابه، وأصحابه صرعى حوله، أفصوم يكون في ذلك اليوم ؟! كلا ورب البيت الحرام، ما هو يوم صوم، وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام، غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم، وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام، فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوط عليه، ومن ادخر إلى منزله فيه ذخيرة أعقبه الله تعالى نفاقا في قلبه إلى يوم يلقاه، وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده، وشاركه الشيطان في جميع ذلك.( 1)

فإن الظاهر من قوله (فمن صامه أو تبرَّك به حشره الله مع آل زياد...) هو حرمة الصوم إذا وقع على وجه التبرُّك، فالعطف بأو إنما هو من عطف الطبيعي على مصداقه، أي أن الصوم حينما يقع على وجه التبرُّك يكون مصداقاً للتبرُّك وهو موجب للحشر مع آل زياد كما أن مطلق التبرُّك يكون موجباً للحشر مع آل زياد ومسخِ القلب والسخطِ الإلهي.

فالعطف بأو كان لغرض تحديد الصوم الواقع حصةً لمطلق التبرُّك وانَّ ما كان من الصوم صادراً على وجه التبرُّك يكون مصداقا للتبرُّك الموجب للحشر مع آل زياد.

وكيف كان فحرمة الصوم يوم عاشوراء حينما يكون صادراً على وجه التبرك ولغرض الشماتة بقتل الحسين (ع) مما لم يقع مورداً للخلاف بين الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم وإنما الخلاف في موردين:

المورد الأول: هو صومه بقصد الخصوصية بمعنى قصد الاستحباب وانه من السنَّة، فيقصد المكلَّف من صومه امتثال أمر الله عز وجل الوارد على لسان رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) ولا يقصد به التبرُّك والتيمُّن بقتل الحسين (ع).

المورد الثاني: هو صومه بقصد القربة المطلقة باعتباره واحد من أيام السنة أو صومه قضاءً أو وفاءً بنذرٍ كان قد تعلَّق بعهدته.

أما المورد الأول: وهو قصد الاستحباب والخصوصية فظاهر ما أفاده صاحب الغنية الإجماع على ثبوته وان يوم عاشوراء من الأيام التي يُستحبُّ فيها الصيام، وذهب إلى القول بثبوت الاستحباب المحقق صاحب الشرايع وتبعه في ذلك صاحب الجواهر مدعياً عدم وجدان الخلاف.

وقد استُدلَّ على هذه الدعوى بروايات فيها ما هو معتبر سنداً.

منها: موثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه أن علياً (ع) قال: صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنَّه يكفِّر ذنوب سنة)( 2)

ومنها: صحيحة عبدالله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: (صيام يوم عاشوراء كفارة سنة) ( 3).

وفي مقابل الروايات المفيدة للجواز وردت روايات يمكن وصفها بالمستفيضة دون أن يكون في وصفها بذلك مجازفة، ومفاد هذه الروايات هو حرمة الصوم يوم عاشوراء بقصد الخصوصية.

منها: رواية نجبة بن الحارث العطار، قال: سألت أبا جعفر (ع) عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال: صوم متروك بنزول شهر رمضان، والمتروك بدعة، قال نجيّة فسألت أبا عبد الله (ع) من بعد أبيه (ع) عن ذلك ؟ فأجابني بمثل جواب أبيه ثم قال: اما إنه صوم يوم ما نزل به كتاب، ولا جرت به سنة، إلا سنة آل زياد بقتل الحسين بن علي (عليهما السلام) ( 4).

والرواية صريحة في أن الصوم في يوم عاشوراء بنحو الخصوصية من التشريع المحرم وإنه ليس من السنّة وأنَّ من سنّه بعد أن نسخ بنزول شهر رمضان إنما هم آل زياد.

ومنها: رواية جعفر بن عيسى عن أخيه قال سألت الرضا (ع) عن صوم يوم عاشوراء، وما يقول الناس فيه ؟ فقال: عن صوم ابن مرجانة تسألني ؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين (ع)، وهو يوم يتشائم به آل محمد، ويتشائم به أهل الإسلام، واليوم الذي يتشائم به أهل الإسلام لا يصام ولا يتبرك به، ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله فيه نبيه (ص) وما اصيب آل محمد إلا في يوم الاثنين، فتشائمنا به، وتبرك به عدونا، ويوم عاشوراء قتل الحسين (ع) وتبرك به ابن مرجانة، وتشائم به آل محمد (ص)، فمن صامهما أو تبرك بهما لقى الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب، وكان محشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما( 5).

وهي ظاهرة أيضاً في بدعية صوم هذا اليوم، حيث نسب الإمام (ع) صوم عاشوراء إلى ابن مرجانة وأفاد في ذيل الرواية أن من سنَّ صوم هذا اليوم هم أعداء آل محمد (ص) وانَّ من صامه كان محشره معهم.

الشيخ محمد صنقور


صوم يوم عاشوراء في نظر الشيعة 

قراءة في كتاب (تساؤلات حول النهضة الحسينية)

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)