بأسه في الحروب
في معركة بدر:
كان عدد المسلمين يساوي ثلث جيش عدوهم وكانت العدة لدى المسلمين ليست ذات بال فعلى سبيل المثال كانوا لقلة ركائبهم يركب منهم الاثنان والثلاثة والأربعة على بعير واحد، ولم يكن منهم فارس غير المقداد بن الأسود الكندي، وكانت أسلحة بعضهم من جريد النخل ونحوه..
حتى إذا اضطرمت نار الفتنة تقدم علي(عليه السلام) وكان يحمل لواء الرسول(صلى الله عليه وآله) فخاض غمار معركة حامية غير متكافئة، كان المسلمون خلالها يستغيثون ربهم طلباً للنصر فاستجاب لهم وأمدهم بالملائكة، وقد انتهت المعركة بمقتل سبعين رجلاً من المشركين كان مقتل حوالي نصف عددهم بسيف علي.
وفي معركة أحد:
كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد أعطى لواء المهاجرين لعلي(عليه السلام) ولما اشتبك الطرفان كان النصر ابتداءً للمسلمين، بيد أن حماة جبل أحد الذين أمرهم الرسول(صلى الله عليه وآله) بعدم مفارقته تركوا أماكنهم بعد فرار المشركين بدافع الطمع في الغنائم، فصعدت إحدى فرق المشركين بقيادة خالد بن الوليد الجبل فتغير الموقف لصالح المشركين فخسر المسلمون الكثير من الشهداء.. وأصيب الرسول(صلى الله عليه وآله) بجروح في وجهه الكريم وكسرت رباعيته وحيث لم يبق مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في ذلك الموقف الرهيب بعد فرار المسلمين غير علي(عليه السلام) وأبي دجانة وسهل بن حنيف استبسل علي(عليه السلام) كعادته في الدفاع عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومجد الرسالة الإلهية،
وقتل حملة اللواء من المشركين واحداً بعد الآخر، وكانوا تسعة رجال ثمانية من بني عبد الدار وتاسعهم عبدهم. مما أربك العدو واضطره للفرار.
وفي غزوة الأحزاب:
طوقت المدينة بعشرة آلاف من المشركين بشتى فصائلهم، ونقض بنو قريظة صلحهم مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) وانضموا إلى صفوف الغزاة، فتغير ميزان القوى لصالح العدو، وبلغ الذعر في نفوس المسلمين أيما مبلغ، فقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وزلزلت نفوس وظنت نفوس بالله الظنونا –كما حدثنا القرآن.
وبدأ العدو هجومه بعبور عمرو بن عبد ود العامري أحد أبطال الشرك الخندق مع بعض رجاله، فهددوا المسلمين في داخل المدينة بل في داخل تحصيناتهم.. وراح بن عبد ود يصول ويجول، ويتوعد المسلمين ويتفاخر عليهم ببطولته، ويستعلي وينادي:
هل من مبارز؟
فقام علي(عليه السلام) وقال: أنا له يا رسول الله.
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): اجلس إنه عمرو!
وكرر ابن عبد ود النداء وجعل يوبخ المسلمين، ويسخر بهم يقول: أين جنتكم التي تزعمون، أن من قتل منكم يدخلها، أفلا تبرزون لي رجلاً؟
ولما لم يجبه أحد من المسلمين، كرر علي(عليه السلام) طلبه: أنا له يا رسول الله.
فقال(صلى الله عليه وآله): اجلس إنه عمرو!
فأبدى علي عدم اكتراثه بعمرو وغيره، قائلاً: وإن كان عمرو!!
فأذن رسول الله لعلي(عليه السلام) وأعطاه سيفه ذا الفقار، وألبسه درعه، وعممه بعمامته..
ثم قال(صلى الله عليه وآله) (اللهم هذا أخي وابن عمي، فلا تذرني فرداً، وأنت خير الوارثين).
ومضى علي(عليه السلام) إلى الميدان، وخاطب ابن عبد ودّ بقوله: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله، أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا قبلتها..
قال عمرو: أجل.
فقال علي(عليه السلام) فإني أدعوك إلى الله ورسوله(صلى الله عليه وآله) وإلى الإسلام.
فقال: لا حاجة لي بذلك.
قال له الإمام: فإني أدعوك إلى البراز.
فقال عمرو: إني أكره أن أهرق دمك، وإن أباك كان صديقاً لي..
فرد عليه الإمام(عليه السلام) قائلاً: لكني والله أحب أن أقتلك، فغضب عمرو، وبدأ الهجوم على علي(عليه السلام) فصده الإمام برباطة جأشه المعتاد، وأرداه قتيلاً، فعلا التكبير، والتهليل في صفوف المسلمين..
ولما عاد الإمام(عليه السلام) ظافراً استقبله رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو يقول: (لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ودّ، أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة).
وبعد مقتل ابن عبد ودّ بادر علي(عليه السلام) إلى سد الثغرة التي عبر منها عمرو ورجاله الخندق ورابط عندها مزمعاً القضاء على كل من تسول له نفسه العبور، ولولا ذلك الموقف البطولي لاقتحم جيش المشركين المدينة على المسلمين، بذلك العدد الهائل.
وهكذا كانت بطولة علي(عليه السلام) في غزوة الأحزاب أهم عناصر النصر للمعسكر الإسلامي، وانهزام المشركين.
وفي غزوة خيبر:
عجز عليه القوم عن الصمود أمام اليهود، ولما بأن ضعف الجميع عن اقتحام حصون خيبر حتى تأخر فتحها أياماً قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كراراً غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه..).
ولما كان الغد أعطاها علياً فاقتحم حصون خيبر ودخلها عليهم عنوة، وقتل بطلهم مرحباً ثم فتح الحصون جميعاً..
وفي غزوة حنين:
فرّ المسلمون فلم يبق مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) غير علي(عليه السلام).
والعباس وبعض أهل البيت(عليهم السلام) فكان النصر بعد عودة المسلمين لميدان القتال.. وكان الظفر..
هذه صور يسيرة من مواقف الصمود التي سجلها الإمام علي(عليه السلام) بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله) القائد في أدق الساعات وأكثرها حرجاً.
ومن نافلة القول أن نعيد إلى الأذهان أن علياً(عليه السلام) قد اشترك في حروب رسول الله جميعاً غير تبوك وذلك بأمر من الرسول(صلى الله عليه وآله) بذاته، وكان له في جميعها القدح المعلى، هذا عدا الغزوات التي قادها بنفسه عليه السلام.
والباحث المنصف حين يتناول حياة الإمام علي(عليه السلام) بالدراسة وفي شطرها الجهادي بالذات يقف مذهولاً أمام بطولته الفريدة وتضحياته المعطاءة، لكن البطولة بما هي بطولة ليست هي الميزة في جهاد علي (عليه السلام) وإن كان ميدانها الواسع وشمولها يبقى سمة من سمات علي ولكن الأهم فيها إنما هو الإخلاص لله تعالى والتضحية في سبيله.
فإيمان علي(عليه السلام) بالله تعالى يبقى هو الحافز والمحرك لتلك
البطولات العظيمة التي سجلها تاريخ الإسلام في أنصع صفحاته بشكل لم يسجل مثلها سواه.
وحسبك في ذلك أن كثيراً من المواقف العسكرية – كما رأينا– يعترض فيها عليه القوم فضلاً عن عامتهم للهون بل والهزيمة النكراء غير أن التاريخ لم يسجل لعلي(عليه السلام) إلا الصمود والفداء والتضحية في كل موقف، صمد الناس فيه أم انهزموا، الأمر الذي لا يفسره إلا ما يتمتع به علي(عليه السلام) من صدق اليقين وعمق الاستعانة والتوكل على الله والعبودية له واللامبالاة بما سواه كبر ذلك أم صغر.
هذا عدا ما يتمتع به علي(عليه السلام) من علو الهمة وقوة العزيمة ورباطة الجأش وسمو النفس.
أقوال في حق الإمام علي ( عليه السلام )
موقف الإمام علي ( عليه السلام ) في معركة الجمل
مبيت الإمام علي ( عليه السلام ) في فراش النبي ( صلى الله عليه وآله )
الناكثون وموقفهم مع الإمام علي ( عليه السلام )
اخلاص الإمام علي ( عليه السلام )