نوع الحج الواجب بالبذل
مسألة 67 ـ لا يجب بالبذل على المبذول له إلا الحج الذي يجب عليه على تقدير حصول الاستطاعة المالية له .
فلو بذل للآفاقي الذي يجب عليه حج التمتع حج القران أو الإفراد أو العمرة المفردة لايجب عليه واحد منها، وكذا إن بذل للمكي لحج التمتع لايجب عليه، نعم إن بذل له ما يكفيه للحج بأنواعه وأطلق يستطيع به ويجب عليه حجه الذي هو وظيفته .
البذل لمن استقر عليه الحج
مسألة 68 ـ لو استقر عليه الحج ووجب عليه الإتيان به ولو متسكعاً لايجب عليه قبول البذل لو كان قادراً على أدائه بالتكلف والتسكع .
وذلك لأن وجوبه بعد استقراره عليه ليس مشروطاً بقدرة خاصة مثل أن يكون له زاد وراحلة، بل يكفي في وجوبه القدرة العقلية ، وهي حاصلة إذا كان قادراً على أدائه متسكعاً .
نعم، لو كان عاجزاً عنه يجب عليه القبول، لا لأن ما دل على وجوب الحج بالبذل يشمله فإنه يدل على وجوب الحج ببذل خاصٍّ تحصل به الاستطاعة الخاصة المشروط بها وجوب الحج، بل لأن المعتبر في وجوب الحج على من استقر عليه ليس إلا القدرة العقلية ، وهي تحصل له ببذل ما يجعله قادراً عقلاً على أداء الحج وإن كان أقل من البذل المعتبر في الاستطاعة البذلية، فلو كان ذلك الشخص ـ مثلاً عاجزاً عن المشي ولكن يقدر على أداء الحج بالمشي والركوب وبذل له الركوب بمقدار يتمكن به من الحج ما شياً وراكباً يجب عليه القبول، وكذا لو أمكن له تحصيل القدرة العقلية بالكسب وبقبول الهبة ولو كانت مطلقة وبغير ذلك يجب عليه .
وبالجملة: فالاستطاعة الخاصة التي يعبَّر عنها بالاستطاعة الشرعية إنما تعتبر في حجة الإسلام لمن لم يستقر عليه الحج، أما في غيرها من الحجج الواجبة فلا يعتبر فيها إلا القدرة العقلية، ولذا لافرق فيما ذكر بين الحج المستقر عليه وبين الحج المنذور والواجب بالعهد واليمين وغيرها . نعم، في الحج المنذور وما يشابهه لو كان النذر مشروطاً بحصول الاستطاعة المشروط بها حجة الإسلام لايجب الوفاء بالنذر إلا بعد حصولها له .
مسألة 69 ـ قال في العروة : ( إذا قال له : بذلت لك هذا المال مخيراً بين أن تحج به أو تزور الحسين (عليه السلام) وجب عليه الحج ).
أقول : قد أحال بعض المحشِّين من الأعاظم البحث في هذه المسألة بما أفاده في المسألة السابعة والثلاثين، فقال : ( تقدم الكلام في ذلك في المسألة السابعة والثلاثين فلا نعيد ) ، ومراده ما ذكره فيما إذا وهبه ما يكفيه للحج وخيره بين أن يحج به أوْ لا، قال : ( وأما القول بوجوب القبول على تقدير الهبة مع التخيير بين الحج وغيره فهو مبني على دعوى صدق الاستطاعة حينئذ، فإن عرض شيء آخر لايضر بصدق عرض الحج لأن عرض الحج; غير مشروط بعدم عرض غيره، إذ لامعنى لعرض الحج إلا بذل مال يفي للحج ، والتعيين لاخصوصية له . ولكن الظاهر عدم صحة ذلك، فإن التخيير يرجع إلى أن بذله للحج مشروط بعدم صرفه المبذول في جهة اُخرى أو الإبقاء عنده، ولايجب على المبذول له تحصيل الشرط . وإن شئت قلت : إن موضوع الوجوب هو البذل للحج والهبة مع التخيير المزبور بذل للجامع بين الحج وغيره، والبذل للجامع لايكون بذلاً للحج بشخصه، وإلاّ، وجب القبول في الهبة المطلقة أيضاً فإنها لاتنفك عن التخيير في صرف الموهوب في الحج أو غيره).
أقول : أما في المسألة المحال عليها ففيما أفاده فيها : أن عدم صدق عرض الحج المذكور في الروايات على الهبة والبذل المذكور ليس لأنه ليس بذلاً للحج بشخصه، وإنما هو بذل للجامع بين الحج وغيره، بل لأنه ليس هبة ولابذلاً لأمر ما ، لا الحج ولا الجامع بينه وبين غيره، بل هي هبة مطلقة، أو إباحة التصرف في المال تحصل بها ملكية المتهب للموهوب، وإباحة التصرف للمباح له لايفيد قيداً ولاشرطاً بحيث لو لم يكن القيد والشرط لايوجد المقيد والمشروط به، فلاغاية ولاشرط للهبة والإذن والإباحة إلا ما يفيد نفس الهبة والإباحة، بخلاف ما إذا وهبه أو أباحه له لأمر خاص كالحج أو لأمرين مثل الحج والزيارة فعلى هذا حصول الاستطاعة بذلك البذل سواء تحقق بالهبة أو بإباحة التصرف مشروط بشروط تحصل بها الاستطاعة المالية دون البذلية، وليس بذلاً للحج لما ذكرناه، لالما أفاده أعلى الله مقامه .
وأما في مسألتنا هذه فمعنى التخيير في صرف المال المبذول أو الموهوب في الحج أو زيارة مولانا سيد الشهداء ـ روحي لتراب روضته الفداء ـ اشتراط عدم صرفه في غيرهما فمباح له صرفه في أي منهما، وبه يحصل للمبذول له استطاعة ليست من الاستطاعة البذلية المصطلحة، إلا أنها شبيهة بها، فهي استطاعة مالية لايعتبر فيها وجود نفقة العيال وما يرجع به إلى الكفاية على ما فصلناه في الاستطاعة البذلية .
البذل للملِّي المستطيع
مسألة 70 ـ لاريب في أن البذل للملِّي المستطيع الذي لم يحج حجة
الإسلام لا يترتب عليه أثر إلاّ جواز تصرف المبذول له في المال المبذول به، فإن رجع الباذل إلى بذله لايترتب عليه أثر من ضمان الباذل .
نعم، إن بذل لمن حج حجة الإسلام سواء كان ملياً أو فقيراً للإتيان بالحج المندوب ورجع إليه بعد الإحرام فهل يضمن الضرر الوارد على المبذول له ؟
الظاهر عدم ثبوته عليه حتى على قاعدة الغرور، والقول بشمولها لإذن الجاهل بترتب الضرر; لأنه أعم من أن يكون المأذون فيه ضررياً عند الإذن أو لم يكن كذلك وحصل بعد ذلك، وما نحن فيه من القسم الذي ليس ضررياً عند البذل ، والتمسك بالتسبيب هنا لايثبت الضمان; لعدم حصوله من الباذل بعد ما كان المبذول له بالخيار في الأخذ بالبذل لعدم وجوب الأخذ بالبذل عليه، فلايقاس المستطيع بالاستطاعة البذلية الذي يجب عليه الحج بالبذل، فليس هنا إلاّ الوعد، أللهمّ إلاّ أن يكون الوعد والإذن مقروناً بما يفيد الاطمينان بعدم رجوعه إلى البذل حتى يقال بتحقق السيرة العقلائية على ضمان الباذل في مثل ذلك .
رجوع الباذل عن بذله في أثناء الحج
مسألة 71 ـ لو رجع الباذل عن بذله في الأثناء فإن رجع قبل أن يحرم المبذول له فوجوب الحج على المبذول له موقوف على كونه بالفعل مستطيعاً، سواء كان له المال من أول الأمر أو تجدد له بالفعل .
وإذا لم يكن مستطيعاً لايجب عليه الحج ، وليس على الباذل ضمان من ذلك إلاّ ضمان مصارف عوده إلى بلده إن بذل له الحج منه وهو خرج مريداً للحج منه .
وإن رجع بعد إحرام المبذول له فإن كان متمكناً في مكانه من إتمام الحج والإتيان بما بقي منه لأجل مال كان له في ذلك المكان فرجوع الباذل فيما بذله لايكشف عن عدم استطاعة المبذول له; لحصولها بما صرفه من البذل إلى مكان
الرجوع عنه وبما عنده من المال إلى تمام الأعمال، وإن كان جاهلاً به عند الإحرام فلايكون الباذل الراجع ضامناً له لما يصرفه لإتمام الأعمال .
وأما إن تجدد له حصول المال في هذا المكان أو بذل له للإتمام شخص آخر فهل يجب عليه الإتمام ويجزيه ذلك عن حجة الإسلام ؟ يمكن أن يقال بالإجزاء في هذه الصورة أيضاً; لأنه في علم الله تعالى كان مستطيعاً للحج، وهو كمن أحرم لحج الإسلام بظن وجود مال له في مكان خاصٍّ ثم تبين عدم وجوده ولكن ظهر له وجود مال آخر له في مكان آخر فلايبطل إحرامه، ولايكشف ذلك عن عدم استطاعته لكونه في الواقع مستطيعاً .
والحاصل: أنّ الاستطاعة التدريجية كافية لوجوب الحج وإن اشتبه الأمر على المستطيع وظنها استطاعةً فعلية .
إذا بذل له وخيّره بين الحج وعدمه
مسألة 72 ـ إذا بذل له مالاً وخيره بين أن يحج أولا ، فإما أن يكون ذلك بهبته إياه لأن يحج به أوْ لا بناءً على القول بتحقق عرض الحج بهبة مايكفيه للحج به. فهذا يتصور على وجهين :
لأنه إمّايبذله ويهبه له ويخيره بين أن يحج به أو يفعل فيه مايشاء من صرفه فيما يريد أو إبقائه عنده، فالظاهر أنه لافرق بينه وبين الهبة المطلقة، فلايحصل له به الاستطاعة، ولايجب عليه القبول لأنه تحصيل الاستطاعة، فالهبة بهذه الكيفية لاشيء فيها أزيد من الهبة المطلقة، ولاخصوصية لها إلا ذكر إمكان صرفه في الحج كإمكانه في سائر الموارد أمر حاصل في الهبة المطلقة أيضاً، ومثل هذاليس من عرض الحج شيء .
وإمّا يبذله ويخيره بين جعله نفقةً للحج أو جعله في سائر نفقاته بحيث لايكون له إمساكه وإبقاؤه عنده، ففي هذه الصورة ربما يقال بصدق العرض والبذل ووجوب القبول والحج به; لأن صدق عرض الحج عليه ليس مشروطاً بعدم عرضه لأمر آخر .
وفيه : منع صدق العرض والبذل إذا لم يكن مختصاً بالحج، فلايصدق عرض الحج عليه، ولاتحصل الاستطاعة وإن قبل الهبة إلاّ إذا لم يكن محتاجاً إلى صرفه في نفقاته. هذا، مضافاً إلى أن هذا التمليك والهبة بذل وتمليك لأجل الجامع بين الحج وغيره، وهو ليس بذلاً للحج فلايجب على المتهب القبول وإن قلنا بوجوبه في الهبة للحج الشخصي .
ويجري الكلام على مثل هذا فيما إذا وهبه للحج أو لزيارة مولانا سيد الشهداء ـ أرواحنا لتراب روضته الفداء ـ لأنه أيضاً ليس بذلاً وهبة تعييناً لخصوص الحج، بل بذل للجامع بين الحج والزيارة لا للحج بشخصه للزيارة، بشخصها، ومايجب به القبول هو العرض والبذل للحج بشخصه .
نعم ، في الصورة الاُولى وإن قبل الهبة لايجب عليه الحج، وفي الثانية إذا قبل يجب عليه لحصول الاستطاعة به، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّه حيث ينتهي مثل هذه الهبة إلى وجوب صرف الموهوب في الحج بعد القبول تحصل الاستطاعة بها ويجب قبولها لأنه بمنزلة البذل للحج، وإما أن يكون بذله المال بالتخيير المذكور على وجه الإذن في التصرف وإباحته على المبذول له .
فإن كان ذلك بالتخيير له التصرف فيه للحج ولما يشاء من غيره فلايجب به الحج; لعدم حصول الاستطاعة به إذا كان هو محتاجاً إلى التصرف في المبذول لنفقاته اللازمة كالاستطاعة الملكية .
نعم ، تحصل له الاستطاعة إن كان واجداً لتلك النفقات ، فوجوب الحج عليه بهذه الاستطاعة الإذنية يكون شبيهاً بوجوبه بالاستطاعة الملكية يعتبر فيهاكونه واجداً لسائر نفقاته، ومع عدم كونه واجداً لها لايجب عليه، بخلاف ما نعبر عنه بالاستطاعة البذلية فإنه يجب عليه الحج مطلقاً وإن لم يكن واجداً لهذه النفقات .
وإن كان الإذن في التصرف مقصوراً بالتصرف في المال للحج أو الزيارة فهو وإن كان الإذن للتصرف الجامع بين الحج والزيارة وليس عرضاً للحج بخصوصه إلاّ أنه يجب به الحج على وزان الحج البذلي، وإن لم يكن واجداً للنفقات التي لاتحصل له الاستطاعة المالية مع كونه فاقداً لها .
هذا، وقد ظهر من ذلك الفرق بين ما إذا كان عرض الحج وبذل نفقته بالهبة أو بالإذن في التصرف، والفرق بين الإذن في التصرف للحج ولغيره من التصرفات وبين قصر الإذن بخصوص الحج والزيارة، فتأمّل . والله تعالى هو العالم بأحكامه .
إذا تبيَّن كون المبذول به مغصوباً
مسألة 73 ـ إذا تبيَّن بعد الحج أنّ المال المبذول به كان مغصوباً فهل صحة حجه واستحقاقه الثواب وخروجه عن الإحرام بأداء المناسك يدور مدار إجزائه عن حجة الإسلام، أم لا فيكون حجه محكوماً بالصحة مطلقاً وإن لم يكن مجزياً عن حجة الإسلام ؟
ادّعى البعض عدم الإشكال في صحته وخروجه عن الإحرام بأداء المناسك، وقال بوجوب الهدي عليه ثانياً مع بقاء الوقت، ويظهر ثمرة الخلاف في ذلك بوجوب الهدي عليه ثانياً مع بقاء الوقت على القول بالصحة مطلقاً وإن لم نقل بكونه مجزياً عن حجة الإسلام; وعدم وجوبه عليه على القول بعدم الإجزاء وعدم صحة الحج .
ويمكن أن يقال بعدم صحته إذا لم يقع حجة الإسلام لأن مانواه وهو حجة الإسلام لم يقع، وما وقع لم ينوهِ، فالحكم بالصحة ووجوب هدي آخر عليه مع بقاء الوقت مشكل وإن كان أحوط .
وفي كفايته عن حجة الإسلام وجهان، بل قولان، فاختار صاحب العروة وجمع من محشّيها عدم الكفاية. ونفى البعد عنها السيد الشيرازي (قدس سره) منهم. كما اختار السيد الكُلپايكاني (قدس سره) الكفاية فقال : ( الأقوى الكفاية). وقال بعضهم : ( إن القول بعدم إجزائه عن حجة الإسلام غير سديد ) .
أقول : أما وجه القول بعدم الإجزاء هو أن ظاهر ما يدل على اشتراط وجوب الحج بالاستطاعة أو البذل هوالاستطاعة الواقعية، وكونه واقعاً ذا مال وراحلة وواجداً لما يحج به، وفي البذل البذل بماله الواقعي، وكشف الخلاف عن جميع ذلك يكشف عن عدم حصول الاستطاعة وعدم تحقق البذل الواقعي .
وفيه : أن هذه العبارات منتزّلة على معانيها العرفية، فمن كان واجداً ظاهراً للمال جائزاً تصرفه فيه يكون مستطيعاً للحج عند العرف ويجب عليه الحج بما هو محسوب عند العرف بالإستطاعة والبذل، وكشف كون المال للغير لايكون كاشفاً عن عدم حصول هذه الاستطاعة العرفية .
وأما وجه كفايته عن حجة الإسلام فهو أنه يكفي لتحقق البذل وتحقق الاستطاعة جواز التصرف في المال اعتماداً على الحكم الظاهري الحاصل من أمارية اليد، سواء انكشف بعد الأعمال عدم كون المال له أو لم ينكشف فلا ملازمة بين انكشاف ذلك وانكشاف عدم الاستطاعة، فهو كان مستطيعاً عند العرف مباحاً له التصرف في المال لم يكن مانع له من صرفه في الحج، وبعد صرفه في الحج ووقوع الحج به لاينقلب عما وقع عليه، ولاينفي انكشاف كونه مال الغير الاستطاعة التي حصلت له عند العرفوالبذل الذي حصل له، فحصول الاستطاعة للحج غيرمشروط بكون المال ملكاً للمستطيع أو للباذل، بل هي إنما تحصل بجواز التصرف في المال وصرفه في الحج .
وبالجملة: إذا لم يكن حكم حرمة التصرف في مال الغير منجزاً وكان محكوماً بجواز التصرف فيه فالواجد له مستطيع عرفاً، والقاعدة على هذا يقتضي كفاية حجه عن حجة الإسلام، بل وقوعه حجة الإسلام .
ثمّ إنّه على القول بعدم كفاية الحج المذكور عن حجة الإسلام فهل يمكن القول بكفايته لو قال : « حِجَّ وعليَّ نفقتك » ثم بذل له مالاً، فبان كونه مغصوباً فيقال بالإجزاء والكفاية، وذلك للفرق بين البذل الشخصي وبين البذل الكلي، ففي الأول لا يستطيع بالبذل لأنه ملك الغير، فلو حج به ليس حجه عن استطاعة، وأما في الصورة الثانية يستطيع المبذول له بعرض المبذول الكلي، وإنما يعينه الباذل في المال المغصوب جهلاً بالموضوع، فحاله يكون كحال من استطاع بالاستطاعة المالية وصرف جاهلاً بل وعامداً المال المغصوب في الحج فلا شك في أن حجه يجزي عن حجة الإسلام ؟
نعم، لو كان الباذل هنا عالماً بالغصبية وأعطى المعروض له الحج المال المغصوب يكشف ذلك عن عدم كونه باذلاً، وأما إذا عرض الحج بهذا القول والوعد وبعد ذلك أعطى المال المغصوب جاهلاً بغصبيته فليس هو إلاّ مثل المستطيع الذي صرف نفقة حجه من المال المغصوب جاهلاً به فحكمهما واحد .
والدليل على تحقق البذل بذلك : أولاً أنّ البذل وعرض الحج أعم من تسليم المال المبذول به إلى المبذول له فإنه يتحقق بدعائه لأن يكون ضيفاً عليه .
وثانياً: لأنّه ليس له بعد وعد العارض الباذل وقول : « حِجَّ وعلىَّ نفقتك » تعجيز نفسه عن الحج، فلا يجوز له أن يؤاجر نفسه للسفر إلى مقصد آخر أو عمل لا يجتمع مع الحج، وإلاّ فيستقر عليه الحج .
والحاصل: أنه لا يتوقف صدق الاستطاعة على عرض الحج بالبذل الخارجي، فيجب عليه تهيئة مقدمات الحج التي لاتحتاج إلى صرف المال، فإن تهاون في ذلك حتى خرج وقته وكان هو باذلاً يستقر عليه الحج .
نعم، إذا كان الباذل غير موثوق به لا يعتد بكلامه يمكن أن يقال بعدم تحقق البذل بمجرد وعده، أما إذا كان موثوقاً به جاداً في قوله فالبذل يتحقق بوعده ويجب على المبذول له الحج ، ودفع المال المبذول به بخصوص دفع هذا أو هذا دفع لأحد أفراد ما حصل به الإستطاعة والمال الكلي الذي يكفي للحج ، ولايكشف دفعه المال المغصوب جاهلاً به عن كونه راجعاً عن وعده، كما لا يكون كاشفاً عن عدم استطاعته .
وبذلك كله يمكن ردّ ما أفاده غير واحد من الأعلام من أن البذل الموجب للاستطاعة لا يتحقق إلا بالبذل والإعطاء الخارجي، فمادام لم يتحقق ذلك لم يتحقق الاستطاعة .
والجواب : أنّ الحاكم في ذلك العرف، وهو حاكم بكون العرض بالمال الكلي عرضاً وبذلا للحج موجباً للاستطاعة ووجوب الحج .
ثمّ إنّ هنا قد وقع البحث في ضمان هذا المال الذيأتلفه المبذول له، فلا ريب أنه يجوز للمالك الرجوع إلى الباذل والمبذول له; لقاعدة اليد، ولخصوص من أتلف للرجوع إلى المبذول له، وأما رجوع المبذول له إلى الباذل إن رجع المالك إليه فهو لقاعدة التسبيب، وكون السبب أقوى من المباشر، فإنّ الباذل ببذله اضطرّ المبذول له إلى تفويت مال الغير ببذله له فهو ضامن له، كما لا يخفى .
إذا حجَّت المرأة مع عدم الأمن
الإحرام بالصبي غير المميز للعمرة المفردة
المراد من الإستطاعة