التمثيل التاسع :لقمان الحکيم
( وَمَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغاءَ مَرضَاتِ اللهِ وَتَثْبيتاً مِنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَين فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلّ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ). (1)
تفسير الآية
"الربوة" : هي التلُّ المرتفع .
و"الطلّ": المطر الخفيف، يقال: أطلّت السماء فهي مطلِّة. وروضة طلّة ندية.
شبّه سبحانه في التمثيل السابق عمل المانِّ والموَذي بعد الاِنفاقب والمرائى بعمله بالاَرض الصلبة التي عليها تراب يصيبها مطر غزير يكتسح التراب فلا يظهر إلاّ سطح الحجر لخشونته وصلابته، على عكس التمثيل في هذه الآية حيث إنّها تشبّه عمل المنفق لمرضاة الله تبارك و تعالى بجنة خضراء يانعة تقع على أرض مرتفعة خصبة تستقبل النسيم الطلق و المطر الكثير النافع، وقيّد المشبه به ببستان مرتفع عن الاَرض، لاَنّ تأثير الشمس والهواء فيه أكمل فيكون أحسن منظراً وأذكى ثمراً، أمّا الاَماكن المنخفضة التي لا تصيبها الشمس في الغالب إلاّ قليلاً فلا تكون كذلك .
قال الرازي: إنّ المراد بالربوة الاَرض المستوية الجيدة التربة بحيث تربو بنزول المطر عليها وتنمو ، كما قال سبحانه: ( فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الماء اهْتَزَّت وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ ).
ويوَيده أنّ المثل مقابل الصفوان الذي لا يوَثر فيه المطر.
وعلى كلّ حال فهذا النوع من الاَرض إن أصابها وابل أتت أُكلها ضعفين فكان ثمرها مِثْلَي ما كانت تثمر في العادة، وإن لم يصبها وابل بل أصابها الطلّ تعطي أُكلها حسب مايترقّب منها.
فالذين ينفقون أموالهم في سبيل الله أشبه بتلك الجنة ذات الحاصل الوافر المفيد والثمين.
ثمّ إنّ قوله سبحانه: ( ابتغاء مرضات الله و تثبيتاً من أنفسهم )بيان لدوافع الاِنفاق وحواجزه وهو ابتغاء مرضاة الله أولاً، وتقوية روح الاِيمان في القلب ثانياً، ولعلّ السرّ في دخول "من" على ( من أنفسهم )مع كونه مفعولاً لقوله ( تثبيتاً) لبيان أنّ هذا المنفق ينفق من نفس قد روّضها وثبّتها في الجملة على الطاعة حتى سمحت لله بالمال الغزير فهو يجعل من مقاصده في الاِنفاق، تثبيتها على طاعة الله وابتغاء مرضاته في المستقبل.
سورة البقرة
----------------------------------------------------------
الهوامش
1 ـ البقرة:265.
التمثيل الثامن :لقمان الحکيم
التمثيل السابع :لقمان الحکيم
التمثيل السادس : لقمان الحكيم
التمثيل الخامس:لقمان الحكيم