مدارس المنمنمات الايرانية:
المدرسة العباسية (بغداد): يقول بازيل غمري في كتابه الرسم الايراني : « يجب أن تبدأ دراسة الرسم الايراني بالنسخ الخطية للعصر الفارسي ، و المدرسة العباسية اسم ، يطلق على النسخ الخطية المذهبة و المزينة بالرسوم ، التي اهتم بها الخلفاء العباسيون و جمعوها في عاصمتهم بغداد». عرفت اسبانيا هذا الفن لمئات السنين، إلا ان شمال افريقيا لم يشهد الا النمط الهابط منه.
و حين أمسك البرامكة بزمام الامور في الدولة العباسية ، قدم عدد كبير من الفنانين الى بغداد ، ليكرسوا المدرسة ، التي اشتهرت باسم المدرسة البغدادية ، و الحقيقة ان هذا الموضوع ، يحتاج الى دراسة تاريخية موسعة ، الا ان المعروف تاريخياً ان الكثير من الآثار القيمة لهذه المدرسة ، اتلفت في حوادث نهب مكتبات بخارى و سمرقند.
كان الفنانون الايرانيون من ذوي الذوق الرفيع اول مَن قام في القرون الاولى للهجرة ، بتذهيب القرآن الكريم و تزيينه ، و تزيين حواشي الكتب بالنقوش الاسليمية و الخطائية و انواع الزخارف .
ثم تطور هذا الابداع فيما بعد و اصبح للنقوش الاسليمية و الخطائية اصولها و قواعدها المعروفة ، و ربما سنحت الفرصة للحديث عنها في موقع آخر.
توسعت هذه النقوش في عصور السلاجقة و المغول و التيموريين ، و تجاوزت مجال تذهيب الكتب لتشمل الفسيفساء و نقوش السجاد.
و بعد ابداع التصاميم و النقوش المعروفة ، ظهر فن جديد هو رسم الصور و القصص ، تجلت ارهاصاته في منمنمات المدرسة العباسية.
و يذكر آرثر اپهام پوپ ، ان هناك نسخاً لكتاب كليلة و دمنة ، و كتاب في البيطرة الصيدلة باسم ، دماتريا مديكا ، و مقامات الحريري ، تحمل رسوماً على نمط منمنمات المدرسة البغدادية ، و في سياق الحديث عن المدرسة العباسية (بغداد) ، يقول بازيل غري : " باختصار لا يمكن تحديد تفاوت واضح بين المنمنمات الايرانية ، التي انجزت في العصر العباسي و منمنمات سائر انحاء آسيا ، و لعل الفرق الوحيد الذي احدثه الايرانيون ، هو الانسجام في اعمالهم اثر حملات المغول على بلادهم ، و يبدو انهم كانوا بحاجة الى هزة شديدة ، ليكون نبوغهم قادراً على تدجين الفن الجديد ، و تطييعه بالوافد من الشرق الاقصى".
المدرسة المغولية: شهدت هذه الحقبة تكاملاً ملحوظاً في فن الرسم و اساليبه التقليدية، فقد كان فن المنمنمات في العصر السلجوقي محافظاً على هويته الايرانية المحضة ، بعيداً عن نفوذ الرسوم الصينية ، و بعد انقراض السلاجقة استطاع الايرانيون ان يحافظوا ـ بأعجوبة ـ على ثقافتهم التقليدية ، و حين قدم المغول وقعوا تحت تأثير الثقافة الايرانية ، إلا انهم أثروا كثيراً في المسيرة الفنية ، التي كانت في سبيلها نحو التكامل ، فظهرت مراكز و نتاجات فنية جديدة في تبريز و شيراز و مرو.
مدرسة هرات: أعقب المرحلة المغولية ظهور عهد فني جديد في ايران حمل اسم مدرسة هرات ، و يطلق عليها ايضاً المدرسة التيمورية او مدرسة سمرقند و بخارى ، اذ كانت هاتان المدينتان مركزي الفنون عصرئذ.
يذكر التاريخ ، ان ثلاثة من خلفاء تيمور اتخذوا من هرات عاصمة لهم ، و اهتموا بالثقافة و الفن خلافاً لسيرة جدهما الذي عرف بدمويته ، و كان هؤلاء السلاطين الثلاثة (بايسنقر، شاهرخ ، حسين بايقرا) ، المؤسسين الحقيقيين لمدرسة هرات ، التي يعتبرها بعض اساتذة المنمنمات من ابرز مراحل تقدم الرسم في ايران ، و لعل الاستاذ الاكثر ابداعاً في تلك الفترة هو كمال الدين بهزاد ، الذي يطلق عليه بعض المستشرقين اسم هراتي.
بلغ التذهيب و المنمنمات غايتهما في المدرسة الهراتية ، و اصبحت هرات مركزاً ، تستقطب النخبة من فناني ذلك العصر، و لعل ابرز آثار هذه المدرسة كتاب ( خمسة نظامي ) ، للفنان كمال الدين بهزاد، ( گلچين ) ، لاسكندر سلطان ، ( شاهنامه ) ، لمحمد جركي ، (بوستان سعدي) لبهزاد و غيرها .
المدرسة الصفوية : حين امسك الصفويون بزمام الامور انتقل مركز الفن في ايران من هرات الى تبريز ، و ظهرت بوادر التغيير ، فقد اتجه الرسم نحو الطبيعة ، و خرج من الاطر الضيقة للكتاب الى الرسوم الجدارية ، و برز اساتذة كبار ، مثل رضا عباسي ، مؤسس المدرسة الصفوية ، التي تميزت بوضوح عن المدرستين المغولية و التيمورية ، و كانت ميزتها الابرز انها كانت اكثر رقة من سابقتيها . و من ابرز رموزها ، رضا عباسي ، خواجه نصير بن عبد الجبار استرآبادي ، فرخ بيك ، ميرزا محمد تلميذ الخواجه عبدالعزيز و غيرهم .
و كان لانفتاح ايران على الغرب ، و بلدان آسيا في العهد الصوفي أثر كبير على فن الرسم ، أدى الى ظهور آثار قمية توزعتها المتاحف العالمية و الايرانية ، و لا شك ان العصر الصفوي ، يمثل مرحلة جديدة في تاريخ المنمنمات الايرانية.
المدرسه المعاصرة : شهدت السنوات المائة الماضية ازدهاراً في المنمنمات ، تجي بظهور نتاجات فنية رائعة . بدأ عصر الازدهار بعد انشاء مدرسة كمال الملك عام 1908 ، و قدوم الاساليب الفنية الاوروبية الحديثة ، و اهتمام الرسامين الايرانين بها.
و لصيانة الاساليب الايرانية من الضياع ، و تشجيع الفنون الايرانية التقليدية و الصناعات اليدوية الوطنية ، انشئت مدرسة فنية اخرى عام 1930 ، و كان فن النمنمات (المينياتور) من بين الفروع ، التي شملتها هذه المدرسة الى جانب فروع الصناعات اليدوية و الفنون التقليدية الاخرى ، و قد اجرت المدرسة امتحاناً لاختيار الاستاذ قبل بدء الدراسة بعام ، و كان المشرف على الامتحان الاستاذ حسين طاهر زادة و بهزاد ، الذي يعد مؤسس الفنون التقليدية المعاصرة في المدرسة الفنية الوطنية ، و أحد رموز فن المنمنمات في ايران ، و قد وقع اختياره على المرحوم هادي تجويدي ليكون أول أستاذ للمنمنمات في المدارس المعاصرة.
المنمنمات الفارسية وبراعمها
مقدمة حول الحداثة في الفن الايراني
فن الخط تجل لثقافه المجتمع الايراني
الرسوم على الأواني الخزفية الإيرانية