فن الخط تجل لثقافه المجتمع الايراني
يعتبر فن الخط من اقدم الفنون الاصليه في ايران ، و خلال مسيره حياته الطويله طوي مراحل مهمه في التغيير و التحول و التطور ، و في العقود الاخيره ، حيث اخذت تتعالي صيحات العودة الي الاصالة ، وجد فن الخط مكانته الحقيقيه في المجتمع ، اذ استطاع ان يجد لنفسه اساليب مبتكره للنفوذ الي حياة الناس عبر اقترانه بالرسم ، و بروزه في اعمال الجرافيك و تجليه في العماره ، ككتائب القاشاني و الزخارف و النقوش التقليديه و الحديثه، التي عادت ثانيه الي فن العماره.
لا شك ان فن الخط ، بدأ يدخل عالماً جديداً، نظراً لاستخداماته المتنوعه ، و اعتماداً علي فهم الفنان الشخصي و الذوقي و الابداعي في كيفيه التعامل مع هذه الظاهره ، و في هذا المجال ، بدأنا نشهدا اعمالاً فنيه غايه في الروعه و الجمال ، يزينها الحرف برشاقته و سحر بيانه ، و قد ساعد ذلك في ان يلفت اليه الانظار و يجدله هواه كثيرين خاصه بين اوساط الشباب ، و الخطاط
حسن تقي زاده كرماني ، احد هؤلاء الشباب ، الذين استهواهم فن الخط فكّرس لخ كلخ وقته و جهده. و قد قاده عشقه لهذا الفن الي ان يقطع مئات الكيلومترات مرتين في الاسبوع ، ليواظب علي حضور دروس مشاهير هذا الفن ، و كذلك ان يتولي بدوره تدريس الشباب قواعد الخط و فنونه ، يحدثنا الخطاط كرماني بصدقه المعهود مع حروفه عن تاريخ تطور هذا الفن، قائلاً:
لقد قيل و كتب الكثير عن تاريخ فن الخط ، و ما يمكن قوله هنا هو ، ان تطور فن الخط و احتلال المكانه ، التي هو عليها الآن، وليد جهود و مساعي و تجارب كثيره بذلها مشاهير هذا الفن ، و لا يخفي ان فن الخط يعد من اركان الفنون الاسلاميه ، و خلال مسيره حياته شهد مراحل مهمه من تطوره و ازدهاره علي يد فنانين كبار ، كان معظهم من الايرانيين ، و بفضل ابداعه انواع و اساليب مبتكره ، استطاع ان يواصل حياته ، و يزيد من ازدهاره ، و منذ بدايه نشوئه ، توفرت لها الطاقات و الامكانات ، ليتخطي فن الخط غايات ابعد و أوسع من الكتابه ، و ينتج فنانين ابدعوا نواعاً مختلفه من الخطوط ،
كالثلث و
النسخ و
الريحان و
الرقعه و
التعليق و
النستعليق و غيرها ، ساعدت كثيراً في توسيع دائره استعماله و استخداماته ، و من هنا ، و رغم ان الخط من حيث التعبير ، لا يضاهي الدور الذي تلعبه الفنون الاخري كالفنون المسرحيه و السينما في اغناء ثقافه المجتمع ، و حفظ تراثه و قيمه، الاّ انه لا يستهان بدوره في هذا المجال.
* اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الجهود ، التي بذلها اساتذه هذا الفن في الماضي في ايصال فن الخط الي مرحله الكمال، باعتقادك هل لدي الخطاطين اليوم ما يضيفونه الي هذا الفن؟
* ربما يمكن القول ، ان تحولاً اساسياً لن يحدث ، و هو من هذه الناحيه ، ربما لا يختلف عن فن الرسم و الالوان و تركيباتها ، فكما تعلم ، ان تراكيب
رامبراند و
رونس و آخرين ، و ابداعاتهم في هذا المجال ليس لها نظير ، هذا من جهه ، و من جهه اخري ، فان وتيره الحياه باتت متسارعه ، و ان التطور الذي ينال فن الرسم ، لا يقود الي ابداعات اصوليه بحته ، بل بات الشكل مطروحاً بقوه ، و ان الذين يهتمون بالشكل ، يمتلكون الكثير مما يريدون قوله ، و قد بتنا نشهد اختبار اساليب مختلفه ، اذ راحت تختلط اشياء عديده بالرسوم ، فاحياناً تجد في لوحه فنيه لموضوع فولكلوري ، تطعم بقطع من الصفيح الصديء او خرقه من قماش قديم ، و نري الكل يستحسن ذلك و يثني عليه ، لقد باتت القيم و المثل تجد لها معاني و مفاهيم جديده ، و ان فن الخط ايضاً غير مستثني عن هذه القاعده ، قد لا يولد في مجال الخط ابداً خطاطون امثال «
ميرعماد» في النستعليق ، و «
درويش» في الخط الفارسي المسكور ، و «
ياقوت مستعصمي» في خط الثلث ، و «
احمد التبريزي» في خط النسخ ، و لكن النوابغ في هذا الفن ، ابتدعوا اساليب و اشكال جديده ، تستمد اصولها من اسس علميه ، ان التراكيب اللونيه و التعارض و الانسجام ، الذي نجد في اعمال الخطاطين اليوم ، يشير بوضوح الي استجابه الخطاط المعاصر و مواكبته لمتطلبات العصر.
* في تصورك ما هي طبيعه العلاقه بين الخط و الرسم ؟
* في اعتقادي ، ان الخط هم من اكثر الفنون اقتراباً من الرسم، لأن الاثنين يشتركان معاً في استخدام
القلم للتعبير عن مكنوناتهما ، فالرسام يجسد في منه ما يراه ، و يشعر به في عالمنا الحسي ، اما بتصويره ذاتياً او تركيباً ، ليجد في النهايه مفهوماً جديداً لعمله ، فاذا ابدع في عمله يقال له فنا ، و من هنا فان المفهوم الفني للخط ، يعني سلامه الحروف و جماليه تراكيبها و وضعها في مستوياتها الخطيه الخاصه.
* كيف تنظرون الي الخط اساسا، هل الخط فن أم تقنيه؟
* ان ما تفيده كلمه خط ، لا ينحصر في انه فن ، فحسب بل مجموعه فنون ، اذ يصفه التاريخ المدون بأنه ثقافه المجتمع ، فاذا ما تحرك القلم علي الخشب اعطي فنا طريفاً و دقيقاً يسمي نحتاً ، و عند تحركه فوق الاحجار التزينيه ، يشكل فناً يسمي نقشاً ، و في تحركه علي المعادن ، ينتج لنا فناً نطلق عليه زخرفه و ترصيع ، و بشكل عام يمكن القول ، ان فن الخط يدين في تطوره و تكامله و قدسيته الي القرآن الكريم ، الذي بدأ تدوينه و كتابته بالخط الكوفي، و استمرت كتابته الي الان بخط النسخ و الثلث و انواع الخطوط الاخري.
* ما هي طبيعه المواد التي كان يستخدمها الخطاطون القدماء في تحضير مركباتهم و الوانهم؟
* عموماً كان اسلوب تحضير المركبات ، يلتصق التصاقاً وثقياً بالطبيعه ، اي كانت تتم الاستفاده ، من المواد الطبيعه التي تتسم بطبيعها اللونيه ، و بقي هذا الاسلوب يحظي بالاهتمام و العنايه حتي يومنا هذا ،
و لعّل من اشهر المواد التي استخدمت في تحضير اصباغ و مركبات الخطاطين، الشاي و قشور الجوز و الزعفران و غير ذلك.
و مما يذكر ان طريقه تحضير الحبر بقيت متداوله حتي يومنا هذا.
* حدّثنا عن علاقه الخط بالتذهيب؟
* كما تعلم ان فن
التذهيب و
التشعير من الفنون القديمه الغنيه الخالده ، التي عرفت بها بلادنا ، و قد تزامنت مرحله ازدهارها مع دخول الاسلام بلادنا ، و باتت مرحله استخداماته المتنوعه في الزخرفه و العماره و السجاد و وسائل الزينه و اطارات اللوحات ، تشكل جزءاً من معالم الفن الايراني الذي اشتهر في العالم ، و منذ القدم اقترن التذهيب بانواع الخط و كان في الغالب ، يمثل الارضيه البارزه لاعمال الخطاطين ، و بصوره عامه تتسم النقوش و الالوان المستخدمه في التذهيب بتنوعها و تبايناتها الكثيره ، و غالباً ما تمنح اللوحه الخطيه انسجاماً و تناسقاً عبر التواءات الخط و انعطافاته ، و ما ينبغي التأكيد عليه هنا ، و هو ان تنفيذ التذهيب حول الخطوط ، يجب ان يتم بدقه متناهيه و براعه ، حتي لا يكون سبباً في التقليل من القيمه الفنيه للخط ، فالخط بلونيه الابيض و الاسواد ، يمتلك من الجماليه ما فيه الكفايه ، و لكن اذا ما اضيف اليه التذهيب ببراعه ، فسوف يتضاعف سحر و جذابيه اللوحه الخطيه.
* لا شك في أن فن الخط من الفنون المعدوده ، التي تتسم بحريمها المعنوي ، من الذي اضفي عليه هذه القدسيه برأيك؟
* لا شك في ان الخط ، يحمل بين طياته نوعاً من القداسه و الشرف الثقافي ، فالخط الساحر و الكلام الجميل ، يتطلب فكراً نبيلاً و تفكيراً سليماً ، و من هنا نجد الاعمال الفنيه الخالده في شتي انحاء العالم، قد اتخذت من التعاليم الالهيه و كلام العظماء و القديسين من مواعظ و حكم و اشعار، ميداناً لابداعها ، و لا يخفي ان النصوص الخالده ما هي الاّ عصاره ثقافه امه و اختصار لتاريخها ، تتجلي في لوحات خطيه جميله و لوحات فنيه و كتائب و زخارف و نقوش ، و مثل هذه الاعمال تهدف عموماً الي سوق الاذهان الي القيم الخيّره ، و ايقاظ الوجدان لابناء المجتمع ، لذلك غالباً ما نري امثال هذه الاعمال توضح في الساحات العامه و امام الانظار لتكون محط الانظار دائماً.
و فضلاً عن هذا كله، ان فن الخط و عبر و مدارجه الفنيه ، و ضمن تعليمه فن كيفيه التحرير و الكتابه ، يسعي الي اشاعه فن الحياه ، و سبل الخلود ، و في هذا المجال فان معلم الفن لايألو جهدا في تعليم الهاوي ، و لهذا تنشأ علاقه معنويه حميمه بين المعلم و الهاوي ، و من هنا يكون حريم هذا الفن ـ فن الخط ـ مفعماً بالمعنويات دائماً.
* كيف ترون الاهتمام بواقع فن الخط اليوم؟
* لحسن الحظ ، ان في الخط تميز بعد انتصار
الثورة الاسلامية بالتطور و الازدهار ، و السبب في ذلك يعود الي الاهتمام الواسع في ايجاد المحيط اللازم لبروز الابداعات الفرديه الخلاقه في هذا المجال ، و كان ذلك باعثاً لأن يتوجه الشباب الهواة لتجربة حظهم في هذا المضمار ، و لذا فان عدد الخطاطين اليوم يفوق ما كان عليه قبل الثورة الاسلامية بمراتب.
لقد اكتسب فن الخط رونقاً خاصاً اليوم ، حيث ارتفع عدد الهواه في رابطه الخطاطين من (3000) طالب الي (7000) طالب في فترة و جيزة ، و يقدر عددهم الآن بسبعه عشر طالباً في جميع انحاء البلاد ، و من هنا يمكن القول بكل جرأ ة ان فن الخط اليوم ، يمر بفترة انتعاش و ازدهار كاملتين.
منير مسعودي
الصناعات اليدوية الايرانية
اللغة والخط الإيراني قبل الاسلام
مدارس المنمنمات الايرانية
أثر المنمنمات الإيرانية في الفن الإسلامي