التكايا الحسينية خشوع و قدسية و جمال متفرد
عالم مكلل بالجلال و الخشوع و الجمال ، إنه عالم التكايا الحسينية التي انتشرت في شوارع و ساحات كربلاء المطهرة و هي تستذكر ملحمة الحسين(ع) و أحداثها المتفردة في تأريخ الانسانية ، حيث لا يمكن للرائي ان يمر بالتكية مرور الكرام بسبب نفحات الجمال و القدسية التي تفوح من ثرياتها و مصابيحها و صورها و شعاراتها و بخورها و غير ذلك ، مما يملأ هذه التكية او تلك فيحيلها الى عالم له خصوصية الأماكن المقدسة. و في أيام عاشوراء ترتدي كربلاء المقدسة رداءها الاسود الحزين على مصاب أبي عبد الله الحسين (ع) ، و تبدأ بإحياء الطقوس و الشعائر الحسينية المقدسة إسهاما منها في نصرة الامام الحسين (ع) الذي استشهد دفاعا عن الحق و الحرية و مقارعة الظلم و الباطل بكل أشكاله.
و التكايا التي يقيمها عدد من اهالي كربلاء و مواكب الزائرين من داخل و خارج العراق من المسلمين هي إحدى هذه الشعائر المهمة ، و من أجل معرفة دور التكية في مثل هذه الايام العاشورائية قامت شبكة النبأ بجولة ميدانية زارت فيها العديد من التكايا لكي تلقي الضوء على دورها في هذه الايام المضمخة بالدم الطهور للإمام الحسين (ع) ، و كذلك لمعرفة طبيعة الاعمال والخدمات التي تقدمها لزوار الحسين (ع).
و بينما كنا نتجول في الشوارع و الساحات إلتقينا بأحد اصحاب هذه التكايا التي غالبا ما تترك تأثيرا ايجابيا على اهالي المدينة ، التي شُرفت ارضها و اهلها باستشهاد ابي عبد الله (ع) ، و سألنا صاحب التكية الحاج عبد الامير درويش عن زمن تأسيس هذة التكية فأجاب قائلا:
(تم تأسيس هذه التكية لخدمة زوار الحسين ع في سنة 1986م) ، ثم سألناه عن الخدمات التي تقدمها تكيته للزوار الكرام فقال: ( كما تعرفون نحن نقدم الى الزائرين الماء والشاي والطعام كذلك غالبا ما تكون التكية مكانا مناسبا للراحة والتبرك لكل زوار الحسين ع ) ، و عن أنواع الطعام التي تقدمها التكية للزوار الكرام قال الحاج درويش: ( تعودنا ان نقدم مأكولات عديدة للزوار مثل_ التمن والقيمة_ ولفات الكباب والأكلات الأخرى المتعارف عليها في مثل هذه الايام من كل عام) .
وقد لاحظنا لافتة في أعلى هذه التكية مكتوب عليها جملة( موكب جمهور الغاضرية/ في شارع ابو الفهد) و عرفنا من الحاج درويش ان هذا هو اسم تكيته ) ، ثم شكرنا صاحب هذه التكية و تمنينا له أجرا وثوابا معظَّما بشفاعة الامام الحسين (ع) لأن خدَمَة الامام يستحقون خير الجزاء.
و سألنا السيد محمد مصطفى احد مسئولي تكية خدمة اهل البيت(ع) ليخبرنا عن معاني وفلسفة التكية واللالات الجميلة المضيئة..؟
فقال: ان وصول الامام الحسين (ع) الى كربلاء كان في اول يوم من شهر محرم الحرام وفي بعض الروايات في الثاني منه، ولذلك يستقبل اهالي كربلاء قدوم شهر محرم بتنصيب المصابيح والفوانيس الملونة التي تضيء اجواء المدينة، التي يسمونها بـ(التكية) وهي دلالة وتعبير عن الحزن والمواساة باضاءة المدينة للامام الحسين عليه السلام وعائلته واصحابه.
ويمثل كل فانوس ومصباح رمز معين لاصحاب الامام الحسين (ع) وتتزين هذه التكية بالمصابيح والمرايا والذهب في بعض التكيات، ويكون تجمع كل هيئة في التكية الخاصة بها حيث يتم توزيع الماء والطعام، ويستمر هذا الامر الى التاسع من محرم ليلاً، وعند نزول المشق (الممهد للتطبير) تعبيرا عن بدء الحرب يتم وضع البياض (الكفن) على التكية.. وفي مساء يوم العاشر من محرم يتم وضع مصابيح حمراء وإطفاء لالات التكية تعبيرا عن انتهاء يوم الحرب ومقتل الامام الحسين واصحابه(ع).. وحينها يتم اشعال الشموع تعبيرا عن حزن المحبين لفقدانهم الامام الحسين (ع) وسبي النساء والاطفال ويتجمع الناس خصوصا الاطفال والنساء عند مخيم الحسين (ع) مواساة لعائلة الامام (ع) واطفاله.
وفي يوم الحادي عشر من محرم الحرام يتم تجميع اللالات والمصابيح والفوانيس ووضعها في صناديق خاصة، بانتظار محرم آخر حيث يتم استعادة الذكرى من جديد.
ثم أكملنا جولتنا فالتقينا السيد حيدر ابو كرار صاحب تكية( سبع القنطرة) وتحدث لنا عن تأسيس تكيته في عام 1425 هجرية وعن طبيعة الخدمات التي تقدمها تكيته لزوار أبي عبد الله الحسين (ع) كما تحدث لنا عن الخدمات التي تخص راحة الزائرين ومنها خيم للنوم وخدمات صحية بالاضافة الى الطعام والماء والشاي.
واكملنا المسير والتقينا السيد احمد شاكر منصور صاحب تكية (شباب شبل المرتضى/ في حي البلدية) ولاحظنا الثريات المضاءة بمصابيح متوهجة وكذلك صور كبيرة لأهل البيت عليهم السلام مع شعارات حسينية تخلد مناقب ملحمة الحسين (ع) وآيات قرآنية كريمة من الذكر الحكيم، ثم سألنا السيد أحمد عن سنة تأسيس التكية فقال:
( نحن سواق شاحنات في كربلاء، والله سبحانه وتعالى متفضل علينا بالرزق الوفير، وقد باشرنا العمل في هذه التكية الحسينية منذ عام 1980م) وأضاف السيد أحمد شاكر( أما الخدمات التي قدمناها في زمن الطاغية حيث كنا نعمل سرا، فهي توزيع الطعام ضمن بيوتنا الخاصة لكي نضمن سرية هذا العمل الذي كان يشكل خطرا كبيرا علينا في زمن الدكتاتور الظالم حيث لم نكن نستطيع ان نبني هذه التكية في مكانها الحالي أمام عيون السلطة آنذاك وكما تعرفون فإن ذلك النظام الساقط كان لا يرحم احدا وبالأخص نحن الشيعة).
وعندما سألنا السيد أحمد شاكر صاحب تكية( شباب شبل المرتضى) عن وقت المباشرة بعمل التكية بصورة علنية فأجاب:
(لقد قمنا بممارسة كافة شعائرنا المقدسة مباشرة بعد سقوط الصنم ومن بينها عودتنا الى فتح هذه التكية وتقديم الخدمات اللازمة لزوار الحسين ع).
بعد ذلك ذهبنا الى عدة تكايا منها (هيئة شباب مالك الاشتر/في شارع قبلة الحسين ) التي تأسست عام 1971م وكان صاحبها السيد عبد الامير النصراوي حاضرا وقد استقبلنا كزوار للحسين (ع) فسألناه عن المراسيم والشعائر الحسينية( اللطم والزنجيل والتطبير) وكيف كانت تقام في زمن الطاغية فقال:
( لقد كنا نذهب الى خارج المدينة، الى البساتين القريبة من قضاء طويريج وكنا نمارس هذه الشعائر سرا، وهناك آية قرآنية كريمة تقول "- بسم الله الرحمن الرحيم- ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب" ولذلك لم نتوقف عن ممارسة الشعائر الحسينية حبا بإمامنا الحسين ع وبمبادئ الثورة الحسينية التي جاءت خيرا ورحمة للمسلمين كافة).
وتواصلت جولتنا في انحاء اخرى من كربلاء المقدسة حيث غطينا عددا اخر من التكايا وجميعها كان متشابها من حيث تقديم الخدمات للزائرين الكرام لكن الاختلاف يكمن في الديكور المختلف من تكية الى أخرى، فمثلا نرى احدى التكايا المسماة (هيئة الزهراء الطاهرة) مزدانة بالمزهريات التي تجعل المكان اكثر جذبا للزائرين بألوانها المضيئة الحمراء و الخضراء و البيضاء و الصفراء كانها نجوم في ليلة صافية، وقد سألنا صاحب التكية السيد (حيدر جواد هادي المحنا)السؤال التالي:
( لماذا تضعون هذه المزهريات والثريات في تكيتكم ؟) فأجابنا قائلا: (انها تعطي المكان جوا اكثر قداسة، فعندما يأتون الزوار الكرام مثلا ويشربون الشاي ويجلسون في التكية ويشمون رائحة البخور والعطور الزكية فإن هذه الثريات تضيف لهم نوعا من الراحة النفسية خاصة اذا كانوا من محافظات بعيدة) وعندما سألنا السيد المحنا: (هل تضعون هذه المزهريات والثريات والصور كل سنة في مثل هذا الوقت) فقال: ( نعم نحن مستمرون بعملنا هذا منذ تأسيس هذه التكية في سنة 1420هجرية).
ثم كانت محطتنا الأخيرة في تكية (هيئة شباب ام البنين / قرب بان قبلة الامام الحسين) التي تأسست عام1986 م حيث سألنا شبابا كانوا واقفين قرب هذه التكية عن صاحبها او المشرف عليها فأجابنا شاب يدعى (ابو علي) بأن صاحب هذه التكية هو المرحوم (سيد شهيد) وأضاف: (ان من يتولى امور ادارة هذه التكية حاليا هو سيد راضي عاشور) الذي كان يقدم الخدمة لزوار الحسين(ع) بنفسه ليشحذ همم الآخرين من الشباب.
تمنينا للجميع من خدَمَة الامام الحسين (ع) أجرا مجزيا ومعظَّما من الله جل وعلا بشفاعة إمامنا الحسين الخالد خلود الحياة.
هكذا كانت رحلتنا مع عالم التكايا الكربلائية الذي تميز بالقدسية والجلال كونه ينتسب الى ارض كربلاء المطهرة بدم الحسين وصحبه وذويه من
أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) و تعظيم الشعائر الحسينية