• عدد المراجعات :
  • 1273
  • 4/26/2006
  • تاريخ :

المثل الرابع : الكفار و احوالهم

الكفار و احوالهم

يقول الله في الآية 171 من سورة البقرة: ( وَمَثَلُ الّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إلاّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) .

العقبة الكبري امام دعوة الانبياء هو التقليد الأعمي

إنّ تقليد الآباء والاسلاف كان مانعاً مهما ومتواصلا امام دعوة الأنبياء. عندما كان الانبياء يدعون اممهم للتوحيد والدين كانوا يسمعون الجواب التالي: ( بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَائَنا )، (1)

وفي الحقيقة، إنَّ سبب رد دعوة الانبياء هو عبادة الاصنام من قبل الاسلاف، والتقليد الأعمي للمعاصرين والأنبياء. وعندما دعي

رسول الإسلام(صلي الله عليه وآله) الناس إلي الإسلام وعبادة الله الواحد كان رد فعلهم هو التعجب مما يدعو اليه الرسول من عقائد مخالفة لسننهم وتقاليدهم وكان وتبريرهم لرد دعوته هو اتباعهم لما كان عليه اسلافهم من عبادة اصنام كانوا يصنعونها بايديهم من التمر، ويأكلونها عند شعورهم بالجوع.

يقول الله في هذا المجال حكاية عن لسان الكافرين: ( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهاً واحداً إنّ هَذَا لَشَيءٌ عُجَابٌ )،(2)

جاء في بعض كتب التاريخ أنّ أبا طالب (رضي الله عنه) مرض يوماً وكان محمد ابن أخيه منشغلا بالتبليغ خارج البيت فاتي اشراف قريش ابا طالب بحجة العيادة له وقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا وقد أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن اخيك فانه سفّه احلامنا وشتم الهتنا.

فدعا ابو طالب رسول الله(صلي الله عليه وآله) وقال: يا بن أخي ! هؤلاء قومك يسألونك فقال: «ماذا يسألونني»؟ قالوا: دعنا وآلهتنا ندعك وإلهك. فقال(صلي الله عليه وآله): «اتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب والعجم»؟ فقال ابو جهل: لله أبوك نعطيك ذلك عشر أمثالها. فقال: «قولوا لا إله الا الله». فقاموا وقالوا: أجعل الالهة الهاً واحداً،(3)

وهو يدعوهم للتوحيد في عبارته الأخيرة.

الشرح والتفسير

شُبِّه الكفار في هذا المثل القرآني بالحيوانات; ولاجل تبرير هذا التمثيل اكد علي تقليدهم التام والأعمي لأسلافهم.

يقول الله في الآية 170 من سورة البقرة: ( وَإذَا قِيْلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا ألفَيْنَا عَلَيْهِ آبائَنا أوَلَو كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) .

وكأنّه يَقول: يا جهّال! هل أنَّ اتباعكم للاسلاف الذين لا يعقلون شيئاً اتّباع عن بصيرة؟! ثم يمثل الرسول (عندما يقرأ الايات علي هذا القوم المشرك) بالراعي الذي ينادي رعيته بالاصوات لتوجيه حركتها، إلاّ أنَّ هذه البهائم لا تعقل من كلامه شيئاً إلاَّ الأصوات التي تتأثر بها، فاذا كانت اصوات الراعي شديدة وذات ايقاع قوي اثرت في البهائم وإلاّ فلا. إنّ مثل المشركين كمثل هذه البهائم لا تفهم ما تقرأه عليهم من المعاني والمفاهيم الرفيعة لكنهم يفهمون الأصوات وموسيقي كلامك فحسب لذا يستمرون في تقليدهم الأعمي للاسلاف. 

خطابات الآية

الاول: إن الآية جواب لائق للسؤال التالي: إذا كان القرآن المجيد وحياً الهياً فينبغي أن ينفذ في القلوب ويترك اثره فيها، فلماذا لا نشاهد هذا الامر في بعض المشركين الذين ظلّت قلوبهم نائمة دون يقظة إلي اخر عمرها؟

إنَّ التأثير علي أي شيء يستدعي وجود عاملين:

1- فاعلية الفاعل.

2- قابلية القابل.

ومما لا شك فيه أنَّ القرآن فاعل وذات تأثير ونفوذ، إلاّ أنَّ الكافرين ليست لهم القابلية لاستقبال مفاهيم القرآن واستقطابها. لا خلاف في لطافة طبع الغيث لكنه إذا هبط علي الحجر فانا لا نتوقع منه انبات الشجر; وذلك لان الحجر ليست له قابلية علي تنمية البذور، وكذلك هو شأن الكافرين. فإنَّ كلام الله بروعة قطرات المطر وقلوب الكافرين بقسوة وشدة الحجر ولا تؤثر هذه القطرات اللطيفة في الحجر، لكن بمجرد أن تحصل ادني قابلية لهذه الأحجار علي الانبات نري الغيث يؤثر فيها. وقلوب الكافرين المتحجرة إذا تبلورت فيها أي قابلية علي التأثر كان كلام الله نافذاً فيها وتاركاً اثره.

وعلي هذا فتأثير المؤثر غير كافية بل قابلية القابل مهمة أيضاً، والكافرين ما كانت لهم تلك القابلية.

الثاني: افادة الناس من المعارف القرآنية يتوقف علي مستوي لياقتهم وقدرتهم علي الافادة.

القرآن حديقة يستطيع أنْ يتمتع بها كل شخص بمستوي ذوقه، أو هو ينبوع من الماء الزلال يستطيع كل واحد أنْ ينهل منه ماء الحياة ويروي عطشه. والاختلاف بين الجميع في مقدار ما ينهلون منه.

إنّ هؤلاء الكفار لا هم يملكون الاناء للنهل من هذا الينبوع، ولا هم قادرون علي تجرع الفيض والرحمة الالهية; وذلك لأنّ تقليدهم الأعمي لدين آبائهم يمنعهم من النهل من زلال المعرفة الربانية.

وبتعبير آخر: إنَّ اتباعهم لدين آبائهم ضرب حجاباً ضخماً علي وسائل معرفتهم حال دون سمعهم أو ابصارهم أو نطقهم فاصبحوا عمياً بكماً صماً لا يفقهون شيئاً.

وقد فسرت الآية المذكورة بشكل آخر، هو: أيُّها المشركين! إنَّكم تركعون لاصنام تعبدونها وتناجونها وهي لا تسمع حاجاتكم ولا تري اعمالكم ولا تستطيع النطق والكلام معكم، فهي بكم وعمي وصم كالبهائم. أيُّها الإنسان! إنَّك قد كسرت شخصيتك بنفسك من خلال العبادة والخضوع لهذه الاصنام الجامدة.

بما أنَّ ضمير (هم) في (فهم) والضمير الذي في (لا يعقلون) يشيران إلي العقلاء لذا كان التفسير الاول اقرب للمنطق والعقل.

علي أي حال، فإنَّ الخطاب الرئيسي للاية هو رفض التقليد الاعمي للاسلاف والآباء.

------------------------------------------------------------------------------

الهوامش

1. لقمان: 21، كما جاء هذا المعني في آيات اُخري من القران، منها: المائدة: 104، الأعراف: 28، يونس: 78، الأنبياء: 53، الشعراء: 74، الزخرف: 22 و 23.

2. سورة ص: الآية 5.

3. مجمع البيان 8: 343 طبع مؤسسة الاعلمي بيروت.


المثل الأول: المنافقون

المثل الثاني: تمثيل آخر للمنافقين

المثل الثالث: قسوة القلب

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)