• عدد المراجعات :
  • 2101
  • 10/30/2005
  • تاريخ :

في رحاب يوم القدس العالمي

في رحاب يوم القدس العالمي

القدس، عنوان الصراع المحتدم في الشرق الاوسط، وسيظل كذلك الي حين، فهي مهبط الرسالات وملتقي الاديان، وبدلا من ان تكون موضع ائتلاف اتباع تلك الديانات، حولها المحتلون الي بؤرة خلاف واختلاف، ليس بين الفلسطينيين والاسرائيليين، بل بين اتباع الاديان الثلاثة الكبري، وذلك بسبب فرض الهيمنة الصهيونية عليها.

وفيما اكتفي المسلمون بشعور الانتماء المجرد من الخطط والاجراءات العملية، ثمة جهات تعمل في السر والعلن لتحقيق هدف واحد: بناء الهيكل الثالث مكان الحرم الشريف. فبالاضافة الي الصهاينة اليهود، هناك فئة اخري قلما تسلط الاضواء عليها، وتعرف باسم المسيحيين الصهاينة ، تعمل منذ اكثر من مائة عام، ولها وجودها القوي في الولايات المتحدة الامريكية. ووفقا لما يقوله الدكتور العراقي، جعفر هادي حسن، المتخصص في الشؤون العبرية والدراسات اليهودية، فان هذه الفئة تختلف عن المحافظين الجدد الذين يهيمنون علي السياسة الخارجية الامريكية منذ وصول الرئيس الحالي، الي الرئاسة، فالمنطلق يختلف وإن كانوا يتفقون في كثير من الأهداف. هذه الفئة تستمد جذورها من اطروحات جون نيلسون داربي (1800 ـ 1882) وهو رجل دين بريطاني من اصل ايرلندي، الذي روج لفكرة جمع اليهود في فلسطين، لتحقيق نبوءة تاريخية تقول ان من شروط ظهور المسيح تجمع اليهود في فلسطين (أرض الميعاد). فهؤلاء مسيحيون اصوليون (بروتستانت)، أصدروا في الربع الأول من القرن الماضي مجموعة كتيبات مشهورة بعنوان الاصول ووزعوا خمسة ملايين نسخة منه، بعد ان راجت افكار داربي وأثرت علي عدد من القساوسة اشهرهم ويليام بلاكستون (1851 ـ 1931). هذا الشخص كرس حياته لنقل اليهود الي فلسطين، منذ ان اصبح متدينا في مدينة آدمز بالولايات المتحدة، وهو في السابعة عشرة من عمره. وفي الثمانينات من القرن التاسع عشر عقد بلاكستون مؤتمرا بعنوان: ارجاع اليهود الي فلسطين حضره عدد كبير من القساوسة والمبشرين من اليهود والمسيحيين، أثروا لاحقا علي ويليام ماكنلي الذي اصبح رئيسا للولايات المتحدة (1897 ـ 1901). وبعد المؤتمر أعد بلاكستون عريضة عنوانها ضرورة ارجاع اليهود الي فلسطين وقعها عدد من المسيحيين واليهود وقدمها الي الرئيس الامريكي بنجامين هاريسون (1889 ـ 1893). وكتب كتابا عنوانه مجيء عيسي ترجم الي عدة لغات. ويقدر عدد المسيحيين الصهاينة بما يصل الي خمسين مليونا في الولايات المتحدة، ولهم تأثيرهم علي الرأي العام خصوصا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. ويختلف هؤلاء عن المحافظين الجدد ذوي النفوذ حاليا علي السياسة الخارجية الامريكية، باجندتهم المرتبطة بفلسطين، بينما المحافظون الجدد لهم اجندتهم الامريكية في اساسها.

في رحاب يوم القدس العالمي

في 1895 ظهرت الصهيونية اليهودية بقوة وكانت هناك خيارات مطروحة لليهود من بينها اوغندا. هرتزل نفسه وافق علي ان يقطن اليهود اوغندا. ولكن بلاكستون ارسل نسخة من التوراة وأشار الي كل العبارات التي تتحدث عن إسكان اليهود في فلسطين. وقد احتفظت اسرائيل بهذه النسخة في متحف بتل ابيب. بلاكستون كان علي علاقة وطيدة برئيس المنظمة الصهيونية في الولايات المتحدة الذي قال في مؤتمر يهودي عقد في بداية القرن الماضي بأن بلاكستون هو رجل الصهيونية وليس هرتزل وعندما توفي ترك امواله للصهيونية. ويقال ان الرئيس نيلسون عندما وافق علي وعد بلفور كان متأثرا بعريضة بلاكستون. تتميز نظرية المسيحيين الصهاينة باللامبالاة ازاء الفساد والدمار المنتشر في العالم، هذه الخلفية تفسر الاصرار الصهيوني، المدعوم امريكيا، علي استمرار احتلال فلسطين، والرفض المطلق للتخلي عن القدس. وما السياسة الامريكية في هذه القضية الا انعكاس للعمل المتواصل من قبل تلك الفئات للتأثير علي السياسة الخارجية لواشنطن، وهي سياسة اصبحت مسايرة بشكل شبه كامل للارادة الاسرائيلية. وقد أدت الضغوط الامريكية في العقدين الاخيرين علي الفلسطينيين والحكومات العربية للتخلي التدريجي عن خيار النضال ضد الاحتلال، والغاء مقاطعته، وهي ظاهرة محزنة حقا، ومؤشر للضعف الآخذ في الاستشراء في جسد الامة. فالاحتلال الاسرائيلي لم يغير شيئا من اساليبه في تكريس الاحتلال وقمع من يقاومه بشتي الاساليب

انسحبت قوات الاحتلال الاسرائيلية من قطاع غزة، ولكن بقي الاحتلال في بقية ارض فلسطين، وما تزال الضفة الغربية ترزح تحت ذلك الاحتلال البغيض. وما تزال مدينة القدس مرتهنة بأيدي المحتلين، بعد ان مضي اكثر من 37 عاما علي احتلالها في حرب النكبة 1967. الذين عاصروا تلك الحرب يتألمون لاوضاع الامة وما انتابها من خور وضعف، وكيف فشلت الدول العربية في توحيد صفوفها وشحذ هممها لمواجهة العدوان وانهاء الاحتلال في تلك الحرب التي حسمت منذ ساعاتها الاولي، وأدت الي توسع الاحتلال ليشمل الضفة الغربية وقطاع غزة. مدينة القدس هذه، التي حكمها المسلمون وفتحوا ابوابها لأصحاب الديانات الاخري بدون عصبية او بغضاء للزيارة والعبادة، ما تزال اليوم مرتهنة بأيدي قوات الاحتلال الاسرائيلية، وما تزال تستنهض المسلمين وتستحثهم لانقاذها من براثن العدوان الصهيوني. لقد قيل الكثير في حق تلك المدينة المقدسة، وألفت الكتب حول تاريخها. كما تعددت الاطروحات بشأن مستقبلها، ما بين المطالبة بالتحرير الكامل ووضعها تحت اشراف دولي وتقسيمها بين الفلسطينيين والمحتلين. كما اختلفت مواقف الدول الاخري بشأن هذه المدينة المقدسة لدي أتباع الديانات الثلاث، ما بين رافض الاعتراف بالهيمنة الصهيونية عليها، والساكت علي ذلك، والداعم للاحتلال بالاشارة المتكررة لنقل سفارته اليها. اما سكانها فمنقسمون ايضا، بين من يشعر بالعدوان والظلامة علي ايدي قوات الاحتلال الاسرائيلية، والمطالبين باخلائها من سكانها الفلسطينيين لتبقي خالصة لليهود. بل ان القدس اصبحت اليوم وسيلة لتمرير اساليب التطبيع مع قوات الاحتلال، اذ يتظاهر البعض بزيارتها كمهمة دينية لكي يزور الاراضي المحتلة الواقعة تحت الهيمنة الاسرائيلية ويلتقي بالصهاينة. اذن فهي مدينة ليست كالمدن الاخري، وقضيتها تتقاطع مع القضية الفلسطينية ولكن لها شأنا خاصا، ومعادلة أكثر تعقيدا. فقداستها تجعلها متميزة في كل شيء، فهي مهبط الاديان، وموطن الانبياء ومعراج الرسول الاكرم عليه افضل الصلاة والسلام الي السماء

موقف المسلمين من تلك المدينة المقدسة ثابت لا يتغير، فالقدس عنوان عريض للتاريخ الديني للعالم، وقد اختصرت قضية فلسطين في هذه المدينة، وما يزال هناك اجماع عربي ـ اسلامي علي عدم التفريط بها، وعدم السماح لقوات الاحتلال بمصادرتها او تشطيرها الي قسمين: شرقي وغربي، وهو الامر الذي حدث بعد حرب 1967، وتسعي اسرائيل لوضع يدها بالكامل عليها في اية تسوية سلمية مع الفلسطينيين. وقد التزم علماء المسلمين وقياداتهم حتي الآن بتحريم التنازل عن المدينة، واصروا علي تحريرها من الاحتلال الاسرائيلي، لكي يستطيع كافة اتباع الديانات الارتباط بها وبما تحتويه من مقدسات دينية. وبمناسبة يوم القدس العالمي الذي اعلنه الامام الخميني رحمه الله بعد بضعة شهور من انتصار الثورة يتوقع خروج مسيرات كثيرة في العواصم الاسلامية والعالمية للمطالبة بتحرير المدينة المقدسة. ففي خطابه في 7 اغسطس 1979 تطرق للقدس قائلا: انني اطلب من جميع مسلمي العالم والحكومات الاسلامية رص الصفوف لقطع يد هذا الغاصب واعوانه. واناشد المسلمين تخصيص آخر جمعة في شهر رمضان يوما عالميا للقدس . وفي خطاب آخر اعتبر اسرائيل غدة سرطانية في جسد العالم الاسلامي وطالب بازالتها. وفي الاسبوع الماضي قال مرشد الثورة الاسلامية في ايران، آية الله السيد علي خامنئي ان اليوم العالمي للقدس هو يوم الامتحان العظيم للشعوب الاسلاميه مؤكدا ان المسلمين سيقولون كلمتهم في هذا اليوم. وأضاف ان يوم القدس العالمي لهذا العام يكتسي اهمية كبري وذلك بسبب ما أسماه الاندحار الصهيوني من قطاع غزة وكذلك المؤامره التي يحيكها الامريكيون والصهاينة وبعض حلفائهم للتعويض عن هذه الهزيمة. واكد ان المحاولات الجارية بين بعض دول المنطقة لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهوني عمل شنيع لا يجب ان ترضخ له الدول الاسلامية ولا يجب ان تظهر ودا لارضاء امريكا الداعمة لهذا الكيان الغادر والغاصب والظالم الذي يشكل خطرا يتهدد جميع شعوب ودول المنطقة . هذه الكلمات تعكس عمق قضية القدس لدي علماء الدين في ايران الذين يعتبرونها قضية مبدئية لا تخضع للمساومة او التنازل. ويكشف هذا الموقف مدي عمق القضية في الوجدان الاسلامي عموما، وبشكل خاص لدي قادة ايران التي كانت قبل سقوط نظام الشاه، معقلا من معاقل الهيمنة الامريكية والاسرائيلية في المنطقة.

وثمة خشية كبيرة من اخضاع مدينة القدس للمزايدات والمساومات السياسية في الفترة المقبلة، خصوصا مع الرغبة الامريكية في تحقيق سلام دائم بين العرب وقوات الاحتلال الاسرائيلية، والاعداد المتواصل لتهيئة ارضية سياسية وثقافية مناسبة في المنطقة لاحتضان اسرائيل كدولة شرق اوسطية تمارس موقعا متقدما في صنع سياساته وتؤثر علي تحالفاته وتساهم في تحديد اولوياته. ظاهرة التطبيع هذه من شأنها ان تؤدي الي واحد من مسارين: فاما القبول المطلق بمسار التسوية والتطبيع، وفي ذلك بداية المشاكل وليس نهايتها، او اثارة الرأي العام الرافض لذلك التطبيع، وفي ذلك مدخل محتمل للمزيد من التوتر السياسي والاجتماعي الذي قد يؤدي الي تغيرات في توازن القوي لغير صالح امريكا و اسرائيل . وبذلك قد تشهد المنطقة تغيرا جوهريا في الميزان السياسي الاقليمي لغير صالح قوات الاحتلال وداعميها الامريكيين. ان يوم القدس علامة فارقة في تاريخ الازمة، بعد ان اصبح علامة فارقة في المسيرة الطويلة من اجل التحرير والاستقلال، ويجدر بالعرب والمسلمين ان يعبروا فيه عن موقف مبدئي صلب، واصرار علي انهاء الاحتلال، ووقف التطبيع معه، وعدم فتح جبهات اخري لصرف الانظار عن المخطط الصهيوني للتوسع والهيمنة.

د. سعيد الشهابي

القضية الفلسطينية في كلمات الإمام الخميني( قدس سره)

يوم القدس العالمي وتحديد مستقبل الأمة

مدخل الى القضية الفلسطينية

الحُلولُ الإسلاميَّةُ للقضية الفلسطينية

جغرافية فلسطين

من القدس الى لبنان .. مقاومة لا تموت

 المسجد الاقصىالمبارک

البوم الصور،مسجد الاقصي

اناشيد حماسية

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)