ليلة القدر
( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَة الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيَها بِإِذْنِ رَبّـِهم مِّن كُلِّ أَمْر * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) ، صدق الله العلي العظيم
- القدر في اللغة: كون الشيء مساوياً لغيره من غير زيادة ولا نقصان . وقدّر الله هذا الامر بقدره قدراً: إذ جعله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة.
- والشهر في الشرع: المدّة بين هلالين من الأيام، وسمي شهراً لاشتهاره بالهلال، وقد يكون الشهر ثلاثين يوماً أو تسعة وعشرين ـ مجمع البيان: 9 ـ 10 / 785.
أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ـ أو إلى البيت المعمور في السماء الدنيا ـ في ليلة القدر ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) سورة الدخان: آية 3 ـ وهي ليلة القدر. ثم كان جبرئيل ( عليه السلام ) ينزله على النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نجوماً بأمر الله، وكان نزوله من أوله إلى آخره في ثلاث وعشرين سنة.
ويجب أن يتبادر إلى الذهن أنه ليس ابتداء نزول القرآن في ليلة القدر، ولا إنزال بعض الآيات القرآنية في ليلة القدر، لأنه لو كان كذلك، فهو ينزل أيضاً في بقية الأيام والليالي، فما فضل هذه الليلة على سواها؟!!. ولا نزول سورة القدر في هذه الليلة ـ أي ليلة القدر ـ لقوله عزّوجل ( إنا انزلناه ) فضمير أنزلناه يعني القرآن، وليس سورة منه ولا بعض منه.
إذن وجب أن يكون نزول القرآن جملة واحدة في ليلة مباركة ـ من اللوح المحفوظ إلى السماء ـ وهي ليلة القدر. ومن ثم نزل نجوماً على النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
معنى ليلة القدر:
سميت ليلة القدر، لأنها الليلة التي يحكم الله فيها، ويقضي بما يكون في السنة بأجمعها إلى مثلها من السنة القادمة، من: حياة وموت، وخير وشر، وسعادة وشقاء، ورزق وولادة ...الخ. ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: ( فيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك ) ، (سورة الدخان: آية 6) .
ففرق الأمر الحكيم يعني إحكام الأمر الواقع بخصوصياته التقديرية وإمضاءه في تلك الليلة رحمة من الله سبحانه وتعالى إلى عباده.
- وقيل القدر: بمعنى المنزلة، وسميت ليلة القدر لأهميتها ومنزلتها، ولأهميّة ومنزلة المتعبّـدين والذاكرين الله فيها. فاحياؤها بالعبادة، والعمل الصالح فيها من صلاة وزكاة وأنواع الخير، خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. ولولا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا، ولكن الله يضاعف لهم الحسنات رحمة منه سبحانه وتعالى.
قال ابن عمير، عن الإمام أبي عبد الله ( عليه السلام ): « ... العمل فيها خير من العمل فى ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ».
وجاء في الميزان: 20 / 334: سُئل الإمام الباقر ( عليه السلام ) عن قول الله عزّوجل: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) قال: « نعم: ليلة القدر، وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الاواخر، فلم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر، قال الله عزّوجل: ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) ».
تعيين ليلة القدر:
لم يعين القرآن الكريم أيّة ليلة هي، سوى أنها في شهر رمضان، وقد اعتمد في تعينها من الاخبار، والروايات، فعن حسّان بن أبي علي، قال: سألت الإمام ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن ليلة القدر، قال: « أطلبها في تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين » الميزان في تفسير القرآن: 20 / 333.
وقد اتفقت أخبار أهل البيت ( عليهم السلام ) أنها باقية متكررة كل سنة. وأنها من شهر رمضان، وإنها إحدى الليالي الثلاث. ولذلك دأب الشيعة على تسمية الليالي الثلاث بليالي القدر.
وعن زرارة، قال: سألت الإمام الباقر ( عليه السلام ) عن ليلة القدر، قال: « في ليلتين، ليلة ثلاث وعشرين وإحدى وعشرين. فقلت إفرد لي أحدها. فقال: وما عليك أن تعمل في ليلتين هي إحداهما » مجمع البيان: 9 - 10 / 787.
والمستفاد من مجمل الروايات انها ليلة ثلاث وعشرين ـ على الاكثر ـ.
ولم يعيّن وقتها بالذات كي لا يستهان بها بارتكاب المعاصي، وليجتهد الناس في العبادة ويحيوا جميع ليالي شهر رمضان ـ شهر الطاعة ـ طمعاً في إدراكها، كما أخفى الله سبحانه وتعالى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس، وساعة الاجابة في ساعات الجمعة، وغيرها.
ومن صفات ليلة القدر: أنها ليلة يطيب ريحها، وإن كانت في برد دفئت وإن كانت في حرّ بردت، تطلع الشمس في صبيحتها ليس لها شعاع.
فضل سورة القدر:
1ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام ) ، قال :‹‹ من قرأ انا انزلناه في فريضة من الفرائض نادى منادٍ ياعبد الله قد غفر لك ما مضى، فاستأنف العمل ›› ـ مجمع البيان : 9ـ10/ 784 .
2ـ عن الامام الباقر (عليه السلام) ، قال:‹‹ من قرأ انا انزلناه فجهر بها صوته كان كشاهر سيفه في سبيل الله ، ومن قرأها سراً مرّات ، محا الله عنه الف ذنب من ذنوبه ›› ـ تفسير الصافي/ 353:5 .
فضل ليلة القدر:
يستحب فيها الغسل، والعبادة، والدعاء، وزيارة الحسين ( عليه السلام )، والتخضّع لله حتى يضيء فجرها، ومن فضلها:
1 ـ من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله ما تقدّم من ذنبه.
2 ـ إن الشيطان يخنس في هذه الليلة ولا يخرج حتى يضيء فجرها.
3 ـ لا يستطيع فيها على أحد بخبل أو داء أو ظرب من ظروب الفساد، ولا ينفذ فيها سحر ساحر. بل تتنزل فيها النعم والخير والبركة والاحسان للمؤمنين الذاكرين الله بشتى أنواع الذكر حيث يضاعف الله سبحانه لهم الحسنات والخيرات رحمة منه على عباده، فهي ليلة سلام حتى مطلع الفجر.
4 ـ تتنزل الملائكة والروح ( يعني جبرئيل ) فيها إلى الأرض ليسمعوا الثناء على الله سبحانه، وقراءة القرآن والدعاء وغيرها من الاذكار، وليسلموا على المؤمنين العابدين الزاهدين التالين لكتاب الله بإذن الله سبحانه ـ أي بأمره ـ فهي سلام على أولياء الله وأهل طاعته، فكلما لقيتهم الملائكة في هذه الليلة سلّموا عليهم.