الوراثة في المکونات التربويه للامام الحسين ( ع )
التربية النبوية للامام الحسين (ع)
المربي الاول للامام الحسين (ع)
اعتناء فاطمة الزهراء (ع) بتربية الامام الحسين (ع)
و توفرت في سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) ، و ريحانته ، الإمام الحسين (عليه السلام)، جميع العناصر التربوية الفذة ، التي لم يظفر بها غيره ، فأخذ بجوهرها ، و لبابها ، و قد أعدته لقيادة الأمة، و تحمل رسالة الإسلام بجميع أبعادها و مكوناتها، كما أمدته بقوى روحية لاحد لها من الإيمان العميق بالله، و الخلود إلى الصبر على ما انتابه من المحن و الخطوب ، التي لا يطيقها أي كائن حي من بني الإنسان. أما الطاقات التربوية التي ظفر بها ، و عملت على تقويمة ، و تزويدة بأضخم الثروات الفكرية و الإصلاحية فهي:
الوراثة
حددت الوراثة ، بانها مشابهة الفرع لأصله، و لا تقتصر على المشابهة في المظاهر الشكلية ، و إنما تشمل الخواص الذاتية، و المقومات الطبيعية، كما نص على ذلك علماء الوراثة ، و قالوا ، أن ذلك أمر بيّنُ في جميع الكائنات الحية ، فبذور القطن تخرج القطن ، و بذور الزهرة تخرج الزهرة ، و هكذا غيرها ، فالفرع يحاكي أصله ، و يساويه في خواصه، و أدق صفاته ،
يقول ( مندل ): ( أن كثيراً من الصفات الوراثية ، تنتقل بدون تجزئة ، أو تغير من أحد الأصلين أو منهما إلى الفرع ).
و أكد هذه الظاهرة (
هكسلي ) بقوله: ( إنه ما أثر أو خاصة لكائن عضوي ، إلا و يرجع إلى الوراثة أو إلى البيئة ، فالتكوين الوراثي ، يضع الحدود لما هو محتمل، و البيئة تقرر أن هذا الإحتمال سيتحقق ، فالتكوين الوراثي ، إذن ليس إلا القدرة على التفاعل مع أية بيئة بطريق خاص..).
و معنى ذلك أن جميع الآثار و الخواص ، التي تبدو في الأجهزة الحساسة من جسم الإنسان ، ترجع إلى العوامل الوراثية و قوانينها، و البيئة تقرر وقوع تلك المميزات ، و ظهورها في الخارج ، فاذن ليست البيئة إلا عاملاً مساعداً للوراثة ، حسب البحوث التجريبية ، التي قام بها الاختصاصيون في بحوث الوراثة.
و على أي حال فقد أكد علماء الوراثة بدون تردد ، أن الأبناء و الأحفاد ، يرثون معظم صفات آبائهم و أجدادهم النفسية و الجسمية، و هي تنتقل إليهم بغير ارادة و لا اختيار،
و قد جاء هذا المعنى صريحاً فيما كتبه الدكتور (الكسيس كارل) عن الوراثة بقوله: ( يمتد الزمن ، مثلما يمتد في الفرع إلى ما وراء حدوده الجسمية.. ، و حدوده الزمنية ، ليست أكثر دقة ، و لا ثباتاً من حدوده الاتساعية، فهو مرتبط بالماضي و المستقبل، على الرغم من أن ذاته لا تمتد خارج الحاضر.. ، و تأتي فرديتنا كما نعلم إلى الوجود ، حينما يدخل الحويمن في البويضة. ولكن عناصر الذات تكون موجودة قبل هذه اللحظة و مبعثرة في أنسجة أبوينا و أجدادنا و أسلافنا البعيدين جداً ، لأنا مصنوعون من مواد آبائنا و أمهاتنا الخلوية. و تتوقف في الماضي على حالة عضوية لا تتحلل... ، و تحمل في أنفسنا قطعاً ضئيلة لاعداد من أجسام أسلافنا ، و ما صفاتنا و نقائصنا إلا امتداد لنقائصهم وصفاتهم..)، (1).
و قد أكتشف الإسلام - قبل غيره - هذه الظاهرة ، و دلل على فعالياتها ، في التكوين النفسي و التربوي للفرد، و قد حث باصرار بالغ على أن تقوم الرابطة الزوجية على أساس وثيق من الاختبار وا لفحص عن سلوك الزوجين، و سلامتهما النفسية و الخلقية من العيوب و النقص، ففي الحديث : ( تخيروا لنطفتكم ، فان العرق دساس ) ،
و أشار القرآن الكريم إلى ما تنقله الوراثة من أدق الصفات ، قال تعالى حكاية عن نبيه نوح: (رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراُ. إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً) ، (2).
فالآية دلت بوضوح على انتقال الكفر و الإلحاد بالوراثة من الآباء إلى الأبناء ، و قد حفلت موسوعات الحديث بكوكبة كبيرة من الأخبار ، التي أثرت عن أئمة أهل البيت (عليه السلام) ، و هي تدلل على واقع الوراثة وق وانينها و مالها من الأهمية البالغة في سلوك الإنسان ، و تقّويم كيانه على ضوء هذه الظاهرة ، التي لا تشذ في عطائها نجزم ، بأن سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) قد ورث من جده الرسول (صلى الله عليه وآله) صفاته الخلقية و النفسية، و مكوناته الروحية ، التي امتاز بها على سائر النبيين ، و قد حدد كثير من الروايات مدى ما ورثه ، هو و أخوه الإمام الحسن من الصفات الجسمية من جدهما النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقد جاء عن علي (عليه السلام) أنه قال: ( من سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بين عنقه و شعره ، فلينظر إلى الحسن، و من سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) مابين عنقه الى كعبه خلقا ، و لونا فلينظر الى الحسين) ، (3) ، و في رواية أنه كان أشبه النبي ما بين سرته إلى قدمه، (4) ، و كما ورث هذه الظاهرة من جده فقد ورث منه مثله و سائر نزعاته و صفاته.
الهوامش:
1 -النظام التربوي في الإسلام ص 61 - 62.
2-المعجم الكبير للطبراني مخطوط بخط العلامة السيد عزيز الطباطبائي اليزدي.
3 -المعجم الكبير للطبراني مخطوط بخط العلامة السيد عزيز الطباطبائي اليزدي.
4 -المنمق في أخبار قريش ص 499.