أحداث الملحمة
في العاشر من محرم سنة 61 هـ جرت في أرض الطف دماء زكية أنارت لنا مشعل الحرية ، و هذه الدماء قد أفجعت قلوب المسلمين لأن الدم الذي جرى ، هو دم النبي صلى عليه وآله وسلم و الطاهـرة الزكيـة فاطمة عليها السلام و الإمام علي عليه السلام و دم الأنبيـاء الذي أفجعهم مقتل الحسين عليه السلام و أهـل بيتـه و صحبه .
فماذا جرى في كربلاء
يقول مؤرخو الطف و أرباب المقاتل ، أصبح الحسين (ع) صبيحة يوم العاشر ، فصلى بأصحابه صلاة الصبح ، ثم خطب فيهم حامداً لله ، و مثني عليه ثم قال : « إن الله أذن في قتلكم ، و قتلي في هذا اليوم ، فعليكم بالصبر و القتال ، ثم صفهم للحرب ، و كانوا 77 ما بين فارس و راجل ، فجعل
زهير بن القين بالميمنة ، و
حبيب بن مظاهر بالميسرة ، و أعطى رايته لأخيه
العبـاس ، و ثبت هو عليه السلام ، و أهل بيته في القلب ، ثم أقبل عمر بن سعد نحو الحسين في ثلاثين ألف ، و لما رأى الحسين عليه السلام جمعهم كأنه السيل دعا الله قائلاً ،
اللهم أنت ثقتي في كل كرب ، و رجائي في كل شدة ، و أنت لي في كل أمر نزل بي ثقةً و عـدة كم من هم يضعف فيه الفؤاد ، و تقل فيه الحيلة ، و يخذل فيه الصديق ، و يشمت فيه العدو أنزلته بك ، و شكوته إليك رغبةً مني إليك عمن سواك ، فكشفته ، و فرجته فأنت ولي كل نعمة ، و منتهى كل رغبة » .
ثم دعى براحلته ، و خطب فيهم خطبته الأولى ، ثم أخذ القوم يزحفون على الحسين ، فخرج إليهم زهيـر بن القين على فرس ذنوب ، و خطب فيهم ، ثم خـرج برير بن خضير و استأذن الحسين في أن يكلم القوم ، فرموه بالأسهم ، حتى تقهقر ، ثم ركب الحسين فرسه ، و أخذ مصحفاً و نشره على رأسه ، و خطب خطبته الثانية ، فلم يستجيبوا لـه ، عندها ابتدأت المعركة ، فتقدم عمر بن سعد نحو معسكر الحسين و رمى بسهم و قال : اشهدوا لي عند الأميـر أني أول من رمى ، ثم رمى القوم فحملوا أصحاب عمر بن سعد ، و حمل أصحاب الإمام الحسين (ع) و ما هي إلا ساعة ، حتى انجلى غبار المعركـة ، و إذا بخمسين صريعـاً من أصحاب الحسين (ع) ، و كانت تلك الحملة الأولى قبل الظهر بساعة .
ثم أخذ أصحـاب الحسين بعد أن قـل عددهم ، و بان النقص فيهم يبرز الرجل بعد الآخـر ، فأكثروا القتل في أهـل الكوفـة فقال لهم عمر بن الحجاج : ويلكم إنكم تقاتلون فرسان المصر و قوم مستميتين ، فاحملوا عليهم من كل جهة ، فحمل عمر بن الحجاج على ميمنة الحسين ، و حمل الشمر على ميسرة الحسين ، فعادوا متقهقرين ، ثم برز للأعـداء حبيب بن مظاهـر ، فقاتلهم قتالا شديدا ، تطايرت فيه الررؤوس ، حتى قتل فوقف عند رأسـه الحسين (ع) ، و قال : ( عند الله أحتسب قتل حماة أصحابي ) ، ثم برز الحـر بن يزيد الرياحي ، فقاتل قتال المستميتين فقتل رضوان الله عليه ، و برز زهيـر بن القين ، و كان شجاعاً شريفاً معروفاً في قومه ، فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه ، ثم قـام الحسين (ع) للصلاة و صلى صلاة الخوف بأصحابـه ، ثم رموا أصحاب عمر بن سعد أصحاب الحسين ، و عقروا خيولهم ، ثم برز الأصحاب واحد تلو الآخر ، و أخذوا يقاتلون ، و يقتلون حتى لم يبقى مع الحسين (ع) سوى أهل بيته .
فخرج إبنـه علي الأكبـر و كان أشبه النـاس برسول الله (ص) فقاتل حتى قتل ، و خرج بعده عبدالله بن مسلم بن عقيل فقاتل حتى قتل ، و بعدها حمل آل أبي طالب حملة واحـدة فقاتلوا قتال الأبطال حتى أثخنـوا القوم بالجراح ، فخرج القاسم إلى القتـال ، و كان صبيـًا لم يبلغ الحلم فقاتل حتى قتل غدراً ، ثم تقدم أخوة العباس ، فقاتلوا حتى قتلوا فلما رأى العبـاس عطش الأطفـال و انقطاع الناصـر استأذن الحسين (ع) ، فأذن له في جلب الماء فخـرج إلى المشـرعة ، و كان عليهـا أربعة آلاف فارس ، فكشفهم عن المشـرعة ، و ملأ القربـة ، و عاد ، و في الطريـق خرجوا إليه غدراً ، و قتلوه فهد مقتله أخاه الحسين (ع) ، و عندها استنصـر الإمام القوم ، فلم ينصره أحد ثم عـاد إلى المخيم ، و أخذ الطفل الرضيـع ، و أقبل نحو القوم طالبا منهم أن يسقوه ، فاختلف القوم فيما بينهم ، فأمر عمر بن سعد حرملة الأسدي أن يوقف خلاف القوم ، فرمى بسهم نبت في عنق الرضيـع ، فعاد الإمام الحسين (ع) إلى المخيم ، و أعطى الطفل القتيل إلى أختـه زينب (ع) ، و أمرهم بالصبـر و السكوت ، ثم إلتحف الإمام ببردة جده رسـول الله (ص) ، و لبس جبـة خز دكنـاء و عمامـة موردة ، و تقلد سيفه ، و خرج للميدان ..
فكانت الفاجعة ....
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...