الأطفال ودائع الله هدايةً ورعاية (1)
الطفل هواللبنة الأولى في المجتمع ... و كما أن البناء يحتاج إلى هندسة و موازنة ، و كما أن النواة تفتقر إلى التربة أو الظروف المناسبة، كذلك الطفل، فإنه يحتاج إلى هندسة و موازنة بين ميوله وطاقاته ، و يفتقر إلى تربة صالحة، ينشأ فيها و تصقل مواهبه !!
إنه عالم قائم بذاته ، يحمل كل سمات الحياة بصورة مصغرة ، في صخبها و أمنها، في سعادتها و شقائها ، في ذكائها و بلادتها ، في صفائها و حقدها ، في تفوقها و تأخرها ، في إيمانها و جحودها ، في حربها و سلمها ...
إن تعهد العقل و العاطفة بالتربية و التنمية ، يجب أن يبدأ من مرحلة الطفولة ، فمرحلة الطفولة، هي أحسن مراحل تعلم الأسلوب الصحيح في الحياة ، فقدرة الإقتباس و التقليد ، و حاسة التقبّل عند الطفل شديدة ، فباستطاعته أن يتلقى جميع حركاته و سكناته ، و أقواله و أفعاله .
و في الوقت الذي يتكامل جسد الطفل و ينمو ، يجب أن تسلك روحه في طريق التعالي و التكامل أيضاً ، و كما يعتنى بسلامة جسد الطفل ، يجب أن يعتنى بسلامة مشاعره و معنوياته ، حيث يجب تعويد الطفل على النظافة و الأدب والصدق و العطف و المسؤولية و حب الخير و الخ ، فمن الصعوبة بمكان تغيير سلوك الأشخاص، الذين لم يتعودوا في أيام طفولتهم على السلوك التربوي الصحيح .
إن أسعد الناس ، هم أولئك الذين نشأوا على التربية السليمة و الصفات العالية ، منذ حداثة السن حتى أصبحت جزءاً من كيانهم .
لذلك إن للآباء والأمهات دوراً مهماً في بناء سعادة الأطفال وحمل مسؤولية كبيرة على عواتقهم .
يقول الإمام علي (ع) لولده الحسن (ع) : "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته ، فبادرْ إبنكَ بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك " .
إنقلب الطفل صفحة بيضاء، لا يوجد فيها فكرة صحيحة أو خاطئة ، و الآباء والأمهات الشاعرون بالمسؤولية ،هم الذين يستغلون ذلك أقصى الإستغلال ،و يجعلون قلوب أطفالهم تتزيّن بالملكات الفاضلة و الأخلاق الحميدة .
إن عواطف الطفل و مشاعره ، تظهر قبل عقله ، و يمكن الإستفادة من أحاسيسه، قبل ذخائره العقلية بكثير .
إن الأطفال في جميع أنحاء العالم، يرسلون إلى المدارس بعد السنة الرابعة أو الخامسة من عمرهم و من ذلك الحين، تتفتح المواهب الفكرية للطفل ، في حين أن أحاسيسه و مشاعره، تبدأ بالنشاط قبل ذلك بزمن طويل .
ففي الوقت الذي لايفهم الطفلالمسائل العلمية و لا يدركها ، نجده يدرك القضايا العاطفية ، و هي بدورها تؤثر فيه ..
إن موضوع تنمية المشاعر و الأحاسيس ، يشغل قسطاً مهماً من المسائل التربوية ، و يقع عبء المسؤولية في أداء هذا الواجب على الأبوين ، فرياض الأطفال عاجزة عن أن تحل محل العائلة و الأم في إحياء جميع مشاعر الطفل الخفية بصورة لائقة و هداية الطفل إلى السير الطبيعي الذي فطر عليه .
وهنا يجدر القول، إن على الأهل أن يهتموا بأطفالهم و بسلامة تغذية الجسد والروح ، و هذا ما يجعل عبء مسؤولية الوالدين في المراحل الأولى للطفل ثقيل جداً ، لأن الغفلة عن صحة و سلامة الغذاء المادي و الروحي ، تؤدي إلى عوارض غير قابلة للتدارك ، فالطفل يكتمل بناؤه في الأعوام الأولى من حياته ، و لا بد من الإعتناء بجميع جوانبه المادية و المعنوية ..
لذا إن على الوالدين المسلمين ، أن يتنبها إلىالمسؤولية الدينية العظيمة عليهما في تربية أطفالهما ، و يعلما أن الأطفال ودائع الله في أيديهما .
لذا ليست المسؤولية العظمى للآباء في أن يجمعوا في حياتهم ثروة ضخمة و يورثوها إلى أولادهم، ذلك أن الولد إذا لم يحصل على تربية صحيحة ، فإن الثروة قد تجره إلى الفساد و الشقاء .
إن مسؤولية الوالد تعني ، أن يربي ابنه علىالملكات الفاضلة والقيم العليا و الإيمان بالله و إعداده لخوض معركة الحياة بنبل و طهارة ،لأن طفل كهذا يستطيع ، أن يحيا حياة سعيدة و عزيزة ، و في نفس الوقت يستطيع ، أن يكتسب ثروة كبيرة عن طريق مشروع .
يقول أمير المؤمنين علي (ع) : " خير ما ورث الآباء الأبناء الأدب " .
ومن نتائج تلك التربية ، أنهم يعيشون حياة مطمئنة ، محبوبون لدى الجميع ، فيجب أن يشكروا الله تعالى على تلك النعمة ، و يترحموا على والديهم ، و يحافظوا على الملكات الفاضلة، التي تربوا عليها ، فلا يفقدوها بمعاشرة الفساد و مجالسة الأشرار .
أما الأولاد الذين لم يتلقوا تربية صحيحة من آبائهم، فإن عليهم أن يبادروا إلى اصلاح أنفسهم ، ليكونوا واثقين من أنهم قادرون على تدارك تقصير والديهم بحقهم ، و ذلك بأن يتمسك هؤلاء الأفراد بالأساليب العلمية و الدينية الصحيحة ، و بذلك يستطيعون، أن يسلكوا الطريق إلى السعادة و الطهارة و العفة ...
من الأمور الفطرية عند الإنسان ، و التي يمكن أن تكون أساساً ثابتاً لتربية الطفل ، غريزة التفوق و حب الكمال .. إن الرغبة في الترقي والتعالي، تعتبر من فروع حب الذات المودع في فطرة كل إنسان ، و على المربي الواعي ،أن يستغل هذه الثروة النفسية ، و يقيم شطراً من الأساليب التربوية الصحيحة على هذا الأساس ، فيسوق الطفل إلى طريق الترقي و التعالي .
يقول الإمام الحسن (ع) : " أنه دعا بنيه وبني أخيه ، فقال : إنكم صغار قوم ، ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين ، فتعلموا العلم اليوم فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته ".
و في هذا الحديث، نجد أن الإمام الحسن (ع) ، لأجل أن يحث أبناءه وأ بناء أخيه على اكتساب العلوم، و يشجعهم على ذلك ، يستفيد من حب الذات و الترقي عندهم .. و هوأمر فطري ، من دون أن يتوسل إلى الزجر و الأساليب المخيفة ، و يفهمهم أن تحصيل العلم اليوم ،هو سبيل الوصول إلى العزة و العظمة في الغد .
إن الأسلوب المستعمل في هذا الحديث، يعد من أعظم الأساليب في مجال التربية و التعليم في العصر الحديث ، فكل أسرة ، تستطيع أن تشجع أبناءها على تحصيل العلوم بهذا الأسلوب ، و تدفعهم منذ البداية إلى التعالي و الترقي، فإن الأطفال يسعون وراء العلم بدافع ذاتي فيما بعد ، و لا يحتاجون إلى التهديد و التعقيب .
و هنا توجد نقطة تشابه بين جو الأسرة العائلية و محيط الدولة و الحكومة الإسلامية، حيث يقوم النظام الإجتماعي فيها على مبدأي الحرية و العدالة .. لذلك فإن التربية في ظل النظام الإسلامي ، تقوم بدورها على العدل و الحرية ، و تنمية حب التعالي و التكامل في نفوس الأطفال ..
يقول الإمام علي (ع) لولده الحسن (ع) : " ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً " بهذه الجملة القصيرة يزرع الأب العظيم أعظم ثروة للشخصية في نفس ولده ، ويعوده على الحرية الفكرية .
وبالنسبة إلى تعلم الأطفال قال (ع) : " من لم يتعلم في الصغر لم يتقدم في الكبر "
إن المربي القدير، هو الذي يستفيد من غريزة حب الكمال و التعالي عند الطفل، و يقيم قسماً كبيراً من أساليبه التربوية على هذا الأساس .
الجزء الاًول...
ما هو الأساس الأهم للتربية ؟ الأطفال ودائع الله هدايةً ورعاية (2)
الأطفال ودائع الله هدايةً ورعاية
بناء العاطفة عند الأطفال
التربية بين الدلال والإهمال والقسوة واللين
علامات نبوغ الطفل؟
أطفال أكبر من سنهم