تفسير الاستقسام بالأزلام
هذا ! و لزيادة البحث حول تفسير هذه الجملة الشريفة القرآنية "وَأن تَسْتَقْسِموا بِالأزلام " نذكر كلام الشيخ محمود شلتوت ، ثم نتكلم حول تفسيرها بحول اللّه و قوته .
قال الشيخ محمود شلتوت : " و يلحق بهذا النوع الذي حرمه اللّه على الإنسان احتفاظاً بعقله ، ما يشبه من وسائل الاستقسام التي يعتادها الناس اليوم كالطرق بالحصى ، و ضرب الفول و الرمل ، و الاستخارة بحبات السبحة ، و من أقبح أنواع الاستخارة الاستخارة بالقرآن الكريم الذي جرت به عادة بعض المسلمين ، و صار شأناً معروفاً حتى عند أهل العلم و الدين ، و ما كان اللّه ليرضى أن يكون كتاب هدايته و إرشاده بالتي هي أقوم في الحياة العقلية و الروحية و العملية ، أداة الشعوذة أو لعبة يد عابث أو مضلل أو محتال " .
أقول : في تفسير الاستقسام بالأزلام أقوال :
قول- أن المراد بالاستقسام بالأزلام ، طلب معرفة الخير و الشر ، و ما قسم في مستقبل الحياة و استعلامها ، من عند الأصنام . و علل بعضهم حرمة ذلك على تضمنه العقيدة بالأصنام ، و رده بعضهم بأن ذلك لم يكن في جميع الأحوال عند الأصنام ، فربما كان مع الرجل زلمان ، يستقسم بهما إذا شاء . و يرد ذلك بأن هذا لا ينافي كون العلة تكريم الأصنام ، فإن الظاهر أن الأصل في ذلك عندهم أن يكون عند الأصنام ، و عند تعذر الحضور في بيت الصنم يستقسم بما معه من الأزلام ، كما أن الظاهر أن هذا ليس من العلة المنحصرة ، فيمكن أن يكون لحرمته علل اُخرى .
و كيف كان ، قال في لسان العرب ( قال الأزهري ) : الاستقسام مذكور في موضعه ، و الأزلام كانت لقريش في الجاهلية مكتوب عليها أمر و نهي ، و افعل و لا تفعل ، قد زلمت و سويت و وضعت في الكعبة ، يقوم بها سدنة البيت . فإذا أراد رجل سفراً أو نكاحا ، أتى السادن ، فقال : أخرج لي زلما . فيخرجه و ينظر إليه ، فإذا خرج قدح الأمر ، مضى على ما عزم عليه ، و إن خرج قدح النهي ، قعد عما أراده ، و ربما كان مع الرجل زلمان ، و ضعهما في قرابه ، فإذا أراد الاستقسام أخرج أحدهما ) .
و قال أبو البقاء في تفسيره : " كانت سبعة عند سادن الكعبة ، عليها أعلام ، كانوا يحكمونها ( يجيلونها ـ خ ل ) ، فإن أمرتهم ائتمروا ، و إن نهتهم انتهوا " .
و روى الطبري في تفسيره عن ابن إسحاق ، قال : كانت هُبَل أعظم أصنام قريش بمكة ، و كانت في بئر في جوف الكعبة ، و كانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة . و كانت عند هُبل سبعة أقداح ، كل قدح منها فيه كتاب ـ إلى أن قال : ـ كانوا إذا أرادوا أن يجيبوا غلاما ، أو أن ينكحوا منكحا ، أو أن يدفنوا ميتا ، أو يشكّوا في نسب واحد منهم ، ذهبوا به إلى هبل بمأة درهم و بجزور ، فأعطاها صاحب القداح الذي يضربها ، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ، ثم قالوا : يا إلهنا هذا فلان بن فلان ، قد أردنا به كذا و كذا ، فاخرج الحق فيه ، الخ .
و هذا كما ترى يدل على عدم انحصار الاستقسام بالأزلام بمعرفة الخير و الشر ، بل يعمها و معرفة الحق عند اختلافهم فكأنهم يُحكِّمونها أو يُحكِّمون الصنم الذي يستقسمون بالأزلام عنده .
و قال القفال : ذكر هذا في جملة المطاعم ، لأنه مما أبدعه أهل الجاهلية ، و كان موافقاً لما كانوا فعلوه في المطاعم ، و ذلك أن الذبح على النصب إنما كان يقع عند البيت ، و كذا الاستقسام بالأزلام كانوا يوقعونه عند البيت إذا كانوا هناك .
و قال بعضهم : و إنما حرّم ذلك لأنهم كانوا يحملون تلك الأزلام عند الأصنام . و هذا القول هو اختيار جمهور كما نقل الرازي في تفسيره .
إلا أن سياق الآية يأبى عن ذلك ، فإن الله تعالى قال في أول السورة "اُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأْنْعامِ " ثم ذكر استثناء أشياء بقوله تعالى : " إلا مَا يُتْلَى عَلَيكُم " . و في هذه الآية الكريمة ذكر تلك الصورة المستثناة ، و استثناء الاستقسام على هذا التفسير من العموم المستفاد من قوله تعالى " اُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ اْلأنعام " مع أنه ليس من المطاعم على هذا القول لا يستقيم ، و ذكره في جملة المطاعم أيضاً ينافي هذا القول و توجيه القفال بعيد من الظاهر .
قول- ما نقله الرازيُّ و غيره ، و قال : إنه قول المؤرج وكثير من أهل اللغة ، و هو أن الاستقسام هو الميسر المنهي عنه ، و الأزلام ، قداح الميسر . و إلى هذا يرجع ما حُكي عن مجاهد من أنه كعاب فارس و الروم التي كانوا يتقامرون بها ، و ما حُكي عن أبي سفيان بن وكيع من أنه هو الشطرنج .
و هذا القول إن كان راجعاً إلى أن الاستقسام هو من افراد الميسر المنهي عنه ، يرجع إلى القول الثالث المروى عن أهل البيت الطاهرة ( عليهم السلام ) ، و إن كان المراد منه تفسير الاستقسام بمطلق الميسر ، يرده السياق و الظاهر ، كما رددنا به القول الأول . نعم تفسير الأزلام بقداح الميسر و بما يتقامرون به لا ينافي هذا السياق .
الكلمات الأربعالإعراض عن اللغو
لو زاد اليقين لمشينا على الماء !
الاسلام دين الفطرة
حرمة الغناء في القرآن الكريم
تفسير كلمات الأذان