الإحسان ـ المراقبة والمحاسبة
من المسائل التي طرحت بشأن التعليم والتربية الإسلامية، مسألة المحبة والعنف. ما يقابل المحبة هو البغض دائماً، لكن أثر المحبة هو الإحسان واللين، وأثر البغض هو الخشونة والعنف.
إن البعض ينظر إلى هذا النوع من التربية والتعليم الإسلامي بعين الانتقاد ويقول: لم يعتن الإسلام كثيراً بمسألة المحبة وأثرها وهو الإحسان واللين. وان وجدت مسألة محبة الناس والاحسان إليهم واللين والتواضع لهم، فكذلك توجد في مقابلها العداوة، وابداء الخشونة والغلظة، وبعبارة واحدة: الإساءة إلى الآخرين أيضاً. ونعلم بأن الذين يؤكدون على المحبة كثيراً هم المسيحيون وقساوسة المسيح. هؤلاء يتحدثون كثيراً عن المحبة ويقولون: إن عيسى المسيح كان يدعو إلى المحبة فقط، ولم يستثن أحداً في المحبة بأن يكون مؤمناً بالله أم لا، بل كان يقول: إبدوا المحبة للجميع.
ولنا أحاديث كثيرة في الإسلام بهذا المضمون منها: "أحبب للناس ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك" فهذا الدستور الموجود في الإسلام هو دستور عام ومطلق.
قرأت في أحد كتب تاريخ الأديان أو في مقالة مترجمة أن هناك عبارة مشتركة في جميع الأديان العظمى في الدنيا، ومتحدة المآل لديها تواجد في دين المسيح، واليهود، ودين زرادشت، والدين الإسلامي، ودين بوذا، وهي: "احبب للآخرين ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك" ولنا أحاديث كثيرة في الإسلام بهذا المضمون منها: "أحبب للناس ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك" فهذا الدستور الموجود في الإسلام هو دستور عام ومطلق. ولكن هل وضع الإسلام استثناء لهذه القاعدة العامة لا يوجد في الأديان الأخرى؟ وهل يقول الإسلام: احبب للناس ما تحب لنفسك إلا بعضهم أم: أحبب للناس ما تحب لنفسك إلا في بعض الأمور؟ ان الاختلاف بين الإسلام والمسيحية1 هو في تفسير المحبة لا في هذا الأصل العام.
نوعان من المحبة
نبدأ البحث بهذا السؤال: هل حب شيء للنفس منطقي دائماً؟ يمكن أن تقولوا: في الواقع اننا نشكل على هذا الأمر، لأنه يقول أحبب للناس ما تحب لنفسك. فيحتمل أن يحب الإنسان لنفسه شيئاً لا ينبغي له أن يحبه؛ فإن كون الشيء محبوباً للإنسان غير كونه مصلحة له. فلو كان الإنسان مصاباً بمرض السكر، فإن العسل مضر له، لكنه يحب العسل، فهل يقال له: بما أنك تحب العسل لنفسك مع أنه مضر لك، فاحببه لجميع الناس حتى لمن لم يضره العسل.
لابد أن يكون المراد بالمحبة هنا هو المحبة العقلائية والمنطقية التي تساوي المصلحة، والمقصود هو ما يكون فيه مصلحة وخير وسعادة حقاً، كما أنك تريد الخير والسعادة لنفسك دائماً، فهكذا أحبب الخير والسعادة لعامة الناس. فإرادة الخير والسعادة للناس تختلف عن المحبة التي يقول بها المسيحيون وعامة الناس وهي المحبة الظاهرية، أي القيام بعمل يجلب رضا المقابل. مثلاً إن أباً وأمّاً يحبان ابنهما ويريدان له الخير والسعادة، فيمكن تجلي هذه الإرادة لخير الطفل وسعادته بصورتين: الوالدان الجاهلان المحبان لولدهما يجعلان مقايس المحبة هو ما يريد هذا الطفل، فنعطيه إياه؛ ولا نعطيه ما يكره. كإعطائه الطعام الفلاني، وأنا أحب ابني ولا أستطيع أن أمنع عنه الشيء الذي يحبه، أما الدواء والتلقيح الذي يكرهه الطفل فلا أعطيه إياه ولا أزعجه أبداً.
المراد بالمحبة هنا هو المحبة العقلائية والمنطقية التي تساوي المصلحة، والمقصود هو ما يكون فيه مصلحة وخير وسعادة حقاً،
هذه صورة للمحبة. والصورة الأخرى لها هي المقرونة بالمنطق، أي المحبة الموافقة للمصلحة الحالية والمستقبلية، فالمحبة هي إحسان حقيقي يمكن أن تكون موافقة لميل الطفل وطبعه أو غير موافقة له. فلو أردنا تفسير هذا الدستور العام المذكور في جميع الأديان. بأن المقصود من المحبة هنا هو معاملة الناس بما يحبون، وبعبارة أخرى: عاملوا الناس بالنحو الذي تحبون أن يعاملوكم به؛ ففي هذه الحال يجب القول: إن دستور الأديان هذا هو دستور خاطئ والعياذ بالله فالمحبة والاحسان وإيصال الخير للناس والمجتمع لا يمكن أن يقوم على أساس محبتهم هم للأشياء. إن بعض مؤسسات التلفزيون قد سألت الناس: ماذا تحبون لنقدم لكم، وأي البرامج تفضلون؟ فيمكن أن يحب الناس شيئاً تؤدي رؤيته إلى فسادهم وضلالهم. بينما لو كانت المحبة واقعية وحقيقية فيجب أن لا يتبع العدد والكثرة. فليس الميل كالمصلحة وهكذا محبة ذلك الأب والأم العميقة والعقلائية والمنطقية، لا يمكن أن تتحدد بميل وإرادة الطفل؛ بل يجب أن يلتفتا ويهتما بالمستقبل أيضاً.
الشيخ مرتضى مطهري
------------------------------------------------------------------
الهوامش:
التعاليم المسيحية هنا هي تعاليم القساوسة والرهبان، وليست تعاليم عيسى (عليه السلام)-
للمسلم على أخيه ثلاثون حقاً (1)
للمسلم على أخيه ثلاثون حقاً (2)
للمسلم على أخيه ثلاثون حقاً (3)
تربية اليتيم وموقف التعاليم الاسلامية
تربية الاستعداد العقلي
تربية العقل و تدبر العاقبة