الحسد
"وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأقْتُلَكَ إِنِّي أخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أرِيدُ أن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أعَجَزْتُ أنْ أكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأوَارِيَ سَوْءةَ أخِي فَأصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أحْيَاهَا فَكَأنَّمَا أحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأرْضِ لَمُسْرِفُونَ"1.
القصة
ذكروا في بيان قصة الآية أن حواء امرأة آدم، كانت تلد في كل بطن غلاماً وجارية، فولدت أول بطن قابيل بن آدم، وتوأمته إقليما بنت آدم، والبطن الثاني هابيل، وتوأمته لبوذا. فلما أدركوا جميعاً، أمر الله تعالى أن ينكح آدم قابيل أخت هابيل، وهابيل أخت قابيل، فرضي هابيل، وأبى قابيل، لأن أخته كانت أحسنهما، وقال: ما أمر الله سبحانه بهذا، ولكن هذا من رأيك. فأمرهما آدم أن يقربا قرباناً فرضيا بذلك. فغدا هابيل، وكان صاحب ماشية، فأخذ من خير غنمه زبداً ولبناً، وكان قابيل صاحب زرع، فأخذ من شر زرعه، ثم صعدا فوضعا القربانين على الجبل، فأتت النار، فأكلت قربان هابيل، وتجنبت قربان قابيل، وكان آدم غائباً عنهما بمكة، خرج إليها ليزور البيت بأمر ربه. فقال قابيل: لا عشت يا هابيل في الدنيا، وقد تقبل قربانك، ولم يتقبل قرباني، وتريد أن تأخذ أختي الحسناء، وآخذ أختك القبيحة! فقال له هابيل: ما حكاه الله تعالى، فشدخه بحجر فقتله، روي ذلك عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، وذكره المفسرون. وكان سبب قبول قربان أحدهما دون الآخر أن قابيل لم يكن زاكي القلب، وقرب بشر ماله وأخسه، وقرب هابيل بخير ماله وأشرفه، وأضمر الرضا بحكم الله تعالى، فكانت تنزل نار من السماء فتأكله.
الدروس المستفادة من القصة
حالق الدين
قصة ابني آدم هي قصة أول حادثة قتل على وجه الأرض، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل عن السبب في وقوع حادثة القتل هذه، ويحكي لنا القرآن الكريم عن السبب ألا وهو الحسد.
والحسد: هو تمني زوال النعمة عن صاحبها، لما يلحق من المشقة في نيله لها، وهو خلاف الغبطة، لان الغبطة تمني مثل تلك النعمة، لأجل السرور بها لصاحبها، ولهذا صار الحسد مذموماً، والغبطة غير مذمومة. وقيل: إن الحسد من إفراط البخل، لان البخل: منع النعمة لمشقة بذلها، والحسد: تمني زوالها لمشقة نيل صاحبها.
وقد ورد في الرواية أروع وصف للنتائج التي تترتب على الحسد الذي قد يقع فيه الإنسان، إنه زوال دينه، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "ألا! إنه قد دب إليكم داء الأمم من قبلكم وهو الحسد، ليس بحالق الشعر، لكنه حالق الدين"2 .
مساوئ الحسد
1ـ ضياع الطاقات الاجتماعية والشخصية، وذلك لأن الحسود سوف يصرف كل طاقاته في سبيل هدم وتحطيم ما هو قائم، دون أن يصرف جهده في البناء وإقامة المشاريع المنتجة والمفيدة. وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام : "ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد، نفس دائم، وقلب هائم، وحزن لازم"3.
فهذه الصفات الثلاث إذا اجتمعت في شخص فهل يتمكن من صرف طاقاته في طرق الخير، خير نفسه وخير غيره؟
إنه شخص يفتقد لمعنى الحياة لأنه سوف يفتقد للشعور باللذة، ولذا ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : "ليست لبخيل راحة، ولا لحسود لذة"4.
2ـ إن الحسد هو الدافع الأول في الجريمة، والمعصية والتعدي على حقوق الآخرين، فمضافاً إلى قصة ابني آدم، كان الحسد هو الدافع الأول لرفض إبليس السجود لآدم، وكان هو الدافع لأخوة يوسف للتخطيط للتخلص منه فألقوه في الجب.
3ـ إن الحسد يعد من الناحية المعنوية من علائم ضعف الشخصية وعقدة الحقارة، ومن دلائل الجهل وقصر النظر وقلة الإيمان، لأن الحاسد - في الحقيقة يرى نفسه أعجز وأقل من أن يبلغ ما بلغه المحسود من المكانة وأعلى من ذلك، ولهذا يسعى الحاسد إلى أن يرجع المحسود إلى الوراء، هذا مضافاً إلى أنه بعمله اعترض على حكمة الله سبحانه واهب جميع النعم وجميع المواهب، وعلى إعطائه سبحانه النعم إلى من تفضل بها عليه من الناس، ولهذا جاء في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام "الحسد أصله من عمى القلب والجحود لفضل الله تعالى، وهما جناحان للكفر، وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد، وهلك مهلكاً لا ينجو منه أبداً"5.
إنما يتقبل الله من المتقين
واجه هابيل (المقتول) أخاه قابيل (القاتل) بالحقيقة، وهي أن السبب في قبول قربانه دونه هو أنه قدّم ماله خالصاً طاهراً لله عز وجل، لم يكن في ماله شائبة من حرام وغيره.
ولأهمية التقوى، ورد الحث في روايات أئمة أهل البيت عليه السلام على الاهتمام بالتقوى أكثر من الاهتمام بنفس العمل، وفي رواية وردت عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في وصيته لأبي ذر: "يا أبا ذر كن بالعمل بالتقوى أشد اهتماما منك بالعمل فإنه لا يقل عمل بالتقوى، وكيف يقل عمل يتقبل، يقول الله عز وجل: ?إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين?"6.
فالذي يريده الله من الإنسان ليس هو هذا الأمر المادي، بل هو تلك النية الخالصة لله، وقد ورد عن أبي عبد الله عليه السلام، وقد سأله أحدهم ما علة الأضحية؟ فأجاب: "إنه يغفر لصاحبها عند أول قطرة تقطر من دمها إلى الأرض وليعلم الله تعالى من يتقيه بالغيب قال الله تعالى: "لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ"، ثم قال: انظر كيف قبل الله قربان هابيل، ورد قربان قابيل"7.
ويكفي للتدبر في أثر التقوى على حياة هذا الإنسان أن نتأمل في الآية الكريمة التي جعلت الخير موقوفاً على التقوى وأن الإيمان وحده لا يكفي، قال تعالى: "وَلَوْ أنَّ أهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون"8
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
1-المائدة: 27-32.
2-العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 70، ص253.
3-العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 70، ص256.
4-العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 69، ص 193.
5-النراقي، محمد مهدي، جامع السعادات، ج 2، ص 151.
6-العلامة المجلسي، بحار الأنوار،ج67، ص 286.
7-العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص 276.
8-الأعراف: 96.
قصة مريم في القرآن
الإمرأة الصالحة في القران
قصة موسى والخضر عليه السلام