لماذا سمّوا اخواناً؟
ليس خفياً على أحد من الناس ما معنى أن يكون المؤمن أخ المؤمن، لكن هذا الوضوح ظاهري، ما لم تنكشف حقيقة الاخوة كما يراها الإسلام في بعدها الجوهري كما حدّد معناها وأسس مبناها وكشف عن عمق الارتباط بين الاسم والمسمى حيث يقول الصادق عليه السلام:
"إنما سموا اخواناً لنزاهتهم عن الخيانة وسمّوا أصدقاء لأنهم تصادقوا حقوق المودة"1.
فمن يكون خائناً لا يُؤتمن هو ليس أخاً حقيقةً ولا يصح تسميته بذلك ومن لا يراعي حقوق المودة التي تدوم معها الاخوة وتستمر بحيث يكذب على الآخر ولا يصادقه فإن اطلاق اسم الصديق عليه ليس صحيحاً. وعليه لا تتحقق الاخوة بمجرد أن يقول الإنسان للآخر أنت أخي بل بالقيام بما يمليه هذا الرابط الديني المبارك عليه من التزامات لا يسوغ له تجاهلها وإلا خرج عن عهد الاخوة إلى نقضه وسمّي أخاً بالتجوّز لا الحقيقة.
لماذا تؤاخي؟
من الصواب أن نسأل أنفسنا لماذا نؤاخي فلان من الناس ونزهد بغيره، وربما كان الجواب أن يحمل مؤهلات أخلاقية عالية وقد تم اختباره قبل اختياره، بينما الآخر لا رغبة بإقامة علاقة معه لما هو المعروف عنه من سوء السمعة، وربما كان الجواب أيضاً أن لنا مصلحة مالية معه ولذلك قدّمنا العلاقة معه على غيره واثرناه بما يحقق لنا من نفع وكسب رغم ما تنطوي عليه شخصيته من رذائل الأخلاق بحيث يصعب أن يكمل الإنسان طريق الاخوة معه وسرعان ما يتعرض للتزلزل أو الشقاق وربما كان الجواب غير ذلك حيث أن تصور الأسباب الداعية للعلاقة مع الناس لا تكاد تحصى وتختلف وتتخلف من شخص إلى اخر. والذي نريد تسليط الضوء عليه هنا ليس إلا ميزان اتخاذ الاخوان كما أرشدتنا إليه الأحاديث الشريفة الواردة عن أئمتنا عليهم السلام والتي صنّفت نوعين من الاخوة أحدهما مذموم والآخر مطلوب، والمستفاد هو طالما كان الدافع إلهياً ولوجهه تعالى فالأخوة مرغوب بها وإلا إذا كان دنيوياً فهي مرغوب عنها.
ولذا حريّ بنا أن نقف موقف السؤال لأنفسنا ونقول لماذا نؤاخي فلان دون فلان.
والحقيقة أن الاخوة النفعية الدنيوية هي عداوة لأنها تستبطن خيانة للطرف الاخر حيث لا تقوم على الصدق في بذل المودة له لقاء ما حثّ عليه الدين الحنيف أو رجاء ثواب الاخرة، بل لأجل المكاسب التجارية والمصالح الزائلة وليس غريباً في حالة كهذه أن ينتهي الأمر بالفراق أو القطيعة حينما تنقضي المصالح أو يوجد بديل عنه يمكن الاستفاة منه أكثر من سابقه فقد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:
"كل مودة مبنية على غير ذات اللَّه ضلال والاعتماد عليها محال".2
وعنه عليه السلام:
"الناس اخوان فمن كانت اخوته في غير ذات اللَّه فهي عداوة".
وذلك قوله عزّ وجلّ:
"الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين".3
وليس بالامكان أن يزان نجاح الاخوة وفشلها بالغنم والغرم الدنيويين بل ما دامت لمحض المصلحة الدنيوية فهي فاشلة يبوء صاحبها بالحرمان في الحديث:
"من آخى في اللَّه غنم ومن آخى في الدنيا حرم".4
ومن يوقن أن الآخر إنما يزعم بأنه أخوه لكن ليس في اللَّه فإن عليه الحذر منه والانتباه الدائم، صيانة لنفسه وحفاظاً على دينه جاء في الخبر عنه عليه السلام :
"من لم تكن مودته في اللَّه فاحذره، فإن مودته لئيمة وصحبته مشؤومة"5.
وينشأ الشؤم في هذه الصحبة بلحاظ أهدافها والبواعث عليها باعتبارها غير منزهة عن اظهار شيء واضمار شيء آخر، إضافة إلى أنها في غير السبيل الذي أراده اللَّه لها حيث أراد أن تكون اخوة في ذاته لكن الإنسان إذا أرادها في غير اللَّه فما عساها تكون؟!
-------------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- البحار، ج71، ص180.
2- غرر الحكم، ح6915.
3- كنز الفوائد، ص34.
4- غرر الحكم، ح77740.
5- م.ن. ح8978.
أصناف الأخوان
عظمة حق الأخ
دور التآخي في بناء المجتمع
أصدقاء السوء
سحر الشخصية وجمال الباطن
يستحب للمريض!
زلة اللسان أشد هلاك