هل يجب في التوبة، الندم على القبيح؟
الظاهر من غير واحد من المحققين أنّ التوبة تتقوم بالندم على القبيح لقبحه، والا فلو ندم لأجل اضرارها بالبدن أو إخلالها بعرضه أو ماله أو لغرض آخر، لا يكون تائباً.
وهذا كلام متين، فان التوبة عبارة عن رجوع العبد الى اللّه سبحانه، وهذا لا يتحقق إلا بأن يكون رجوعه لاستشعاره قُبح عمله، وانّه كان عدواناً على اللّه وجرأة على المولى، وأما من ترك شرب الخمر لا بهذا الاعتقاد بل لأجل صيانة بدنه عن مضارها، فلا تكون توبة منه الى اللّه.
انما الكلام اذا تاب عن عمله لأجل الخوف من عقابه سبحانه، فقد ذهب المحقق الطوسي وتبعه العلامة الحلّي، الى انّه لو كانت الغاية من التوبة هي الخوف من النار بحيث لو لا خوف النار لم يتب، فلا يصدق عليها أنّها توبة.
قال العلامة الحلي: "فان كانت التوبة خوفاً من النار أو من فوات الجنة - لم تصح توبته، وهذا نظير ما لو اعتذر المسيء الى المظلوم لا لأجل إساءته بل لخوفه من عقوبة السلطان، فان العقلاء لا يقبلون عذره"1.
قال العلامة الحلي: "فان كانت التوبة خوفاً من النار أو من فوات الجنة - لم تصح توبته، وهذا نظير ما لو اعتذر المسيء الى المظلوم لا لأجل إساءته بل لخوفه من عقوبة السلطان، فان العقلاء لا يقبلون عذره"1.
يلاحظ عليه: انّ التكاليف الإلهية متوجهة الى عموم الناس، من غير فرق بين التكليف بالصلاة والصوم أو التكليف بالتوبة ومن المعلوم أنّ الاكثرية الساحقة لا يقومون بالفعل لحسنه بالذات. ولا يتركونه لكونه قبيحاً كذلك، بل الفعل والترك يقومان على أساس الرغب والرهب، والطمع بالجنّة والخوف من النار. وعلى ذلك فالآيات الواردة حول التوبة المقترنة بالثواب تارة والخلاص من النار أخرى، تعرب عن أنّ التوبة اذا حصلت لاحدى هاتين الغايتين، كفى ذلك في سقوط العقاب، يقول سبحانه حاكياً قول هود عليه السَّلام:"وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُم مِدْرَاراً"(هود:52).
ويقول تعالى:"وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَتاعاً حَسَناً إِلَى أَجَل مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْل فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْم كَبِير"(هود:3).
وفي الدعاء الّذي علمه علي عليه السَّلام كميل بن زياد إيعاز إلى ذلك: يقول: "
اللّهم اغفر لي الذنوب التّي تهتك العصم، اللّهم اغفر لي الذنوب التّي تُنزل النقم، اللهم اغفر لي الذنوب التّي تُغير النّعم، اللهم اغفر لي الذنوب التّي تُنزل البلاء".
وانْ شئت قلت: ان التوبة خوفاً من النار، لا تنفك عن الاعتقاد بكون ما فعل أمراً قبيحاً شرعاً
وبالجملة، فالآيات والروايات الواردة حول التوبة مطلقة، تعم كل توبة يصدق عليها أنها رجوع إلى اللّه. وفي حديث يبين علي عليه السَّلام موقف العباد في عبادة اللّه تعالى، ويقسمهم إلى ثلاثة أقسام، يقول:"ان قوماً عبدوا اللّه رغبةً، فتلك عبادة التجار، وانّ قوماً عبدوا اللّه رهبة، فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا اللّه شكراً، فتلك عبادة الأحرار" 2.
وحينئذ، فكما أنّه تقبل عبادة العباد، رغبة ورهبة، تقبل توبتهم أيضاً اذا كانت كذلك.
ولا معنى للتفكيك بين قبول عبادتهم وقبول توبتهم، ولا أجد فقيهاً يفتي ببطلان عبادة من عبده سبحانه لإحدى الغايتين، أو كليهما. كيف وهو سبحانه يصف أنبياءه العظام بقوله: "إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ"(الأنبياء:90).
وأما الاستدلال على أنّ المسقط ليس هو نفس التوبة، بل كثرة الثواب بعدها بأنها لو أسقطت العقاب بذاتها، لأسقطته في حال المعاينة، وفي الدار الآخرة3، فيلاحظ عليه أنّ التوبة انما تقبل لأنها تؤثر في النفس الانسانية، فتصلحها، أو تعدّها للصلاح، وهذا انما يتصور فيما اذا كان الانسان قادراً على الفعل والترك وأما في حال المعاينة أو دار الآخرة، فالقدرة مسلوبة عن الانسان هذا. مع انّك قد عرفت عند البحث عن أثر التوبة أنّ التوبة بنفسها هي المسقطة للعقاب، فلاحظ.
الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني
-----------------------------------------
الهوامش:
1- كشف المراد، ص 246، ط صيدا، بتصرف.
2- نهج البلاغه: قسم الحكم، الرقم 237.
3- كشف المراد، ص 268.
الخروج من القبر - صفة أرض المحشر
الإشكالات المثارة حول الشفاعة
عوامل الإحباط وأسبابه
النارفي کلام أمير المؤمنين
هل الموت نهاية ام بداية؟
معاد الاِنسان هو جسماني وروحاني