مكان بعث النفوس وحشرها
أثبتت البحوث الجيولوجية والتنقيبات الأثرية أنّ الإنسان يعيش في هذا الكوكب منذ أكثر من مليوني سنة، ويستدل على ذلك بالمستندات الحفرية الّتي تؤلف سجلات الخليقة. فعندئذ يطرح هذا السؤال: هل يكفي سطح الأرض لاستقرار جميع الخلائق الّتي لا يحصي عددها إلا خالقها، في يوم واحد، كما هو صريح قوله سبحانه: "هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ"(المرسلات:38)، مع أنّ مساحة الأرض لا تتجاوز (715، 950، 509) كيلو متر مربع؟
والجواب
إنّ السؤال مبني على حفظ النظام يوم القيامة، مع أنّ صريح الآيات على تبدّل النظام، وحدوث نظام أوسع وأكبر، وقد عرفت أنّ الديناميكا الحرارية تثبت اتجاه المواد الكونية إلى الفناء بمرور الزمن، فلا تقوم القيامة على صعيد هذا النظام. والآيات في هذا المجال كثيرة.
يقول سبحانه:"يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّموَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ"(إبراهيم:48).
والذكر الحكيم يصرح بأنّ الشمس والقمر يجريان إلى أجل مسمى. يقول سبحانه: "وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَل مُسَمًّى"(الرعد:2)، بل جميع العوالم المحسوسة من الأرض والسموات، كلُّها تجري إلى أجَل مسمّىً، يقول سبحانه "أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللهُ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَل مُسَمىًّ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ"(الروم:8)1.
والآيات الّتي ننقلها في كيفيّة حدوث القيامة، تكشف عن تدمير النظام بأسره، وانقلابه إلى نظام آخر، يقول سبحانه: "إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً * بُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّا"(الواقعة:4ـ5). ويقول سبحانه: "يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرا"(الطور:9ـ10). وغير ذلك ممّا سيوافيك بيانه.
فالنّاس يحشرون على صعيد واحد، في يوم واحد، لكن في نظام آخر، عظيم هائل يسع لجمع جميع العباد، ومحاسبتهم فيه.
آية الله جعفر السبحاني
----------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- لاحظ بحار الأنوار، ج 7، باب إثبات الحشر، الحديث 21، ص 43.
حقيقة الشفاعة وأقسامها
المعاد والإيمان وأحكامه (2)
محكمة الآخرة
في اعماقنا مثال لمحكمة القيامة
المعاد و التقية
من أدلة وجوب المعاد : صيانة الخلقة عن العبث
علاقة موضوع المعاد بقضية الروح