• عدد المراجعات :
  • 463
  • 2/26/2011
  • تاريخ :

المعاد والإيمان وأحكامه (2)

الورد

هذا حسب الآيات، وأمّا السنة فهناك روايات تدل على أنّ الاقرار المقترن بالعرفان ايمان، منها ما رواه الصدوق بسند صحيح عن جعفر الكناسي قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السَّلام: ما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً، قال:يشهد أن لا إله إللّه وأنّ محمداً عبده ورسوله، ويقرّ بالطاعة، ويعرف إمام زمانه، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن"1.

وأما الثاني: وهو تحليل ما استدلوا به على أنّ العمل عنصر مقوم للإيمان بحيث لولاه فهو إما كافر أو في منزلة بين المنزلتين. فقد استدلوا بآيات:

 

قلت لأبي عبداللّه عليه السَّلام: ما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً، قال:يشهد أن لا إله إللّه وأنّ محمداً عبده ورسوله، ويقرّ بالطاعة، ويعرف إمام زمانه، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن"1.

 

1- قوله سبحانه: "هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ"(الفتح:4)، فلو كان الايمان هو التصديق، لما قبل الزيادة والنقيصة، لأن التصديق أمره دائر بين الوجود والعدم، وهذا بخلاف ما لو كان العمل جزءاً من الايمان، فإنه عندئذ يزيد وينقص حسب زيادة العمل ونقيصته، و الزيادة لا تكون إلا في كمية عدد لا فيما سواها، ولا عدد في الاعتقاد2.

يلاحظ عليه, إنّ الايمان بمعنى الاذعان أمرٌ مقول بالتشكيك، ولليقين مراتب بشهادة أنّ يقين الانسان بأنّ الاثنين نصف الأربعة، يفارق يقينه في الشدة والظهور بأنّ نور القمر مستفاد من الشمس، كما أنّ يقينه الثاني يفارق يقينه بأن كل ممكن فهو زوج تركيبي من ماهية ووجود، وهكذا يتنزل اليقين من القوة إلى الضعف إلى أن يصل إلى أضعف المراتب التّي لو تجاوز عنها لزال وصف اليقين وانقلب إلى الظن أو الشك. فمن ادّعى بأنّ أمر الايمان - بمعنى التصديق والاذعان - دائر بين الوجود والعدم، فقد غفل عن حقيقته ومراتبه، فهل يصح لنا أن ندّعي أنّ ايمان الأنبياء، كإيمان سائر الناس، كلا، لأنّ الأنبياء معصومون، وعصمتهم ناشئة من يقينهم بآثار المعاصي، الّذي يصدهم عن اقترافها، فلو كان اذعانهم كإذعان سائر الناس، لما امتازوا عنهم بالعصمة عن المعصية.

وما ذكروه من أنّ الزيادة تستعمل في الكمية العددية، فهو منقوض بآيات كثيرة استعملت فيها الزيادة في غيرها، قال سبحانه: "وَيَخِرُّونَ لِلاَْذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً"(الاسراء:109)، وقال سبحانه: "وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هذَا الْقُرْآنِ لَيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً"(الاسراء:41) والمراد شدة خشوعهم، وشدة نفورهم، لا كثرة عددهما. وغير ذلك من الآيات التّي استعمل فيها ذلك اللفظ فيما ير جع إلى الكيفية لا الكمية.

2- قوله سبحانه: "وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ"(البقرة:143). والمراد من الايمان، صلاتهم الى بيت المقدس قبل أن ينسخ بالأمر باستقبال الكعبة3.

 

يلاحظ عليه: إنه لو أخذ بظاهر الآية، فيجب أن يكون الايمان نفس العمل، وهو مجمع على خلافه.

أضف إلى ذلك أنّه استعمل الايمان وأريد منه العمل في المقام، والاستعمال أعم من الحقيقة، ولا شك أنّ العمل أثر الايمان ورد فعل له، فمن الشائع إطلاق السبب وارادة المسبب .

3- قوله سبحانه "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً"(النساء:65).

أقسم سبحانه بنفسه أنّهم لا يُؤمنون إلا بتحكيم النبي والتسليم بحكمه، وعدم وجدان الحرج في قضائه. والتحكيم غير التصديق، بل هو عمل خارجي4.

يلاحظ عليه: إنّ الآية وردت في شأن المنافقين، فانهم كانوا يتركون النبي ويرجعون في دعاويهم إلى الأحبار، وهم مع ذلك يدّعون الايمان والاذعان والتسليم للنبي.

فنزلت الآية بأنه لا يقبل منهم ذلك الادّعاء حتى يرى أثر الايمان في حياتهم، وهو تحكيم النبي في المرافعات، والتسليم العملي أمام قضائه، وعدم إحساسهم بالحرج، وهذا هو الظاهر من الآية، لا أنّ التحكيم بما أنّه عمل، جزء من الايمان. وهذا نظير ما إذا ادّعى إنسان حبّاً لرجل فيقال له: ان كنت صادقاً فيجب انْ يُرى أثر الحب في حياتك فاعمل له كذا و كذا.

4- قوله سبحانه: "وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ"(آل عمران:97) فسمى سبحانه تارك الحج كافرا5.

يلاحظ عليه: إنّ المراد كفران النعمة، حيث إن ترك فريضة الحج مع الاستطاعة، كفران لنعمته سبحانه، وقد استعمل الكفر في مقابل شكر النعم، قال سبحانه: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"(إبراهيم:7).

كما ربما يكون المراد من الكفر جحد وجوب الحج.

وغير ذلك مما استدلوا به من الآيات. وأنت اذا احطت بما ذكرنا، تقدر على الاجابة عن استدلالهم بها6.

نعم، هناك روايات عن أئمة أهل البيت عليهم السَّلام تعرب عن كون العمل جزءاً من الايمان، نظير قول الصادق عليه السَّلام : "ملعونٌ، ملعونٌ من قال: الايمان قول بلا عمل7. والظاهر أنّ هذه الروايات وردت لرد المرجئة التّي تكتفي في الحياة الدينية بالقول والمعرفة، وتؤخر العمل، وترجو رحمته وغفرانه، مع عدم القيام بالوظائف. وقد تضافرت عن أئمة أهل البيت عليهم السَّلام لعن المرجئة 8.

• سؤال:

لو كان الايمان هو التصديق، فهل هو يزيد وينقص.

الجواب:

قد علم هذا مما ذكرنا من كون الايمان ذا مراتب، وأن نفس الاذعان، له درجات. وليس القول بزيادة الايمان ونقصانه مختصاً بمن جعل العمل عنصراً مقوّماً للايمان، بل هو يتحقق أيضاً عند من يقول بأنّ الايمان هو التصديق القلبي، وليس العمل جزءاً منه.

إلى هنا تبيّنت حقيقة الأقوال الأربعة في بيان حقيقة الايمان، وقد عرفت أنّ الصواب هو الأول منها، وهو التصديق القلبي9.

*الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني

--------------------------------------------------------------------------------

1-البحار، ج 66، ص 16، نقلا عن معاني الأخبار للصدوق.

2- الفصل، لابن حزم الظاهري ج 3، ص 194.

3-البحار، ج 66، ص 18.

4- الفصل، ج 3، ص 195.

5- البحار، ج 66، ص 19.

6- مثل قوله سبحانه: ?وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ?(البينة:5) مستدلين بأنّ المشار اليه بلفظة "ذلك"، جميع ما ورد بعد الأمر، من عبادة اللّه سبحانه بالاخلاص وإقامة الصلاة وايتاء الزكاة، استدل به ابن حزم في الفصل، ج 3 ص 194 و قد أجاب عنه الأستاذ دام ظله في الجزء الثالث من بحوثه في الملل و النحل، فلاحظ).

7- البحار، ج 66، باب أنّ الايمان مبثوث على الجوارح، الحديث 1، ص 19، و لا حظ سائر الروايات في هذا الكتاب.

8- لاحظ الوافي، للفيض الكاشاني، ج 3، أبواب الكفر، و الشرك، باب أصناف الناس، ص 46.

9- بقي هنا المرجئة، وهو لا يفترق كثيراً عن القول الثالث من الاكتفاء بالتصديق اللساني


حساب الأعمال فْي كلام اميرالمؤمنين

وصف بالإجمال لعذاب النَّار

المعاد الجسماني والروحاني

الشفاعة

الله سبحانه وتعالى و إحياء قتيل بني إسرائيل

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)