المعاد مجلى لتحقّق وعد الله ووعيده
وهو مركب من مقدمة شرعية، وحكم عقلي، وذلك أنّه سبحانه قد وعد المطيعين بالثواب، والعاصين بالعقاب، وهذه صغرى البرهان أخبر عنها الشرع. وحكم العقل عندئذ واضح، وهو أنّ إنجاز الوعد حسن، والتخلّف عنه قبيح. نعم، إنّ العباد لا يستحقون الثواب بطاعتهم، وإنّما هو جود وتفضّل، لكن هذا بغضّ النظر عن الوعد به، وأمّا معه، فالوفاء به لازم.
والآيات الواردة في هذا المجال على قسمين: قسم يذكر فيه وعده بالقيامة ووعده بالثواب ووعيده بالعقاب. وقسم يذكر أنّه ينجز وعده ولا يخلف.
أمّا القسم الأول: فما يدلّ عليه كثير، نذكر بعضه
ـ أمّا ما يدلّ على الوعد بالقيامة، فمنه قوله تعالى: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الذِي يُوعَدُونَ)(الزخرف:83)1.
ـ وما يدل على الوعد بالثواب، فمنه قوله تعالى: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيد * هَذَا مَا تُوعَدُونَ)(ق:31 ـ 32).
ـ وما يدلّ على الوعيد بالعقاب، فمنه قوله تعالى: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ)(الحجر:43). (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ)(هود:17).
وأمّا القسم الثاني: الذي يركّز على حكم العقل ويدعمه، وينفي الخلف عن وعده، فمنه قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْم لاَ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَاد)(آل عمران:9). (وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ)(آل عمران: 194).
وعلى هذا الأساس يستدلّ المحقق الطوسي، على ضرورة المعاد، بقوله: "ووجوب إيفاء الوعد، يقتضي وجوب البعث"2.
الدليل الرابع: المعاد مجلى لرحمته سبحانه
ومن لطائف الكلام في الذكر الحكيم أنّه عدّ المعاد فرعاً لرحمته، وجعله مجلىً لها، قال سبحانه: (قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ للهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)(الأنعام،:12).
فترى أنّه سبحانه يرتّب جمع الناس إلى يوم القيامة، على قوله: (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)، وذلك لأنّ هذا اليوم يوم الرحمة للمؤمن والكافر، غير أنّ الكافر، قد خسر نفسه باقتراف المعاصي وترك الفرائض في الدنيا، فلا يتوفق لنيل رحمته تعالى، ولعلّه سبحانه إلى ذلك يشير في الآية بقوله: (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ).
ويعود معنى الآية إلى أنّ يوم القيامة أشبه بمائدة ممدودة، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين، ولكن الانتفاع منها رهن قيود وشروط هي في وسع كل واحد من المكلّفين. فلو حرم الكافر من الرحمة، فهو بفعل نفسه وما جنته يداه لا من جانبه سبحانه، وهذا كابتلاء العباد وامتحانهم، فإنّه رحمة، لأنّ الهدف منه خروج الطاقات من القوة إلى الفعل، والكمالات من الخفاء إلى البروز، ولكن الكافر لا يخرج منه إلاّ راسباً غير مستفيد من أهداف الابتلاء، بل يخسر نفسه بفتور عزمه في مجال الطاعة.
ويمكن استفادة ذلك من الآية التالية، وهي قوله سبحانه: (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَُمحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ)(الروم:50). فللآية دلالتان:
المطابقية منهما تهدف إلى تشبيه بإحياء الموتى إحياء الأرض حتى يرجع المنكر عن إنكاره بمشاهدة إحياء محسوس، وهو إحياء الأرض.الالتزامية منهما تدلّ على أنّ إحياء الموتى يوم القيامة، رحمة من الله سبحانه لهم، كما أنّ إحياء الأرض رحمة من الله سبحانه لعباده.
آية الله جعفر السبحاني
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- لاحظ الذاريات: 60، المعارج: 44، الأنبياء: 103.
2- كشف المراد، المقصد السادس، المسألة الرابعة، ص 406.
الحبط والتكفير
الجنة والنار وتجسد الاعمال
التوسل باختصار
بواعث إنكار المعاد وشبهات المنكرين
البدعة باختصار
أشراط الساعة (2)
تجرد الروح