القضاء والقدر في الكتاب والسنة (1)
القضاءُ والقدرُ من العقائد الاِسلامية المسلَّمة الّتي وَرَدَت في الكتاب والسُّنة، وأيَّدَتْها الأدلةُ والبراهينُ العقليّةُ القاطعةُ.
إنّ الآيات التي تَتَحدَّثُ عن "القضاء والقدر" كثيرة جداً ونحن نأتي بنماذج منها هنا:
يقول القرآن حول القدر: ﴿إنّا كلَّ شيءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَر﴾(القمر:49).
ويقول أيضا: ﴿وإنْ مِنْ شَيءٍ إلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إلاّ بقدرٍ مَعْلُومٍ﴾(الحجر:21).
كما يقول حول القضاء: ﴿وَإذا قضى أمْراً فَإنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكونُ﴾(البقرة:117).
ويقول أيضا: ﴿هُوَ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ طِيْنٍ ثمَّ قضى أَجَلاً﴾(الاَنعام:2).
وَبالنَظَر إلى هذه الآيات والروايات العديدة في هذا الصعيد لا يُمكنُ لمسلم أن يُنكر "القضاءَ والقدرَ" وإنْ لَم يجب الاِلمامُ بتفاصِيل هذه المسألة ومعرفةُ جزئياتِها.
وأساساً لا يَصْلُح الخَوضُ في هذه المسائل الدقيقة لمن لم يمتلك القابلية الذهنيّة والفكرية اللازمة لمثل هذه الحقائق الدقيقة، إذ يمكن أن يتورّط مثل هذا في شكٍّ أو تردّد في عقيدته، ويقعَ في الضلال في نهاية المطاف.
ولهذا قال الاِمام علي عليه السلام مخاطباً هذا الفريق من الناس:"طَريقٌ مُظْلمٌ فَلا تَسْلكوهُ، وبَحرٌ عَميق فَلا تَلِجُوهُ، وسِرُّ الله فلا تَتكَلَّفوه"1.
نعم تحذير الاِمام عليه السلام هذا مُوَجّه إلى مَن لا يمكنه فهمُ هذه المعارف الدقيقة، وهضمها واستيعابها، بل وربّما يُؤدّي به الدُخول فيها إلى الضلال والانحراف.
ويشهد بهذا الموضوع أنّه عليه السلام طالَما عَمَد في موارد ومواضع أُخرى إلى شرح وبَيان مسألة القضاء والقدر2.
ولهذا فإنّنا نشرح هذه المسألة في حدود معرفتنا مستعينين بالآيات والروايات والعقل.
معنى القدر والقضاء
"القَدَر" في اللُّغة يعني المقدار، والقضاء يعني الحَتم والجَزم.
يقول الاِمامُ الرّضا عليه السلام في تفسيره للقدر والقضاء: "القَدَرُ هي الهَنْدَسَة، وَوَضْعُ الحُدود من البقاء، والفَناء.والقضاء هو الاِبرامُ، وإقامة العَيْن"3.
والآن وَبعد أن اتَّضَحَ معنى الْقَدر والقضاء من حيث اللُّغة، نَعْمَدُ إلى بيان معناهما حسب المصطلَح الديني.
أ- القَدَر
إنَّ لِوُجود كلّ مخلوقٍ من المخلوقات بحكم كونه من الموجودات الممكنة (أي موصوفاً بصفة الاِمكان) حَدّاً معيناً، ومقداراً خاصّاً.
فلوجود "الجماد" مثلاً حدّ خاص، ومقدار معيّن، ولوجود "النبات" و"الحيوان" مقدار وحَد آخر.
وحيث إنّ الوجود المقدَّر لكلّ شيء هو بدوره مخلوق لله تعالى، لذا فإنّ من الطبيعي أن يكونَ التقديرُ والتحديدُ نفسه تقديراً إلَهياً.
كما أنّ هذا التقديرَ من جهة كونه فِعلَ الله يسمّى "التقدير الفِعلي" ومن جهة كون الله يعلم به قبل خَلْقه يُسمّى"التقدير العِلميّ".
وفي الحقيقة إن الاِعتقاد بالقَدَر، اعتقادٌ بخالقية الله بلحاظ خصوصيات الاَشياء.
وحيث إنّ هذا التقدير الفعليّ مُستندٌ إلى علم الله الاَزليّ، لهذا فإنَّ الاعتقاد بالقَدَر العِلميّ يكون في حقيقته إعتقاداً بعلمِ الله الاَزلي.
*العقيدة الاسلامية، آية الله جعفر السبحاني،
العدل الإلهي ( 4 )
العدل الإلهي ( 3 )
العدل الإلهي ( 2 )
العدل الإلهي ( 1 )
العلاقة بين القضاء والقدر، وإختيار الإنسان