العدل الإلهي ( 1 )
المقدمة
يوجد خلاف بين الأشاعرة والمعتزلة في مجالات ومواضيع مختلفة ومتعددة. ومن هذه المواضيع، موضوع الكلام والإرادة الإلهية، والتوحيد الصفاتي والجبر والإختيار والقضاء والقدر، وقد كانت آراءهما على الغالب، تقع في طرفي الإفراط والتفريط.
ومن محاور الخلاف الأساسية بين هاتين الفرقتين، موضوع العدل الإلهي، وقد لوحظ توافق الشيعة مع المعتزلة في رأيهم حول هذا الموضوع، وأطلق عليهما مصطلح "العدلية" مقابل الأشاعرة، ولأجل أهمية هذا الموضوع، إعتبر من المواضيع الرئيسة في علم الكلام، بل إنه اعتبر من أصول العقائد، ومن مميزات المذهب الكلامي للشيعة والمعتزلة.
ويلزم التأكيد على أن الأشاعرة أيضا، لا يرفضون العدل الإلهي، فإنهم لا يعتبرون الله ظالما (نستغفر الله) مع أن الآيات القرآنية الصريحة التي لا تقبل التأويل تثبت العدل الإلهي، وتنفي كل لون من ألوان الظلم عن الله سبحانه وتعالى عن ذلك، ولكن البحث في هذا الموضوع يدور حول ما إذا كان يمكن للعقل بنفسه وبدون الاعتماد على المصادر الشرعية (الكتاب والسنة) أن يدرك ويتوصل إلى ضوابط للأفعال، وخاصة الأفعال الإلهية، يحكم على أساسها بلزوم القيام بهذا الفعل، وترك الفعل الآخر، فمثلا يحكم العقل "أنه يلزم على الله تعالى أن يدخل المؤمنين الجنة، والكفار النار" أو ان أمثال هذه الأحكام لا يمكن أن تتم إلا إعتمادا على الوحي، وأما لو غض النظر عن الوحي، فلا يتمكن العقل من الحكم والقضاء.
الأشاعرة لا يرفضون العدل الإلهي، فإنهم لا يعتبرون الله ظالما (نستغفر الله) مع أن الآيات القرآنية الصريحة التي لا تقبل التأويل تثبت العدل الإلهي، وتنفي كل لون من ألوان الظلم عن الله سبحانه وتعالى عن ذلك،
إذن فالمحور الأساسي للخلاف، هو الموضوع الذي يعبر عنه بـ "الحسن والقبح العقليين" وقد أنكره الأشاعرة، وإعتقدوا بأن الحسن في الأمور التكوينية هو ما يفعله الله، وأما في الأمور التشريعية فالحسن ما يأمر به الله. وليس الفعل في ذاته حسنا، ولأجل ذلك يفعله الله، أو يأمر به. وأما العدلية، فيعتقدون بأن الأفعال تتصف في ذاتها بالحسن والقبح بغض النظر عن انتسابها التكويني والتشريعي لله تعالى . ويمكن للعقل إلى حد ما أن يدرك جهات الحسن والقبح في الأفعال، وتنزيه الذات الإلهية عن الأفعال القبيحة، ولكن هذا الإدراك العقلي لا يعني أن العقل(ونستغفر الله) يأمر الله أو ينهاه، بل يعني، أن العقل يكتشف تناسب فعل ما مع الصفات الكمالية الالهية، وعدم تناسب فعل آخر معها، وعلى هذا الأساس يرى إستحالة صدور الأفعال القبيحة من الله.
المحور الأساسي للخلاف، هو الموضوع الذي يعبر عنه بـ "الحسن والقبح العقليين" وقد أنكره الأشاعرة، وإعتقدوا بأن الحسن في الأمور التكوينية هو ما يفعله الله، وأما في الأمور التشريعية فالحسن ما يأمر به الله
ومن الواضح أن الدراسة التفصيلية لهذا الموضوع، والجواب عن الشبهات التي دفعت الأشاعرة لإنكار الحسن والقبح العقليين، وليمثلوا الإتجاه المعارض للعدلية، والبحث في كل ذلك طويل، يعسر التعرض له في هذا البحث، وكذلك من الممكن أن تكون في أحاديث المعتزلة بعض النقاط الضعيفة التي يلزم التعرض لها ومناقشتها في محله، ولكن أصل الإعتقاد بالحسن والقبح العقليين يتقبله الشيعة، ويؤمنون به، ويدعمه الكتاب والسنة وتأكيدات الأئمة المعصومين عليهم السلام.
ولذلك فنحن هنا نوضّح في البداية مفهوم العدل، وبعد ذلك نشير إلى الدليل العقلي على هذه الصفة التي هي من الصفات الالهية الفعلية، وأخيرا سوف نناقش أهم الشبهات في هذه المسألة ونجيب عنها.