• عدد المراجعات :
  • 1837
  • 10/12/2010
  • تاريخ :

مس المرأة لا ينقض الوضوء عند الإمامية

الورد

المسألة:

ذكر بعضهم انَّ مسَّ المرأة بالمصافحة أو غيره موجبٌ لانتقاض الوضوء حتى لو كانت المرأة زوجةً أو ذات محرَم واستدلَّ بقوله تعالى: ?أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا...? ، فهل ما عليه الاماميَّة منافٍ لما أفادته الآية المباركة؟

 

الجواب:

إنَّ مسَّ المرأة ليس من نواقض الوضوء بإجماع الإمامية وذلك استناداً إلى الروايات المستفيضة عن أهل البيت (ع) والتي أفادت انَّ مسَّ المرأة سواءً كان باليد أو بالتقبيل أو بأيِّ جزءٍ من البدن لا ينقض الوضوء ولا يُوجب الحدث الأكبر أو الأصغر، وما يُوجب الحدث الأكبر وانتقاض الوضوء هو الجماع، وأما ما عداه من المسِّ فهو غير ناقض.

 وأما الآية المباركة وهي قوله: ?أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء? فالمراد منها هو خصوص الجماع.

 هذا هو محصَّل ما أفادته الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) والتي منها ما رواه الكليني بسندٍ معتبر عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن قول الله عزَّ وجل: ?أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء?، فقال (ع): "هو الجماع ولكنَّ الله ستير يحب الستر فلم يُسمِّ كما تُسمُّون"(1).

 ومنها: ما رواه الشيخ الطوسي بسدٍ معتبر عن أبي مريم قال: قلت لأبي جعفر (ع) ما تقول في الرجل يتوضأ ثم يدعو جاريته فتأخذ بيده حتى ينتهي إلى المسجد؟ فإنَّ عندنا يزعمون أنَّها الملامسة، فقال (ع): "لا والله ما بذلك بأس وربما فعلته، وما يعني بهذا ?أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء? إلا المواقعة في الفرج"(2).

 هذا هو مذهب الإمامية في المسألة وأما علماء العامة فقد اختلفوا في ذلك، فذهب المشهور إلى انتقاض الوضوء بمسِّ المرأة على اختلافٍ شديد في التفاصيل فبينَ مَن ذهب إلى انَّ مسَّ المرأة ناقض للوضوء مطلقاً كالأوزاعي وبين من فصَّل بين المسِّ بشهوة والمسِّ بغير شهوة نُسب ذلك إلى مالك والليث بن سعد وأحمد بن حنبل(3)، وفصَّل بعضهم بين ما إذا كان المسِّ مباشراً وبين إذا كان من وراء ما يستر البشرة ففي الفرض الأول يكون المس ناقضاً دون الثاني ونُسب ذلك إلى الشافعي وأصحابه(4)، وقد أفاد ابن رشد في بداية المجتهد(5) انَّ أقوال الشافعي قد اختلفت من جهة انَّ اللمس ناقض لوضوء اللامس والملموس أو هو ناقض لوضوء اللامس دون الملموس ففي بعض أقواله ذهب إلى انتقاض الوضوء من الطرفين وفي بعض أقواله ذهب إلى انتقاض وضوء اللامس دون الملموس، واختلفت أقوال الشافعي من جهة أخرى أيضاً فذهب في بعض أقواله إلى انَّ مسَّ المرأة إنما يكون ناقضاً لو كانت المرأة زوجةً وأما إذا كانت ذات محرم فإنَّ الوضوء لا ينتقض بمسِّها إلا انَّه ذهب في موضع آخر إلى عدم التفريق بين الزوجة وذات المحرم.

 وفي مقابل مذهب المشهور بين العامة ذهب بعض علمائهم كأبي حنيفة(6) إلى انَّ مجرد مسِّ المرأة غير ناقضٍ للوضوء لو كان ذلك مسَّاً باليد أو تقبيلاً أو غير ذلك.

 أما ما هو مستند الإمامية فهو ما استفاض عن أهل البيت (ع) من عدم ناقضية مسِّ المرأة للوضوء وحيث انَّ أهل البيت (ع) هم الأعلم بسنَّةِ رسول الله (ص) وبمقاصد كتاب الله تعالى لذلك يتعيَّن العمل بمقتضى ما ثبت عنهم، فقد أوصى رسول الله (ص) بالثقلين كتاب الله وعترته من أهل بيته (ع) وأفاد انَّهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض وانَّ من تمسك بهما فإنه لن يضلَّ بعده أبداً، وأفاد (ص) بأن أهل بيته (ع) هم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلَّف عنها غرق وغير ذلك من الروايات المقطوعة الصدور والمقتضية لتعيُّن العمل بما ثبت عنهم.

 وحيثُ انَّه قد ثبت عنهم انَّ المراد من قوله تعالى: ?أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء? هو خصوص الجماع وانَّ ما عداه لم يكن مقصوداً من الآية المباركة لذلك التزم الإمامية بعدم ناقضية ما عدا الجماع للوضوء.

 هذا وقد وردت روايات من طرق العامة تقتضي عدم انتقاض الوضوء بمجرَّد المسِّ للمرأة.

 فقد روى أبو داوود في السنن بسنده عن عائشة: انَّ النبي (ص) قبَّل امرأةً من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ(7).

 وروى ابن ماجة بسنده عن عائشة انَّ رسول الله (ص) كان يتوضأ ثم يُقبِّل ويصلِّي ولا يتوضأ(8).

 وروى ابن راهويه في مسنده عن عائشة انَّ النبي (ص) قال لها: "إنَّ القبلة لا تنقض الوضوء ولا تُفطر الصائم" ، ثم قال: "يا حميراء إنَّ في ديننا لسعة"(9).

 وأخرج الدارقطني عن هشام عن أبيه عن عائشة انه بلغها قول ابن عمر: في القُبلة الوضوء، فقالت: كان النبي (ص) يُقبِّل وهو صائم ولا يتوضأ(10).

 وقال ان رشد في بداية المجتهد: انَّ النبي (ص) كان يلمس عائشة عند سجوده بيده وربما لمسته، وأفاد انَّ الكوفيين صحّحوا الحديث المروي عن عائشة انَّ النبي قبّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ وأفاد انه مال إلى تصحيحه أبو عمر بن عبد البر، نعم وهَّن الحجازيون الحديث المذكور(11).

 وما أفاده ابن رشد انَّ النبي (ص) كان يلمس عائشة عند سجوده لعلَّه يُشير إلى ما روي عن عائشة قال: كان رسول الله (ص) ليصلِّي واني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة حتى إذا أراد ان يُوتر مسَّني برجله، قال الشوكاني: قال الحافظ في التلخيص اسناده صحيح وفيه دليل على انَّ لمس المرأة لا ينقض الوضوء(12).

 وروي عن عائشة قالت: فقدت رسول الله (ص) ليلةً من الفراش فالتمسته فوضعت يدي على باطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: "اللهم اني أعوذ برضاك من سخطك..."(13).

 وثمة روايات أخرى وردت من طرق العامة يقتضي مفادها عدم انتقاض الوضوء بمجرَّد لمس المرأة أعرضنا عن ذكرها خشية الإطالة وبها يتأيد ما عليه الإمامية من البناء على عدم انتقاض الوضوء بمسِّ المرأة وانَّ قوله تعالى: ?أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء? لا يراد منه مطلق اللمس للنساء وإنما يُراد منه المواقعة.

 كما يمكن تأييد ما ورد من طرقنا عن أهل البيت (ع) بما رووه من انَّ جمعاً من الصحابة قد فسروا الملامسة في الآية بالجماع.

قال السرخسي في المبسوط: وأما الآية فقد قال ابن عباس: المراد بالمس الجماع إلا انَّ الله تعالى حيي يُكنِّي بالحسن عن القبيح كما كنَّى بالمسِّ عن الجماع وهو نظير قوله تعالى: ?وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ...?(14).

 وقال أبو بكر الكاشاني في بدائع الصنائع: ?أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء? أولمستم، فعليٌّ وابنُ عباس أوَّلا ذلك بالجماع وقالا كنَّى الله تعالى عن الوطىء بالمسِّ والغشيان والمباشرة والإفضاء والرفث.

 وقال العيني في عمدة القاري: الملامسة كناية عن الجماع، وقال ابن عباس: المس واللمس والغشيان والإتيان والقربان والمباشرة: الجماع، لكنَّه عزّ وجل حيي كريم يعفو ويكنِّي، فكنَّى باللمس عن الجماع كما كنَّى بالغائط عن قضاء الحاجة، وذهب علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري وعبيد السلماني وعبيد الضبي وعطاء وطاووس والحسن البصري والشعبي والثوري والأوزاعي انَّ اللمس والملامسة كناية عن الجماع وهو الذي صح عن عمر بن الخطاب أيضاً كما نقله أبو بكر العربي وابن الجزري فحينئذٍ بطل قول القائل (15).

 والمتحصل مما ذكرناه انَّ ما عليه الإمامية من عدم انتقاض الوضوء بلمس المرأة نشأ عن استنادهم إلى أهل البيت (ع) في تفسيرهم للملامسة في الآية بالجماع فليس فيما ذهبوا إليه مناقضة للقرآن الكريم بل هو التزام بما أراده القرآن الكريم، إذ انَّ أهل البيت هم أعلم الناس بمرادات القرآن الكريم، هذا مضافاً إلى ان ما أفادوه من تفسيرٍ للآية المباركة مؤيَّد بما روته العامة عن الرسول الكريم (ص) وبما فهمه جمع من الصحابة والتابعين من الآية المباركة.

-------------------------------------------------------------------

الهوامش:

1- وسائل الشيعة ج2/133 باب67 من أبواب مقدمات النكاح ح3.

2- وسائل الشيعة ج1/271 باب9 من أبواب نواقض الوضوء.

3- المحلى- ابن حزم- ج1 ص248.

4- المحلى- ابن حزم- ج1 ص248.

5- بداية المجتهد ونهاية المقتصد- ابن رشد الحفيد-  ج1 ص34.

6- بداية المجتهد ونهاية المقتصد- ابن رشد الحفيد-  ج1 ص34.

7- سنن أبي داود- ابن الأشعث السجستاني- ج1 ص47.

8- سنن ابن ماجة- محمد بن يزيد القزويني- ج1 ص168.

9- مسند ابن راهويه- إسحاق بن راهويه- ج2 ص172.

10- سنن الدارقطني- الدارقطني- ج1 ص148.

11- بداية المجتهد ونهاية المقتصد- ابن رشد الحفيد - ج1 ص34.

12- نيل الأوطار- الشوكاني- ج1 ص246.

13- نيل الأوطار- الشوكاني- ج1 ص246.

14- المبسوط- السرخسي- ج1 ص68.

15- عمدة القاري- العيني- ج3 ص47.


مبدأ التشيع وتاريخ نشأته

ظاهرة تشيع علماء السنة ومثقفيهم (1)

أقوال علماء السنّة في حق أهل البيت (عليهم السلام)1

رد شبهة هل الإمامة جعل إلهي ؟(1)

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)