بُرهان النّظم ( 1 )
• من البراهين على وجود الله: برهان النظم وهو يبتني على اربع مقدمات
الأولى: إِنَّ وراء الذهن الإِنساني عالماً مليئاً بالموجودات، محتفاً بالظواهر الطبيعية. وإِنَّ ما يتصوره الإِنسان في ذهنه هو انعكاس للواقع الخارجي، وهذه المقدمة قد أطبق عليها الإِلهيّ والماديّ رافضَيْن كل فكرة قامت على نفي الواقعية ولجأت إلى المثالية، بمعنى نفي الحقائق الخارجية.
إِنَّ كل إِنسان واقعي يعتقد بأَنَّ هناك قمراً وشمساً وبحراً ومحيطاً وغير ذلك. كما يعتقد بوجوده، وذهنه والصور المنعكسة فيه، وهذه هي الخطوة الأُولى في مضمار معرفة الله، وهي التصديق بالواقعيات. ويشترك فيها الفلاسفة الواقعيون، دون المثاليين بمعنى الخياليين.
وبذلك يظهر أنَّ رمي الإِلهي بالمثالية بمعنى نفي الواقعيات، افتراءٌ وكذبٌ عليه، إِذ لا يوجد على أديم الأرض من يكون إِلهياً وفي الوقت نفسه ينفي واقعيات الأَشياء والظواهر الطبيعية. ولو وجد هناك إِنسان بهذه العقيدة فليس من تلك الزمرة، وإِنما هو من المنحرفين عن الفطرة السليمة الإِنسانية.
وما ربما يحكى عن بعض العرفاء من أَنَّ الموجود الحقيقيّ هو الله سبحانه وما سواه موجود بالمجاز، فله معنى لطيف لا يضرّ بما قلناه، وهذا نظير ما إِذا كان هناك مصباح في ضوء الشمس، فيقال: إِنَّ الضوء ضوء الشمس ولا ضوء لغيرها، فهكذا وجود الممكنات، المفتقرات بالذات، بالنسبة إلى واجب الوجود القائم بالذات.
الثانية: إِنَّ عالم الطبيعة خاضع لنظام محدد، وإِنَّ كل ما في الكون لا ينفك عن النّظم والسنن التي كشفت العلوم الطبيعية عن بعضها، وكلما تطورت هذه العلوم خطا الإِنسان خطوات أُخرى في معرفة الكون والقوانين السائدة عليه.
الثالثة: أصل العلية، والمراد منه أنَّ كل ما في الكون من سنن وقوانين لا ينفكّ عن علة توجده وأنَّ تكون الشيء بلا مكوّن وتحققه بلا علة، أمر محال لا يعترف به العقل، بالفطرة، وبالوجدان والبرهان. وعلى ذلك فكل الكون وما فيه من نظم وعلل نتيجة علة أوجدته وكونته.
الرابعة: إِنَّ دلالة الأَثر تتجلى بصورتين:
أ- وجود الأَثر يدل على وجود المؤثر، كدلالة المعلول على علّته، والآية على صاحبها، وقد نقل عن أَعرابي أَنَّه قال: "البعرة تدل على البعير، وأَثر الأقدام يدل على المسير"، إلى غير ذلك من الكلمات التي تقضي بها الفطرة. وهذه الدلالة مما لا يفترق فيها الماديّ والإِلهي، وإِنما المهمّ هو الصورة الثانية من الدَّلالة.
ب- إِنَّ دلالة الأَثر لا تنحصر في الهداية إلى وجود المؤثر، بل لها دلالة أُخرى في طول الدلالة الأُولى، وهي الكشف عن خصوصيات المؤثر من عقله وعلمه وشعوره، أو تجرده من تلك الكمالات والصفات وغيرها. ولنوضح ذلك بمثال:
إِنَّ كتاب "القانون" المؤلف في الطب، كما له الدَّلالة الأُولى وهي وجود المؤثر، له الدَّلالة الثانية وهي الكشف عن خصوصياته التي منها أَنَّه كان إنساناً خبيراً بأُصول الطب وقوانينه، مطّلعاً على الدَّاء والدَّواء، عارفاً بالأَعشاب الطبية، إلى غير ذلك من الخصوصيات.
والملحمة الكبيرة الحماسية لشاعر إيران (الفردوسي) لها دلالتان: دلالة على أَنَّ تلك الملحمة لم تتحقق إلا بظل علَّة أَوجدتها، ودلالة على أَنَّ المؤلف كان شاعراً حماسياً مطلعاً على القصص والتواريخ، بارعاً في استعمال المعاني المتناسبة مع الملاحم. ومثل ذلك كل ماتمر به مما بقي من الحضارات الموروثة كالأبنية الأثرية، والكتب النفيسة، والصنائع المستظرفة اليدوية والمعامل الكبيرة والصغيرة، إلى غير ذلك مما يقع في مرأى ومنظر كل إِنسان. فالمهم في هذا الباب هو عدم الإِقتصار على الدلالة الأُولى بل التركيز على الدلالة الثانية بوجه علمي دقيق.
* الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني. ج 1.ص33-42.
إِشكال على برهان النَّظم
الدليل الفلسفي على وجود الله وموقف المادية ( 1 )
الإيمان بالله تعالى بين النظرة الالهية والمادية
ما هو معني عبادة الله تعالي؟
اثنان وعشرون سوالا
التوحيد الذاتي