الدليل الفلسفي على وجود الله وموقف المادية ( 1 )
قبل أن ندخل في الحديث عن الدليل الفلسفي على إثبات الصانع سبحانه وتعالى يجب أن نتساءل: ما هو الدليل الفلسفي؟ وما الفرق بينه وبين الدليل العلمي؟ وما هي أقسام الدليل؟
إنّ الدليل ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي: الدليل الرياضي، والدليل العلمي، والدليل الفلسفي.
فالدليل الرياضي:
هو الدليل الذي يستعمل في مجال الرياضيات البحتة والمنطق الصوري (الشكلي) ويقوم هذا الدليل دائماً على مبدأ أساسي، وهو مبدأ عدم التناقض القائل: إنّ (أ) هي (أ)، ولا يمكن أن لا تكون (أ)، فكلّ دليل يستند إلى هذا المبدأ وما يتفرّع عنه من نتائج فقط نطلق عليه اسم الدليل الرياضي، وهو يحظى بثقة من الجميع.
والدليل العلمي:
هو الدليل الذي يستعمل في مجال العلوم الطبيعية، ويعتمد على المعلومات التي يمكن إثباتها بالحسّ أو الاستقراء العلمي، إضافةً إلى مبادئ الدليل الرياضي.
والدليل الفلسفي:
هو الدليل الذي يعتمد لإثبات واقع موضوعي في العالم الخارجي على معلومات عقلية (المعلومات العقلية: هي المعلومات التي لا تحتاج إلى إحساس وتجربة) إضافةً إلى مبادئ الدليل الرياضي.
وهذا لا يعني بالضرورة أنّ الدليل الفلسفي لا يعتمد على معلومات حسّية أو استقرائية. وإنّما يعني أنّه لا يكتفي بها، بل يعتمد إلى جانب هذا أو بصورة مستقلّة عن ذلك على معلومات عقلية أخرى في إطار الاستدلال على القضية التي يريد إثباتها.
فالدليل الفلسفي إذن يختلف عن الدليل العلمي في تعامله مع معلومات عقلية لا تدخل في نطاق مبادئ الدليل الرياضي.
وعلى أساس ما قدّمناه من مفهوم الدليل الفلسفي قد نواجه السؤال التالي: هل بالإمكان الاعتماد على المعلومات العقلية أي على الأفكار التي يوحي بها العقل بدون حاجة إلى إحساس وتجربة أو استقراء علمي؟
والجواب على ذلك بالإيجاب، فإنّ هناك في معلوماتنا ما يحظى بثقة الجميع، كمبدأ عدم التناقض الذي تقوم عليه كلّ الرياضيات البحتة، وهو مبدأ يقوم إيماننا به على أساس عقلي، وليس على أساس الشواهد والتجارب في مجال الاستقراء.
والدليل على ذلك أنّ درجة اعتقادنا بهذا المبدأ لا تتأثّر بعدد التجارب والشواهد التي تتطابق معها. ولنأخذ تطبيقاً حسابياً واضحاً لهذا المبدأ، وهو التطبيق القائل: 2 + 2 = 4، فإنّ اعتقادنا بصحة هذه المعادلة الحسابية البسيطة اعتقاد راسخ لا يزداد بملاحظة الشواهد، بل إنّنا لسنا مستعدّين للاستماع إلى أيّ شاهد عكسي، ولن نصدّق لو قيل لنا: إنّ اثنين زائداً اثنين يساوي في حالة فريدة خمسة أو ثلاثة، وهذا يعني أنّ اعتقادنا بتلك الحقيقة ليس مرتبطاً بالإحساس والتجربة، وإلاّ لتأثّر بهما إيجاباً وسلباً.
فإذا كنّا نثق كلّ الثقة باعتقادنا بهذه الحقيقة على الرغم من عدم ارتباطه بالإحساس والتجربة فمن الطبيعي أن نسلّم أنّ بالإمكان أن نثق أحياناً بالمعلومات العقلية التي يعتمد عليها الدليل الفلسفي.
وبكلمة أخرى: أنّ رفض الدليل الفلسفي لمجرّد أنّه يعتمد على معلومات عقلية لا ترتبط بالتجربة والاستقراء يعني رفض الدليل الرياضي أيضاً، لأنّه يعتمد على مبدأ عدم التناقض الذي لا يرتبط اعتقادنا فيه بالتجربة والاستقراء1.
*موجز في أصول الدين،السيد محمد باقر الصدر،دار الزهراء،بيروت ـ لبنان، ص49ـ64.
ما هو معني عبادة الله تعالي؟
اثنان وعشرون سوالا
العبودية بين الخذلان والتوفيق
معرفة الله تعالى أساس إنساني
معرفة الله عند إمام الموحدين
الإيمان بالله تعالى بين النظرة الالهية والمادية