أقوال علماء السنّة في حق أهل البيت (عليهم السلام)5
رد شبهة هل الامامة جعل الهي؟
نقل عن أبي حنيفة أنّه قال : ( ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من مسائلك الصعاب ، قال : فهيّأت له أربعين مسألة ، ثم بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخل لأبي جعفر ، فسلّمت وأذن لي ، فجلست ، ثم ألتفت إلى جعفر ، فقال : يا أبا عبد الله ، تعرف هذا ؟ قال : نعم ، هذا أبو حنيفة ، ثم أتبعها : قد أتانا ، ثم قال : يا أبا حنيفة ، هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله ، وابتدأت أسأله ، وكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها : كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون : كذا وكذا ، ونحن نقول : كذا وكذا ، فربّما تابعنا ، وربّما تابع أهل المدينة ، وربّما خالفنا جميعاً ، حتى أتيت على أربعين مسألة ... ثم قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس ) ، (1) .
وقال في مختصر التحفة الاثني عشرية : ( لو لا السنتان لهلك النعمان ) ، (2) ، يعني السنتين اللتين نهل فيهما أبو حنيفة من بحر علم الإمام الصادق (عليه السلام) .
وقال الحافظ شمس الدين الجزري : ( وثبت عندنا أنّ كلاً من الإمام مالك ، وأبي حنيفة (رحمهما الله تعالى) صحب الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) حتى قال أبو حنيفة : ما رأيت أفقه منه ، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور ) ، (3) .
وقال الجاحظ بعد مدح عشرة من أهل البيت (عليهم السلام) ، ومن ضمنهم الإمام الصادق (عليه السلام) فقال : ( ومن الذي يُعد من قريش ، أو من غيرهم ما يعدّه الطالبيون عشرة في نسق ، كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاك فمنهم خلفاء ... وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا بيوت العجم )، (4) .
وقال الذهبي في ترجمة مطوّلة للإمام الصادق (عليه السلام) في كتابه تاريخ الإسلام ، قال في آخرها : ( مناقب جعفر كثيرة ، وكان يصلح للخلافة ، لسؤدده وفضله وعمله وشرفه (رضوان الله عليه) )، (5) .
وقال أبو عبد الله سلمان اليافعي في كتابه مرآة الجنان ، في أحداث سنة (48 هـ) : ( الإمام السيد الجليل سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة أبو عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) ، ودُفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر وجدّه زين العابدين وعمّ جده الحسن بن علي (رضوان الله عليهم أجمعين) ، وأكرم بذلك القبر وما جمع من الأشراف الكرام أُولي المناقب ، وإنّما لقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها ، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله ، وهي خمس مائة رسالة )، (6) .
وقال ابن حجر العسقلاني : ( جعفر بن محمد ... المعروف بالصادق ، صدوق ، فقيه ، إمام )، (7) .
قال الملا أبو علي القاري في شرح الشفا : ( جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني المعروف بالصادق ... متفق على إمامته وجلالته وسيادته ) ، (8) .
وقال محمد بن عبد الرؤوف المناوي القاهري في الكواكب الدريّة : ( جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ... إماماً ... وله كرامات كبيرة ومكاشفات شهيرة منها أنّه سُعي به عند المنصور ، فلمّا حجّ أحضر الساعي ، وقال للساعي أتحلف ؟ قال : نعم ، فحلف ، فقال : جعفر المنصور حلّفه بما رآه ، فقال : قل برئت من حول الله وقوّته ، والتجأ إلى حولي وقوّتي ، لقد فعل جعفر كذا وكذا ، فامتنع الرجل ، ثم حلف فمات مكانه ، ومنها أنّ بعض الطغاة قتل مولاه فلم يزل يصلّي ، ثم دعا عليه عند السحر فسمعت الضجّة بموته ، ومنها أنّه لمّا بلغه قول الحكم بن عباس الكلبي في عمّه زيد :
صَلَبْنا لكم زيْداً على جِذْعِ نَخْلَةٍ |
ولم نرَ مَهْديّاً على الجذْعِ يُصْلَبُ |
قال اللّهمّ سلّط عليه كلباً من كلابك ، فافترسه الأسد ) ، (9) .
وقال ابن حجر الهيتمي في صواعقه : ( ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان ) ، (10) .
-------------------------------------------------------
الهوامش
(1) تهذيب الكمال ، المزي : ج 5 ص 79 ؛ نشر مؤسسة الرسالة .
(2) نقلاً عن أسنى المطالب عمّا في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب : ص 55 .
(3) المصدر نفسه : ص 55 .
(4) رسائل الجاحظ : ص 106 .
(5) تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات سنة 141 ـ 160) ، الذهبي : ص 93 .
(6) مرآة الجنان وعبرة اليقظان : ج 1 ص 238 .
(7) تقريب التهذيب ، ابن حجر : ج 1 ص 163 .
(8) شرح الشفا ، أبو علي القاري : ج 1 ص 43 ـ 44 .
(9) الكواكب الدريّة : ص 94 .
(10) الصواعق ، ابن حجر الهيتمي : ص 305 .
أقوال علماء السنّة في حق أهل البيت (عليهم السلام)4