رد شبهة هل الامامة جعل الهي؟(6)
دور الإمام في الأمة :
وانطلاقاً من تسالم المسلمين على أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يشغل جميع مناصب القيادة والإمامة من الحكومة السياسية ، والمرجعية الدينية والفكرية والقضائية والإجرائية وغيرها ، فالولاية الثابتة لرسول (صلّى الله عليه وآله) شاملة لجميع تلك المناصب ، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، والذي ينهض بأعباء هذه المهمّة بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، هم أهل بيته (عليهم السلام) ، الذين نصّبهم (صلّى الله عليه وآله) ، وجعلهم هداة من بعده ، وأمر المسلمين بالتمسّك بهديهم ، كما نصّ على ذلك حديث الغدير ، الذي جاء فيه قول الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) : ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه )،(1) ، وكذا ما جاء في حديث الثقلين ، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : ( أنا تارك فيكم الثقلين : أولاهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فاخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي )،(2) ، ليكملوا مسيرته (صلّى الله عليه وآله) وترشيد الأمة الإسلامية من بعده ، وهدايتها وقيادتها في جميع المجالات ، كما كان ذلك لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؛ لأنّ هذا هو ما تقتضيه عصمتهم (عليهم السلام) ، ومع وجود المعصوم لا يحق لغيره التقدم ؛ فإنّ العقل والفطرة السليمة تأبى تقديم من يجوز فيه الخطأ على مَن لا يخطأ أبداً وهو المعصوم .
وكيف يجوز أن يقدّم أحد على إنسان طاعته طاعة الله ، ومعصيته معصية الله ، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( مَن أطاعني فقد أطاع الله ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاع عليّاً فقد أطاعني ومَن عصى عليّاً فقد عصاني ) ، قال الحاكم النيسابوري في المستدرك : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (3) .
وعلى هذا الأساس تكون هداية الإمام المعصوم (عليه السلام) شاملة لكل المناصب القيادية التي ترتبط بهداية الناس ، من المرجعية الدينية والفكرية والاجتماعية والسياسية والقضائية ، ولا ينحصر دور الإمام في الحكومة السياسية فقط ، وهذه نقطة مهمّة كانت وما زالت محل التباس في الوعي الإسلامي عند أهل السنّة ؛ ظنّاً منهم أنّ الشيعة تقول بانحصار دور الإمام في الحكم السياسي فحسب ، فإذا لم يكن حاكماً لم يكن إماماً ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، بل الإمامة قيادة وهداية للأمة في كل مجالات الحياة وعلى جميع الأصعدة ، فأهل البيت (عليهم السلام) الذين ثبتت عصمتهم وشرافة علمهم هم الأجدر والأحق في تسنّم تلك المناصب ؛ ولذلك نصّب الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام) من بعده للإمامة بكافّة أبعادها . ومن ذلك كلّه يتضح أنّ إقصاء أهل البيت (عليهم السلام) عن موقعهم ، وهو القيادة والحكومة السياسية ـ التي تعتبر أحد أبعاد الإمامة ـ لا يعني زوال إمامتهم التي ثبتت بجعل إلهي وتنصيب نبوي ، بل على الأمة تقديمهم واتباعهم والإقتداء بهم .
ومن هنا نعلم أنّ الإمامة من المسائل الأساسية في الإسلام وذات مناصب متعددة ، ولكن مع ذلك قد يعتدى على بعض تلك المناصب فيقع التجاوز على حق الإمام المعصوم ، كما في الجانب الحكومي والجانب العلمي والقضائي في الأمة ، وذلك باستحداث مرجعيات حكومية مزيّفة في قبال مرجعية المعصوم الإلهية الحقّة ، وقد تحوّل بسبب ذلك نظام القيادة والخلافة في الإسلام إلى قشور لا لباب فيها ، لا سيّما في العصر الأموي ، الذي أصبح الحكم الإسلامي فيه ملكاً عضوضاً لا يحمل من الإسلام إلا اسمه ، ولكن هذا لا يعني سقوط ذلك الحق وإيقاف مسيرة الهداية ، التي تسير بقيادة أهل البيت (عليهم السلام) ، كما هو الحال في الأنبياء (عليهم السلام) ، فهم هداة للبشرية جمعاء ، وإعراض أكثر الناس عنهم لا يسقطهم عن كونهم هداة للبشرية ، فالإمامة هداية في كل تلك الجوانب ، والإمام يهدي مَن أراد الهداية والرشاد ، وأمّا الإعراض عن الاستهداء بالإمام المعصوم (عليه السلام) فلا يعني ذلك إسقاط الإمام عن إمامته وهدايته ، ولا يخفى دور أهل البيت (عليهم السلام) في هداية الأمة والمحافظة على رسالة الإسلام ، فضلاً عمّا خلّفوه من تراث ثر في مختلف العلوم رغم قساوة الظروف وشدّتها عليهم (عليهم السلام) .
وهذا التراث الشيعي زاخر بأحاديثهم وأقوالهم الشاملة لجميع مجالات الحياة المختلفة ، وهذا ما لا يكاد يخفى أيضاً على كبار أعلام أهل السنّة ، الذين استفادوا من هذا التراث ، وقد ورد في حق أئمّة أهل البيت شهادات كثيرة من قبل أهل السنّة تكشف وتبيّن فضلهم وعلو منزلتهم وصلاحيّتهم للخلافة والإمامة ، وكذا تبيّن دورهم المحوري والفاعل في الأمة ، نكتفي بذكر بعضها .
---------------------------------------------------------------------
الهوامش
(1) مسند أحمد بن حنبل : ج 1 ص 84 ، ص 118 ، ص 119 ، ص 152 ، ج 4 ص 281 ، ص 370 ، ص 372 ، ج 5 ص 347 ، ص 366 ، ص 370 ؛ سنن ابن ماجه : ج 1 ص 43 ؛ سنن الترمذي : ج 5 ص 297 ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج 3 ص 109 ـ 116 ، ص 134 ، ص 371 ، ص 533 ؛ مجمع الزوائد ، نور الدين الهيثمي : ج 7 ص 17 ، ج 9 ص 104 ؛ وقال فيه : (عن سعيد بن وهب ... راوه أحمد ورجاله رجال الصحيح) ؛ فتح الباري : ج 7 ص 61 ؛ وقال فيه : ( فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ) ؛ صحيح ابن حبان: ج 15 ص 376 وما بعد ، وغيرها من المصادر الكثيرة جداً ، فراجع .
(2) صحيح مسلم : ج 4 ص 1873 ح 2408 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 1 ص 170 ، قال الهيثمي : رواه الطبري في الكبير ورجاله ثقات ؛ ج 9 ص 162 ـ 163 ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص 341 ـ 342 ، وقال : ( وفي رواية صحيحة : كأنّي قد دعيت ... ) ، تفسير ابن كثير : ج 4 ص 122 ، قال فيه : ( وقد ثبت في الصحيح أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال في خطبته بغدير خم ( الحديث ) ؛ صحيح الترمذي ، الألباني : ج 3 ص 543 ح 3788 ، قال : ( صحيح ) ؛ وصحّحه أيضاً في صحيح الجامع الصغير : ج 1 ص 842 ، ح 2457 ؛ والمصادر في ذلك كثيرة جداً ، وبطرق تبلغ حد التواتر ؛ فراجع .
(3) المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج 3 ص 121 ، ص 128 ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج 42 ص 307 .
رد شبهة هل الامامة جعل الهي؟(4)
رد شبهة هل الامامة جعل الهي؟(3)
رد شبهة هل الإمامة جعل إلهي ؟(2)
رد شبهة هل الإمامة جعل إلهي ؟(1)