• عدد المراجعات :
  • 6384
  • 10/8/2007
  • تاريخ :

أقوال المعصومين في القرآن

القرآن

 

1- الرسول: لا يعذب الله قلباً وعى القرآن.

2- أمير المؤمنين: إن الله سبحانه لم يعظ أحداً بمثل القرآن.

3- لرسول في حديث: "إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وما حل مصدق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس الهزل".

4- الرسول: إن لأعجب كيف لا أشيب إذا قرأت القرآن.

5- الرسول: ما من رجل علم ولده القرآن إلا توج الله أبويه يوم القيامة بتاج الملك، وكسيا حلتين لم ير الناس مثلهما.

6- روي عن الجبار عز وجل يخاطب القرآن يوم القيامة: "وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لأكرمن اليوم من أكرمك، ولأهينن من أهانك".

القرآن و أهل البيت (عليهم السلام)

1- قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): "من أحب الله فليحبني، ومن أحبني فليحب عترتي. إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، ومن أحب عترتي فليحب القرآن".

2- وقال (صلى الله عليه وآله): "…هم مع القرآن، والقرآن معهم، لا يفارقونه حتى يردوا عليّ الحوض".

3- وقال (صلى الله عليه وآله): "علي مع القرآن، والقرآن معه، لا يفترقا حتى يردا عليّ الحوض".

4- وقال (صلى الله عليه وآله): "فضل الله عز وجل القرآن والعلم بتأويله ورحمته وتوفيقه لموالاة محمد وآله الطاهرين ومعاداة أعدائهم".

5- وعن أم سلمة قالت: "سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه يقول - وقد امتلأت الحجرة من أصحابه: أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا، فينطلق بي، وقد قدمت القول معذرة إليكم، ألا إني مخلف فيكم الثقلين كتاب ربي عز وجل وعترتي أهل بيتي. ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فرفعها، فقال: هذا علي مع القرآن، والقرآن مع علي، خليفتان بصيران لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض".

6- وقال الإمام علي (عليه السلام): "إن الله تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا، وجعلنا شهداء على خلقه وحجته في أرضه، وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا".

7- وقال (عليه السلام): "نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد، فينا نزل القرآن وفينا معدن الرسالة".

8- وقال علي بن الحسين (عليه السلام): "مثلنا في كتاب الله كمثل مشكاة، فنحن المشكاة والمشكاة الكوة، فيها مصباح والمصباح في زجاجة، والزجاجة محمد (صلى الله عليه وآله)، كأنه كوكب دري، يوقد من شجرة مباركة،" قال علي (عليه السلام): "زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور القرآن، يهدي الله لنوره من يشاء، يهدي لولايتنا من أحب".

9- وعن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْل الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون) قال: "الذكر: القرآن، ونحن أهله".

10- وعنه (عليه السلام): "نزل القرآن على أربعة أرباع، ربع فينا، وربع في عدونا، وربع في فرائض وأحكام، وربع سنن وأمثال، ولنا كرائم القرآن".

11- وعنه (عليه السلام): " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي ثم أمتي، ثم أسألهم ما فعلتم بكتاب الله و أهل بيتي".

12- وعنه (عليه السلام) في قوله عز وجل: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ)، قال: "الثقلان نحن والقرآن".

13- وعنه (عليه السلام): "إن الله جعل ولايتنا أهل البيت قطب القرآن".

14- وعنه (عليه السلام): "يا مفضل، لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا في فضلنا".

15- وعنه (عليه السلام): " إن الله جعل ولايتنا أهل البيت قطب القرآن وقطب جميع الكتب، عليها يستدير محكم القرآن، وبها يوهب الكتب، ويستبين الإيمان، وقد أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقتدى بالقرآن وآل محمد (صلى الله عليه وآله)، حيث قال في آخر الخطبة خطبها: إني تارك فيكم الثقلين، الثقل الأكبر والثقل الأصغر، فأما الأكبر فكتاب ربي، وأما الأصغر فعترتي أهل بيتي، فاحفظوني فيهما، فلن تضلوا ما تمسكتم بهما".

القرآنُ الكريم عِند أهل البيت (عليهم السّلام)

للقرآن الكرَيم مكانة كبرى عند المسلمين لم تكن لأيّ كتابٍ آخر سواه. فمنذ نزوله أحبُّوه، وتَلَوْا ما تيَسَّر لهم منه آناء اللّيل وأطراف النّهار، وحَفِظُوا آياته، وحَفَّظوهُ أبنائهم، واعتنَوا بتفسيره، واستجلاء مقاصده.

وقد كان هذا طبيعيّاً، فهو كتاب الله العظيم، المستجِمع لجميع عناصر الرّوحانية والجمال، وهو الذي أوجدَ منهم اُمةً عظيمةَ الشّأن، منيعة الجانب، سامية الحضارة، محترمةً بين الشّعوب والأمم، بما أعطاهم من شخصيّة وسموٍّ في الذّات والمعنى.

غير أنَّ القرآن الكريم كان له عند أهل بيت النّبوّة ـ بدءً بالإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) ومروراً بفاطمة الزّهراء (عليها السّلام) ثمّ الحسنين والأئمّة التّسعة مِن وُلْد الحسين ـ مكانة أكبر، ومنزلَة أسمى فاقت ما لهذا الكتاب العظيم من المكانة والمنزلة عند غيرهم من المسلمين.

1ـ أهميّة القرآن الكريم عند أهل البيت (عليهم السّلام)

1- هذا أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السّلام) يقول في شأن القرآن موجِّهاً أنظار المسلمين إلى أهميَّة هذا الكتاب الإلهيّ المقدس: «اللهَ الله أيُّها النّاسُ فيما استحفَظَكم من كتابه».

2- وقال في هذا المجال أيضاً:« عَليكُم بكتاب الله فإنَّه الحَبلُ المتين، والنّورُ المبين، والشّفاءُ النّافع، والرِّيّ الناقِع، والعصمةُ للمتمسّك، والنّجاةُ للمتعلِّق، لا يَعْوَجُّ فيُقام، ولا يَزيغُ فَيُستَعتَب».

3- وهذا الإمام سيّد السّاجدين عليّ بن الحسين (عليه السّلام) يقول عن القرآن الكريم: «لو ماتَ مَن بينَ المشرق والمغرِب لَما اْستوحشتُ، بعد أن يكون القرآن معي».

ولم يكن هذا بالأمر الغريب، فهم سلام الله عليهم قُرَناء الكتاب حسب حديث (الثّقلين) المتواتر، وهما معاً يشكّلان المصدرَين الأساسِيَّين للمعرفة الإسلاميّة بعد ارتحال رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلا غرابة أن تهتمّ العترةُ النّبويّة بالكتاب وتلفت النظر إليه، كما اهتمّ الكتاب بالعترة الطاهرة، ولَفت الأنظار إليها بقوله: «إنّما يريدُ الله ليُذهب عنكم الرّجس أهل البيتِ ويطهّركم تطهيراً»، وقوله: «قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المَودَّة في القربى».

من هنا حثَّ أهلُ البيت (عليهم السّلام) كثيراً على العناية بالقرآن الكريم بجميع الأشكال والصور:

• قال الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام): «تعلّموا القرآن فانه أحسن الحديث، وتفقّهوا فيه فإنَّه ربيع القلوب».

• وقال حفيده الإمام جعفر الصّادق (عليه السّلام): «يَنْبغي للمؤمن أنْ لا يموت حتّى يَتعَلّم القرآنَ، أو يكونَ في تعلّمه».

• وقال الإمام الصّادق (عليه السّلام) أيضاً:«مَنْ شُدِّدَ عليه في القرآن كان له أجران، ومن يُسِّرَ له كان مع الأوَّلين». وأكَّدوا على تعليمه للشّباب والأولاد خاصة.

• قال الإمام الحسن بن عليّ العسكري (عليه السّلام): «إنّ القرآن يأتي يومَ القيامة بالرّجل الشّاحبِ يقولُ لربّه: يا ربّ، هذا أظمأتُ نهارَه، وأسهرتُ ليلَه، وقوّيت في رحمتك طمعه، وفسحتُ في رحمتك أمله، فكن عند ظنّي فيك وظنّه. يقول الله تعالى: أُعطوه المُلكَ بيمينه والخُلد بِشماله، واقرِنوه بأزواجه من الحور العين، واكسُوا والديه حلّة لا تقوم لها الدّنيا بما فيها، فينظر إليهما الخلائق فيعظّمونهما، وينظران إلى أنفسهما فيعجبان منهما، فيقولان: يا ربّنا، أنّى لنا هذه ولَم تَبلُغْها أعمالُنا؟! فيقول الله عزّ وجلّ: ومع هذا تاج الكرامة، لم يَرَ مثلَه الرّاؤون ولم يسمع بمثله السّامعون، ولا يتفكَّر في مثله المتفكّرون، فيقال: هذا بتعليمكما ولدَكُما القرآن، وبتبصيركما إيّاه بدين الإسلام، وبرياضتكما إيّاه على حُبّ محمّد رسول الله وعليّ وليّ الله صلوات الله عليهما، وتفقيهكما إيّاه بفقههما».

• وقال الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) في هذا الصّدد: «إنّ الله عزّ وجلّ لَيهمُّ بعذاب أهل الأرض جميعاً حتّى لا يحاشي منهم أحداً إذا عَمِلوا بالمعاصي واجترحوا السّيّئات، فإذا نظر إلى الشِّيب ناقلي أقدامهم إلى الصَّلوات، والوِلدان يتعلَّمون القرآن، رحمَهُم فأخَّر ذلك عنهم». ودعا الأئمّة الطّاهرون النّاسَ وشيعتهم خاصّة إلى الإكثار من قراءة القرآن الكريم وتلاوة آياته.

• قال الإمام محمّد بن عليّ الباقر (عليه السّلام):«إنّما شيعةُ علّي.. كثيرةٌ صَلاتُهم كثيرةٌ تلاوتُهم للقرآن».

• وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السّلام): «عليكُم بتلاوة القرآن؛ فإنَّ درجاتِ الجنّة على عَدَد آيات القرآن، فإذا كان يومُ القيامة قيل لقارئ القرآن: إقْرَاْ وارقَ. فكلّما قرأ آية يرقى درجة».

• وقال (عليه السّلام) أيضاً: «القرآنُ عهدُ الله إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن يَنظُر في عهده، وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية».

• وقال (عليه السّلام) كذلك وهو يؤكد على التّلاوة في المصحف بالذّات: «مَن قرأ القرآن في المصحَف مُتِّعَ ببصره وخُفّفَ عن والِدَيه وإن كانا كافرَين».

• وسئِلَ الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين (عليه السّلام) ذات مرّة: أيّ الأعمال أفضل؟ فقال: الحالُّ المُرْتحِل. فقيل: وما الحالُّ المرتحِل؟ فقال (عليه السّلام): «فَتْح القرآن وَخَتْمه، كلّما جَاءَ بأوّله ارتحَلَ في آخره». أي خَتَمَ القرآن وابتَدَأ بأوّله ولم يفصل بينهما بزمان.وحثَّ الأئمّة من أهل البيت عليهم صلوات الله على حفظ آيات القرآن واستظهارها، وقراءتها عن ظهر قلب ليختلط بدم المسلم ولحمه، ويملأ عقلَه وفؤادَه:

• قال الإمام جعفر الصّادق (عليه السّلام):«إقرَأُوا القُرآنَ واستَظهِروه، فإنَّ اللهَ لا يُعَذّبُ قلبَاً وعَى الْقرآن».

• وقال (عليه السّلام) في هذا الصدد:«مَن استَظْهَرَ القرآن، وحفِظه وأحلّ حلالَه وحرَّم حرامَه أدخلَه الله الجنّة به، وشفّعه في عشرة من أهله كلّهم قد وجبَ لهمُ النّار».

• وعمّن يعالج حفظ القرآن وهو يعاني من ضعف الذّاكرة وقلّة الحفظ.. قال الإمام جعفر الصّادق (عليه السّلام):«إنّ الذي يعالجُ القرآن ليحفَظَه بمشقّة مِنهُ، وقِلّة حِفظه، له أجران».

وأكدّوا (عليهم السّلام) أن يؤكّدوا على قراءة القرآن الكريم بالصَّوت الحَسَن، لأنَّ ذلك يزيد من روعته وجماله، ويساعد على تأثيره في النفوس ونفوذه في القلوب. فالصَّوت الحَسَن قيمة جماليّة وأحرى بها أن تَنْضمَّ إلى أجمل جَمالات الكون، ألا وهو القرآن الكريم، وبالتالي تتناسق نغمة الصوت الحسن ونسمة الوحي المقدّس لتحيي القلوب، وتنعش النّفوس. ألم يَقُل رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّ مِن أجمل الجمال الشِّعر الحسن، ونَغمةُ الصَّوتِ الحَسَن».فأيّ موضع أجدر بأن تستعمل فيه هذه الموهبة الإلهيّة من قراءة القرآن وتلاوته؟!

• وقال الإمامُ أبو جعفر الباقر (عليه السّلام) لأبي بصير عندما قال للإمام (عليه السّلام): إذا قرأتُ القرآن فرفعتُ به صَوتي جاءني الشّيطانُ فقال: إنّما تُرائي بهذا أهلَكَ والناسَ: «يا أبا محمّد، إقرأ قراءَة ما بين القراءتين تُسمعُ أهلَك، ورجِّع بالقرآن صوتَك، فإنَّ الله عزّ وجلّ يحبّ الصّوتَ الحَسَن يُرجَّع فيه ترجيعاً». أي إقرأ قراءةً متوسّطةً، لا هي بالخفيَّة التي لا تُسمَع، ولا هي بالعالية التي تَصُكُّ الآذان. ومن هنا قال الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق (عليه السّلام): «يكرَه أن يُقرَأ قل هو اللهُ أحد، بنَفَس واحد».  لأن ذلك من شأنه التقليل من فرَص الانتباه إلى جمال هذه السورة، والتقليل بالتالي من نفوذها في نفس القارئ والسّامع. وقد كانت تلاوة القرآن بالصَّوت الحَسَن والقراءة الجميلة هو ما عُرف عن أهل البيت (عليهم السّلام).

• عن أبي عبد الله الإمام جعفر الصّادق (عليه السّلام) أنه قال: «كان عليّ بن الحسين (السجّاد) صلوات الله عليه أحسَنَ النّاس صوتاً بالقرآن، وكانَ السَّقّاؤون يمرُّون فيقفون ببابه يسمَعون قراءته. وكان أبو جعفر (الباقر) (عليه السّلام) أحسَنَ النّاس صوتاً (أي بالقرآن)».

وممّا أكّد أهل البيت (عليهم السّلام) عليه في مجال القرآن هو قراءته في البيوت، ووجود مصحف شريف في البيت، لما يتركه ذلك (أي القراءة ووجود المصحف الكريم في البيت) من آثار معنوية في نفوس أهله وعقولهم وخلقهم وسلوكهم وحياتهم بصورة عامّة.

• قال الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام):«البيت الذي يُقرَأُ فيه القرآن ويذكَرُ الله عزَّ وجلّ فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة، وتهجره الشّياطين، ويُضيء لأهل السّماء كما تضيء الكواكب لأهل الأرض. وانّ البيت الذي لا يُقرأ فيه القرآن ولا يُذكر الله عزّ وجلّ فيه تقلّ بركته، وتهجره الملائكة، وتحضره الشّياطين».

• وقال الإمام الباقر محمّد بن عليّ (عليه السّلام) في هذا الصّدد:«إنّي لَيُعجبني أن يكون في البيت مصحف يطرد اللهُ عزّ وجلّ به الشّياطين».

كما أكّدوا (عليهم السّلام) على ختم القرآن الكريم في مكّة المكرمة، أي في أجواء نزول القرآن المكانيّة، وإن حُرِمنا من أجوائها الزّمانيّة، ومن المعلوم ما للأجواء الزّمانيّة والمكانيّة من تأثير وإيحاء نفسي.

• قال الإمام محمّد الباقر (عليه السّلام):«مَن خَتَم القرآن بمكّة لم يَمُت حتّى يرى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ويرى منزلَه من الجنّة».

وكان التأكيد أيضاً على كثرة تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان، شهر نزول القرآن الكريم الذي يمثلّ الأجواء الزّمانيّة، أليس نزول القرآن كان في شهر رمضان؟!

• في فقه الرضا (عليه السّلام) ،في باب الصوم: «وأَكثِرْ في هذا الشّهر المبارك من قراءة القرآن».أما الإصغاء إلى القرآن الكريم عند تلاوته، احتراماً وتبجيلاً، بل واحترام القرآن الكريم مطلقاً، وفي كلّ زمان ومكان، فقد ورد عن أهل البيت (عليهم السّلام) في شأنه وحقّه ما يحمل المسلم على احترام الكتاب العزيز أشدّ الاحترام، وتكريمه أشدّ الإكرام.

• قال الإمام جعفر الصّادق (عليه السّلام):«مَن استَمع حَرفاً مِن كتاب الله من غير قراءة كَتَب اللهُ له حسنة، ومحا عنه سيّئةً، ورفعَ له درجة».

• وقال (عليه السّلام) أيضاً:«يجبُ الإنصات للقرآن في الصّلاة وغيرها، وإذا قُرِئ عندك القرآنُ وَجَب عليكَ الإنصات والاستماع له»

• وقال عليّ (عليه السّلام) عن المواضع التي ينبغي أو يجب تجنُّبُ قراءة القرآن فيها إكراماً له، وحفظاً لشأنه:«سبعةٌ لا يَقرأون القرآنِ: الرّاكعُ والسّاجدُ، وفي الكنيفِ وفي الحمّام، والجنُب والنُفَساء والحائض».

موقف أهل البيت العملي من القرآن

 

وأما موقف أهل البيت العمليّ من القرآن الكريم فكان موقفاً يدعو إلى التأمّل والتدبر، كما يدعو إلى الإعجاب والإكبار.

ونحن ننقل هنا نماذج جاءت على لسان أهل البيت أنفسهم أو على لسان من كتَب عنهم من علماء الإسلام ومؤرّخيه ومن المتعرّضين لسيرتهم (عليهم السّلام).

• روى الصّدوق في الخصال بسنده إلى نَوف البَكالي قال: بِتُّ عند أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السّلام) فكان يُصلّي اللّيل كلَّه، ويخرج ساعة بعد ساعة فينظر إلى السّماء ويتلو القرآن.

• وكتب ابن كثير في تاريخه: كان الإمام الحسَن بن عليّ (عليه السّلام) لا يمرُّ بآية تشتمل على نداء المؤمنين إلاّ قال: اللّهمّ لبَّيك، اللّهمّ لبَّيك. وكان يقرأُ في كلِّ ليلة سورة الكهف.

• وكتب محمد بن طلحة الشّافعي في عبادات الإمام الحسن يقول:كان كأبيه في الجهاد بنفسه وبماله، وفي العبادة والصّلاة والصّيام وتلاوة القرآن.

وعنه يقول ابن نسوة التّميمي:

 

فليت قَلُوصي عرّبت أو رَحَلتُها
إلـى حَسَن في داره وابن جعفرِ
إلى ابن رسول الله يأمر بالتُّقى
ويقرأ آيات الكتاب المطهَّــــــــرِ

 

• وروى الطّبريّ فيمن روى أحداث واقعة كربلاء أنّه لمّا أراد جيش ابن سعد بدء القتال ومهاجمة المعسكر الحسيني، قال الإمام الحسين عليه السّلام لأخيه العبّاس بن عليّ عليه السّلام: إذهب إليهم واستَمهِلهم هذه العشيّة إلى غد؛ لعلنّا نصلّي لربّنا اللّيلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي اُحبّ الصّلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدّعاء والاستغفار.

• وعن أبي الحسن الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام أنّه قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقرأ القرآن، فربّما مرّ به المارُّ فصَعِق مِن حُسن صوته.

• وقال مالك بن أنس (مؤسّس المذهب المالكي) في الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام:«جعفر بن محمّد، اختلفتُ إليه زماناً فما كنتُ أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال: إمّا مُصَلّياً، وإمّا صائماً، وإمّا يقرأ القرآن».

• وجاء في الكافي عن حفص حول الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام أنّه قال: ما رأيت أحداً أشدَّ خوفاً ( أي من الله ) على نفسه من موسى بن جعفر عليه السّلام، ولا أرجى للنّاس منه، وكانت قراءته (أي للقرآن) حزناً، فإذا قرأ فكأنّه يخاطب إنساناً».

• وقال ابن شهر آشوب فيه عليه السّلام أيضاً: كان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب الله وأحسنهم صوتاً بالقرآن، فكان إذا قرأ تحزَّنَ وبكى، وبكى السّامعون لتلاوته.

• وأمّا الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام فقد جاء في كتاب «إعلام الورى بأعلام الهدى» عند ذكر طرف من خصائصه ومناقبه وأخلاقه: إنّ إبراهيم بن العبّاس (الصَّولي) قال: ما رأيت الرّضا عليه السّلام سئِل عن شيء إلاّ علِمه، ولا رأيتُ أعلمَ منه بما كان في الزّمان إلى وقته وعصره، وكان المأمون يمتحنه بالسّؤال عن كلّ شيء فيجيب عنه، وكان جوابه كلّه وتمثُّله انتزاعات من القرآن المجيد، وكان يختمه في كلِّ ثلاث، وكان عليه السّلام يقول: «لو أنّي أردتُ أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمتُ، ولكنّني ما مررتُ بآية قطّ إلاّ فَكَّرتُ فيها، وفي أيّ شيء اُنزِلت وفي أي وقت، فلذلك صرتُ أختمه في كلّ ثلاث».

• وقال المسعودي في مروج الذّهب: سُعِيَ إلى المتوكل بعليّ ( الهادي ) بن محمد الجواد عليه السّلام أنّ في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قمّ، وأنّه عازم على الوثوب بالدَّولة، فبعث إليه جماعةً من الأتراك فهجموا على داره ليلاً فلم يجدوا فيها شيئاً ووجدوه في بيتٍ مغلَقٍ عليه، وعليه مدرعةٌ من صوف وهو جالس على الرَّمل والحَصا ومتوجّهُ إلى الله تعالى يتلو آياتٍ من القرآن.

هذا، وما ذكرناه هنا ليس سوى نماذج معدودة من موارد عديدة كثيرة، لو أحصاها أحد وتقصّاها وتتبَّعها لتهيّأ منها مجلد ضخم كثير العبر والدروس.

ولم يكن هذا بالأمر العجيب، فأَهلُ البيت بدءً بالإمام عليّ عليه السّلام وولديه الحسن والحسين عليهما السّلام أعرَف من غيرهم بقيمة القرآن الكريم وعظمته، وبفضله ومحتواه.

 أهلُ البيت وعلومُ القرآن

كان أهلُ البيت عليهم السّلام السبّاقين إلى التحدث في علوم القرآن الكريم من: تفسيره وتبيان مقاصده، وتعليم مفاهيمه للناس وبيان ما يرتبط به من شؤون، مثل أسباب النزول ومواقع النزول وما شابه ذلك.

وإليك ما كتبه ابن النديم في الفهرست حول الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في مجال الاهتمام بالقرآن جمعاً وتدويناً، وإليك نص ما دبَّجه بالنص:

ترتيب سور القرآن في مُصحَف أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.

• قال ابن المنادي: حدَّثني الحسنُ بن العباس قال: اُخبرتُ عن عبد الرحمان بن أبي حماد عن الحكم بن ظهير السَّدوسي، عن عبد خير عن عليّ عليه السّلام أنَّه رأى من النّاس طِيرَة عند وفاة النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم، فأقسم أنه لا يضعُ على ظَهره رداءه حتّى يجمع القرآن، فهو أوَّل مصحَف جمع فيه القرآن مِن قلبه.

وهكذا كان أوّل اهتمامات الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، عقب وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله والتحاقه بالرفيق الأعلى هو جمع القرآن المنزَّل من أوله إلى آخره.

• وقال السيوطي في «الإتقان»: وأمّا عليٌ فرَوى عنه الكثير، وقد روى معمَّر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال: شهدتُ عليّاً يخطب وهو يقول:

سلوني، فوالله لا تسألونني عن شيء إلاّ أخبرتكم. وسلوني عن كتاب الله، فواللهِ ما من آية إلاّ وأنا أعلمُ أبليلٍ نزلَت أم بنهار، في سَهلٍ أم في جَبل.

• وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود قال: إن القرآن اُنزِلَ على سبعة أحرف، ما منها حرف إلاّ ولَه ظَهر وبطن، وإنّ عليّ بن أبي طالب عنده من الظاهر والباطن.

وإليك أيضاً نصّ ما كتبه ابن النديم عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السّلام في فهرسته: «تسمية الكتب المصنّفة في تفسير القرآن ـ ثمّ قال: كتابُ الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السّلام».

• وقال الشيخ المفيد أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان: لم يظهر عن أحد من ولُد الحسن والحسين عليهم السّلام من علم الدين والسُّنَن وعِلم القرآن والفنون والأدب ما ظهر من أبي جعفر الباقر (عليه السّلام).

• وكتب كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي عن نشاط الإمام جعفر الصادق عليه السّلام القرآني يقول:«جعفر بن محمّد من علماء أهل البيت وساداتهم، ذو علوم جمّة... وتلاوةٍ كثيرةٍ، يَتَتَبَّعُ معاني القرآن ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه».

• وأنشد مالك الجهنيّ في شأن الإمام محمد بن عليّ الباقر عليه السّلام يقول:

 

إذا طلـَبَ الناسُ علم القُران
كانــت قريشٌ عليه عيـــالا
وإن فاه فيه ابنُ بنتِ النبي
تلقّت يـــــداهُ فُروعاً طِوالا
نجــومٌ تهلَّلُ لِلمُدلجين
فَتَهدي بأنوائهن الرجالا(48)

 

وجاء في «إرشاد» الشيخ المفيد رحمه الله، أنّ المأمون العباسي لمّا أراد أن يزوّج ابنته اُمَّ الفضل أبا جعفر الإمام محمد بن عليّ ( الجواد ) عليهما السّلام بلغ ذلك العباسيين فشقّ عليهم، واعترضوا على المأمون، وجرى بينهم وبينه جدال ونقاش. ومما قالوه هو: يا أمير المؤمنين، أتُزوّج ابنتك وقرة عينك صبيّاً لم يتفقّه في دين الله، ولا يعرف حلاله من حرامه، ولا فرضه من سنته ؟!... فأمهِلْه ليتأدب ويقرأ القرآن ويتفقه في الدين ويعرف الحلال من الحرام، ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم المأمون: ويْحكُم! إني أعرَفُ بهذا الفتى منكم، وإنه لأفقهُ منكم وأعلم بالله ورسولهِ وسنّته وأحكامه، وأقرأُ لكتاب الله منكم وأعلم بمحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وظاهره وباطنه، وخاصّه وعامّه، وتنزيله وتأويله منكم.. إلى آخر كلامه.

• وقال أبو نؤاس وهو يمدح الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام عاكساً نظرة الناس إليه وإلى من تقدَّمه من أئمّة أهل البيت (عليهم السّلام):

 

مُطَهَّــــــــــــــــــرون نَقيّاتٌ ثيابُهُمُ
تجـري الصلاة عليهم أينما ذُكِرُوا
مــــــن لم يكُنْ عَلَويّاً حينم تَنسبُهُ
فما لــــــه في قديم الدهر مفتَخَرُ
فالله لما بَرى خَلْقاً فأتقنـــــــــــــه
صفّاكـمُ واصطفاكم أيّها البشــــــرُ
وأنتــــــــــمُ المَلأُ الأعْلى وعِندكْمُ
علْمُ الكتاب وما جاءَت به السُّورُ

 

• وروى الحميري عن محمد بن سعيد مولى لوُلد جعفر بن محمد قال: قدم عمر بن الفرج المرخجي المدينةَ حاجّاً بعد مُضيّ أبي جعفر ( أي وفاة الإمام الجواد عليه السّلام ) فاحضر جماعة من أهل المدينة والمخالفين المعاندين لأهل بيت رسول الله فقال لهم: إبغُوا لي رجلاً من أهل الأدَب والقرآن والعلم لا يوالي أهلَ هذا البيت، لأضمَّهُ إلى هذا الغلام، واُوكله بتعليمه، وأتقدم إليه بأن يمنع منه الرافضةَ الذين يقصدونه، يمسُّونه. فأسمَوا له رجلاً من أهل الأدب يُكنّى أبا عبدالله ويعرف بالجنيدي، متقدماً عند أهل المدينة في الأدب والفهم، ظاهر الغضب والعداوة..

فأحضره عمر بن الفرج وأسنى له الجاري من مال السلطان وتقدَّم إليه بما أراد، وعرّفه أن السلطان أمَرَهُ باختيار مثله، وتوكيله بهذا الغلام.

قال: فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن في القصر بـ «صريا» فإذا كان الليل أغلق الباب وأقفله، وأخذ المفاتيح إليه. فمكث على هذا مدةً وانقطعت الشيعةُ عنه وعن الاستماع إليه منه والقراءة عليه.

ثمّ اني لقيته في يوم جمعة فسلّمت عليه، وقلت له: ما قال هذا الغلام الهاشميّ الذي تؤدّبُهُ ؟ فقال منكراً علَّي: تقولُ هذا الغلام، ولا تقول الشيخَ الهاشمي ؟! اُنشدكُ اللهَ هل تعلمُ في المدينة أعلم منّي ؟! قلت: لا. قال: فاني والله أذكر له الحزبَ من الأدَب أظنُّ أني قد بالغتُ فيه فيملي عليَّ بما فيه أستفيده منه، ويظنّ الناس أنّي اُعلّمُهُ، وأنا واللهِ أتعلَّم منه.

قال: فتجاوزتُ عن كلامه هذا، كأنّي ما سمعتهُ منه، ثمّ لقيتُه بعد ذلك فسلّمتُ عليه وسألتُه عن خبره وحاله، ثمّ قلت: ما حال الفتى الهاشميّ ؟ فقال لي: دَع هذا القولَ عنك، هذا واللهِ خير أهل الأرض وأفضلُ مَن خُلق، إنّه لربما هَمّ بالدخول ( أي الدخول إلى حجرته للاستراحة ) فأقول له: تَنَظَّرْ حتّى تقرأ عُشْركَ، فيقول لي: أي السُّور تحبُ أن أقرأها ؟ فأذكر له من السور الطوال لم يبلغ إليه، فَيَهُزُّها بقراءة لم أسمع أصحَّ منها من أحدٍ قط، وحزمٍ أطيب من مزامير داود النبيّ الذي بقراءته يضرب المثل.

قال: ثم قال: هذا ماتَ أبوهُ بالعراق وهو صغير بالمدينة، ونشأ بين هذه الجواري السود فمن اين عَلِمَ هذا ؟!

قال: ثمّ ما مرّت به الأيّامُ والليالي حتّى لقيتُه فوجدتُه قد قال بإمامته وعرف الحق.

أهلُ البيت بالمرصاد لمن يسيء إلى القرآن

على أن عِناية أهل البيت (عليهم السّلام) لم تقتصر على ما مرَّ، بل كانوا بالمرصاد لكل من يكيد للقرآن الكريم ويريد الاساءة إليه، أو حصلت له شبهة فراح يجري وراء شبهته، فكانوا يردُّون عن القرآن كيدَ الكائدين، وعادية المعادين، أو يدفعون عنه ما تُلقى حوله من شبهات. وهذه بعض النماذج من هذا الموقف العظيم:

• قال هشام بن الحكم ( وهو من تلامذة الإمام الصادق عليه السّلام وأصحابه ): اجتمع ابنُ أبي العوجاء وأبو شاكر الديصاني الزنديق، وعبدُ الملك البصري، وابنُ المقفّع عند بيت الله الحرام يستهزئون بالحاجّ ويطعنون بالقرآن.

فقال ابن أبي العوجاء: تعالَوا ننقض كل واحدٍ منّا رُبْعَ القرآن، وميعادُنا مِن قابِل في هذا الموضع نجتمع فيه، وقد نَقَضنا القرآن كلَّه، فانَّ في نقض القرآن إبطال نبوّة محمّد، وفي إبطال نبوّته إبطال الإسلام، وإثبات ما نحن فيه.

فاتفقوا على ذلك وافترقوا، فلمّا كان مِن قابِل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العوجاء:

أمّا أنا فمفكِّرٌ منذ افترقنا في هذه الآية: «فَلَمّا استَيأسُوا منه خَلصُوا نَجيّاً» ، فما أقدرُ أن أضمَّ إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئاً، فشغلتني هذه الآية عن التفكّر فيما سواها. فقال عبدالملك: وأنا منذُ فارقتُكم مفكِّرٌ في هذه الآية: «يا أيّها الناسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعُوا لهُ إنَّ الذين تَدعُون مِن دون الله لن يَخلُقوا ذُباباً ولو اجتمعوا له وإن يَسلُبْهمُ الذُّباب شيئاً لا يَستنقذوه منه ضَعُفَ الطّالبُ والمطلوب» ، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.

فقال أبو شاكر: وأنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية: «لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ الله لَفَسدتا» لم أقْدر على الإتيان بمثْلها.

فقال ابن المقفع: يا قوم، إنَّ هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، وأنا منذُ فارقتكم مفكّرٌ في هذه الآية: «وقيل يا أرضُ اْبلَعي ماءَكِ ويا سماءُ أقلِعِي وغِيضَ الماء، وقُضِيَ الأمرُ، واستوَتْ على الجُوديِّ وقيلَ بُعداً للقَومِ الظّالمِين» ، لم أبلغْ غاية المعرفة بها، ولم أقِدرْ على الإتيان بمثلها.

قال هشام: فبينما هم في ذلك إذ مرَّ بهم جعفرُ بن محمد الصادق عليه السّلام فقال: «قلْ لَئنِ اْجتَمَعَتِ الإنسُ والجنُّ على أن يأتُوا بمِثلِ هذا القُرآنِ لا يأتون بِمِثلهِ ولو كان بعضُهم لبعضٍ ظَهيراً» .

فنظر القومُ بعضهم إلى بعضٍ وقالوا: لئن كان للإسلام حقيقةٌ لَما انتهى أمرُ وصيّة محمد إلاّ إلى جعفر بن محمّد، واللهِ ما رأيناه قطّ إلاّ هِبْناه، واقشعَرَّتْ جلودُنا لهَيبته. ثمّ تَفَرَّقوا مُقرِّين بالعَجز.

• وقد تصدى الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام لدحض شبهات الزنادقة حول القرآن الكريم، في أحاديث متعددة ومفصَّلة ورائعة. نلفت إخواننا الأعزاء إليها بذكر العنوان. (بحار الأنوار الجزء 93 من الصفحة 98 إلى الصفحة 142، باب ردّ التناقض في القرآن).

• ونكتفي هنا بذكر رواية عن موقف حفيده الإمام العسكري عليه السّلام في قضيةٍ مماثلة، وإليك نص الرواية:

كتب أبو القاسم الكوفي في كتاب (التبديل) أنّ إسحاق الكِندي كان فيلسوف العراق في زمانه، أخذ في تأليف (تناقض القرآن)، وشَغَلَ نفسَه بذلك، وتفرّدَ به في منزله.

وإنّ بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري عليه السّلام فقال له أبو محمّد العسكري عليه السّلام: أما فيكم رجلٌ رشيد يرَدَعُ اُستاذكم (الكنديّ) عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟

فقال التلميذ: نحنُ من تلامذته، كيف يجوز منّا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره؟!

فقال أبو محمّد عليه السّلام: أتؤدّي إليه ما اُلقيه إليك ؟ قال: نعم.

قال: فصِرْ إليه، وتلطَّفْ في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعتِ الاُنسَةُ في ذلك فقل: قد حَضَرتْني مسألة أسألكَ عنها. فانّه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاكَ هذا المتكلم بهذا القرآن، هل يجوز أن يكون مرادُه بما تكلَّم به منه غير المعاني التي قد ظننتَها أنك ذهبتَ إليها ؟ فإنه سيقول: إنَّهُ من الجائز؛ لأنه رجلٌ يفهمُ إذا سمعَ، فإذا أوجب ذلكَ فقلْ له: فما يُدريك لعلَّهُ قد أرادَ غير الذي ذهبتَ أنتَ إليه، فتكون واضعاً لغير معانيه!

فصار الرجلُ إلى (الكِندي) وتلطَّفَ إلى أن ألقى عليه هذه المسألة.

فقال له: أعِدْ عليَّ! فأعاد عليه، فتفكَّر في نفسه، ورأى ذلك محتمَلاً في اللغة، وسائغاً في النظر.

وجاء في (المناقب) لابن شهر آشوب: أنّ الكِنديّ لما سمع من تلميذه ما علّمه الإمام العسكري قال: أقسمتُ عليكَ إلاّ أخبرتَني مِن أين لكَ هذا ؟

فقال: إنّه شيء عَرَضَ بقلبي فأوردتُه عليك، فقال: كلاّ، ما مِثلك مَن اْهتدى إلى هذا ولا مَن بلغَ هذه المنزلة، فعرِّفْني مِن أينَ لَكَ هذا ؟

فقال: أمَرَني به أبو محمد (وهو يعني الإمام الحسن العسكري عليه السّلام).

فقال: الآن جئتَ به (أي الآن جئتَ بالحق)، وما كانَ ليَخرُجَ مثلُ هذا إلاّ مِن ذلكَ البيت (يعني بيت الرّسالة والنّبوّة وأهله، أهل البيت عليهم السّلام). ثمّ إنه (أي الكندي) دعا بالنّار، وأحرقَ جميع ما كان أَلّفَه.

• وفي قضية ما يسمّى بمِحنة (خلق القرآن) التي استغلّتها السلطات العباسّية لإشغال المسلمين، وصَرفِهم عن الجانب العمليّ للقرآن بطرح القضايا الجانبية التي لا ترتبط بما هو المهمّ من هدف القرآن الكريم.. وقف أهل البيت عليهم السّلام من هذه القضية الاستهلاكية موقفاً رائعاً ومعقولاً، فقد كتب الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام الرسالة التالية:

«بسم الله الرحمن الرحيم عَصَمنا اللهُ وإياك من الفتنةِ، فانْ يفعلْ أَعظِمْ بها من نعمة، وإن لا يفعلْ فهي الهَلَكة. نحن نرى أن الجِدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائلُ والمجيبُ، فيتعاطى السائلُ ما ليس له، ويتكلّف المجيبُ ما ليس عليه، وليس الخالق إلاّ الله، وما سواه مخلوق، والقرآنُ كلامُ الله، لا تجعلْ له اسماً من عندك فتكونَ من الضالّين. جعلنا اللهُ وإياكَ مِنَ الذين يخشَون ربَّهم بالغيب وهم من الساعة مُشفقُون».

مواقف متميزة من القرآن الكريم

امتاز أهل البيت عليهم السّلام في هذا المجال، بعد كل هذا وذاك، بمواقف متميّزة من القرآن أشدّ تميّزاً مما سبق، نشير إلى أبرز هذه المواقف:

أ - الحثّ على تقديم القرآن على الهَوى، لا العكس

حثّ أهل البيت صلوات الله عليهم المسلمين في أكثر من موضع، على تقديم القرآن على الهوى، في عهودٍ ساد فيها الميل بالحق إلى الهوى، وحمل الكتاب على الرأي الشخصيّ، وجعل القرآن مَقُوداً وتابعاً، بعد أن كان قائداً ومتبوعاً!

• في الخطبة رقم (87) من نهج البلاغة يقول الإمام عليّ عليه السّلام واصفاً المؤمن، كما يصف بعد ذلك الفسّاق، ويعدّد صفاتهم: «قد أَمكَنَ الكتابَ (أي القرآن) مِن زمامهِ، فهو قائده وإمامُه، يَحلُّ حيثُ حلّ ثَقَلُه، وينزل حيث كان منزلُه.

وآخرُ قد تسمى عالِماً وليسَ به.. قد حَمَلَ الكتابَ (القرآن) على آرائِه، وعطف الحق على أهوائه».

• وقال عليه السّلام في الخطبة رقم (138) وهو يصف سياسة الإمام المهدي عليه السّلام الذي تحدثت أحاديث الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله عن ظهوره وإصلاحه لما فسد من أحوال العالم البشري:

«يعطفُ الهَوى عَلى الهُدى إذا عَطَفوا الهدى على الهوى، ويعطفُ الرأيَ على القرآنِ إذا عَطَفوا القرآن على الرأي».

• يقول الشيخ محمّد عبده شارح نهج البلاغة في شرح هذا الكلام العَلَوّي: (يعطف) خبر عن قائم ينادي بالقرآن ويطالب الناس باتّباعه، وردِّ كلِّ رأي إليه. ومعنى (يعطف الهوى) يقهره ويميل به عن جانب الإيثار، فيجعل الهُدى ظاهراً على الهوى. وكذلك قوله (ويعطف الرأي على القرآن) أي يقهرُ حكم الرأي والقياس، ويجعل الغلبة للقرآن عليه، ويحمل الناس على العمل به دونه.

ب. التأكيد على دَور العترة في القرآن

رسمَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله الخطَّ الذي ينبغي أن يسير عليه المسلمون من بعده عندما قال: «إنّي تاركٌ فيكمُ الثَّقلَين: كتابَ اللهِ، وعترتي أهلَ بيتي. ما إن تمسَّكتُم بهما لن تَضلُّوا أبداً، وإنَّهما لن يفترقا حتّى يَرِدا عليَّ الحوضَ».

وبذلك يتَوجَّب على المسلمين إذا أرادوا ان يبقَوا على هَدي رسول الله صلّى الله عليه وآله ان يرجعوا إلى هذين المصدرين: القرآن الكريم وأهل البيت، والاستغناء عن أيّ واحدٍ منهما يعني مخالفة ما أتى به النبيّ صلّى الله عليه وآله وما أوصى به.

من هذا المنطلَق بقي أهلُ البيت عليهم السّلام يحثُّون المسلمين على فهم القرآن في ضوء تفسير أهلِ البيت وتوضيحاتهم، وعدم الاستقلال بالفهم الشخصي. فعِدْل القرآن (أي العترة) هو المرجع الشرعي النهائي الوحيد ـ بموجب حديث الثَّقلين ـ الذي يؤخذ منه تفسير الكتاب وبيان مقاصده ومراميه.

ونشير هنا إلى نموذج من الموضوع:

دخل قَتادة (الفقيه المشهور) على الإمام محمَّد بن عليّ الباقر عليه السّلام فقال له الإمام:

ـ انت فقيه أهل البصرة ؟

فقال: نعم، هكذا يزعمون.

قال الإمام عليه السّلام: بلغني أنك تفسّر القرآن ؟

قال: نعم.

فانكر عليه الإمامُ ذلك قائلاً:

«يا قتادة، إن كنت قد فسّرتَ القرآنَ مِن تلقاء نفسك فقد هَلكتَ وأهلكتَ، وإن كنتَ قد فَسَّرتَه من الرّجال فقد هلكتَ وأهلكت. يا قتادة، ويحك! إنّما يعرف القرآنَ من خُوطِبَ به».

والمراد هو معرفة القرآن حقَّ المعرفة لا معرفة معاني كلماته ومعانيه المتعارفة، ذلك أن أهل البيت عليهم صلوات الله هم الذين يعرفون المُحكم من المتشابه، والناسخ من المنسوخ، وليس عند غيرهم ما عندهم من هذا العلم، وقد اُثِرَ عن الأئمّة عليهم السّلام القول:

«إنّه ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، الآية يكون أوّلها في شيء وآخرها في شيء، وهو كلام متّصل ينصرف إلى وجوه».

وقد أعطى أهل البيت عليهم السّلام نماذج من التفسير الصحيح للقرآن الذي خفي عن الآخرين، وكانوا بذلك خير معلِّمٍ للمسلمين لكيفية فهم القرآن.

ونكتفي هنا بذكر نموذجين من هذا الأمر:

عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرّة المحدّث أن أُدخلَه على أبي الحسن الإمام الرضا عليه السّلام، فاستأذنتُه في ذلك فأذنَ لي، فدخل عليه، فسأله عن الحلال والحرام حتّى بلغ سؤالُه إلى التوحيد، فقال أبو قرّة: إنا رَوَينا أنّ الله قسّم الرؤية والكلام؛ الكلام لموسى، ولمحمّد الرؤية. فقال أبو الحسن عليه السّلام: فمَن المبلّغُ عن الله إلى الثقلين من الجنّ والإنس: لا تُدركه الأبصار، ولا يُحيطون به علماً، وليس كمِثله شيء ؟! أليس محمّد صلّى الله عليه وآله ؟! قال أبو قرة: بلى.

فقال الإمام عليه السّلام: كيف يجيء رجلٌ إلى الخَلق جيمعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله، فيقول: لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علماً، وليس كثمله شيء، ثمّ يقول: أنا رأيتُه بعيني، وأحَطتُ به علماً وهو على صورة البشر؟!

قال أبو قرّة: فانه يقول: «ولقد رآه نَزلةً أُخرى».

فقال الإمامُ أبو الحسن: إنَّ بَعدَ هذه الآية ما يدلُّ على ما رأى، حيث قال: «ما كَذَبُ الفؤادُ ما رأى» يقول: ما كَذَبَ فؤادُ محمّد ما رأت عيناه، ثمّ أخبر بما رأى فقال: «لقد رأى مِن آياتِ ربِّه الكبرى» فآياتُ الله غيرُ الله، وقد قال الله: «ولا يُحيطونَ به علماً» فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلمُ ووقعت المعرفة.

فقال أبو قرّة: فتكذّبُ بالروايات ؟

فقال أبو الحسن عليه السّلام: إذا كانت الرواياتُ مخالِفةً للقرآن كذَّبتُها، وما أجمع المسلمون عليه [هو] أنّه لا يُحاط به علماً ولا تُدركُه الأبصار وليسَ كمثله شيء.

وأمّا ما أعطاه الأئمّة في مجال التشريع والفقه فنأتي بنموذج أو نموذجين فيه:

عن عبد الأعلى آل سام قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السّلام: عَثَرتُ فانقطع ظُفري فجعلتُ على إصبعي مرارةً، فكيف أصنَع بالوضوء ؟

قال عليه السّلام: يُعرف هذا وأشباهُه من كتاب الله عزّ وجلّ، قال الله تعالى: «ما جَعَل عليكم في الدِّينِ مِن حَرَج» إمسَحْ عليه.

وعن زُرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ألا تُخبرني من أين علمتَ وقلت: إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرِّجلين ؟

فضحك ثمّ قال: يا زُرارة، قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله، ونزلَ به الكتاب من الله عزّوجلّ، لأنّ اللهَ عزّوجلّ يقول: «فاغسِلوا وجوهَكم» فعَرَفنا أنّ الوجهَ كلَّه ينبغي أن يُغسَلَ، ثمّ قال: «وأيديَكم إلى المَرافِق» فَوَصَل اليدين إلى المرفقين بالوجه، فعرفنا أنّه ينبغي لهما أن يُغسَلا إلى المرفقين، ثمّ فَصَل بين الكلام فقال: «وامسحوا برؤوسِكم» فعرفنا حين قال: «برؤوسكم» أنّ المسح ببعض الرأس لمكان «الباء»، ثمّ وصل الرِّجلين بالرأس كما وَصَلَ اليدين بالوجه، فقال: «وأرجلَكم إلى الكعبين» فعرفنا حين وَصَلَهما (وصلها) بالرأس أن المسح على بعضهما (بعضها)، ثمّ فَسَّر ذلك رسولُ الله صلّى الله عليه وآله فضيّعوهُ.

ج. الردع عن المتاجرة بكتاب الله بكلّ أشكاله

وكان مما وقف منه أهلُ البيت عليهم السّلام موقفاً حازماً ومتميّزاً هو عملية المتاجرة بالقرآن الكريم بجميع أشكالها، والدعوة إلى تعلّم قراءة القرآن، وقراءته، وحفظه، والتدبُّر فيه لأنّه كتاب الله المنزَّل لهداية البشرية، وصوناً للقرآن من أن يصير إلى ما صارت إليه الكتبُ السماويةُ السالفة، فيقع المسلمون فيما وقع فيه أهل الكتاب من ممالأة الجبابرة والطواغيت على حساب كتبهم. وكذا المتاجرة بتلك الكتب، من خلال تحريفها وتبديلها لقاء امتيازات ماديّة أو ما شابه ذلك.

ونسوق هنا نموذجاً واحداً من عشرات النماذج في هذا المجال، قال الإمام جعفر الصادق عليه السّلام:

«مَنْ دخَلَ عَلى إمامٍ جائِرٍ فَقَرَأَ عليه القرآنَ يريدُ بذلك عَرَضاً مِن عَرَض الدُّنيا لُعِنَ القارئ بِكلِّ حَرفٍ عَشرَ لَعَناتٍ، ولُعنَ المُستَمِعُ بكلّ حَرفٍ لعنةً».

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)