فضائل الاکبر عليه السلام
لقد كان
علي الأكبر (سلام الله عليه) ، إبان شبابه تطفح عليه لوائح العظمة و تلوح على أساريره أنواح الفضيلة ، و يتدفق من جوانبه الكرم
النبوي ، فكان على شرفه الباذخ و مجده الأثيل وخطره التليد الطارف متلفعاً بكل خصال الخير ، يرفل على باحة المنعة بأبراد المناقب القشيبة ، و حلل المآثر الساطعة من معروف طافح و نائل متدفق و ضرائب حميدة ، كاثرت النجوم فكثرتها ، و طاولت الجبال فبذتها ، و كان فذ وقته في جميع الفضائل آخذاً بأعضاء الشرف و السؤدد ، و إن الواصف مهما تشدق لينحسر بيانه عن بلوغ غاية فضله ، و لم يجد المخالف إلا البخوع له ، و مما يرشدنا إلى ظهور الفضائل ، و زهو المآثر عن علي الأكبر في عصره قول مادحه:
| لـم تـــر عـيـن نـظـرت مـــثـــــلــه |
مــن محتـف يـمشي ومن ناعل | |
| يـغــلي نـهــيء الـلـحــم حـتـــى إذا |
أُنـضج لم يغل على الأكل(19) | |
| كــــان إذا شــــــــــبــت لــه نــاره |
أوقــدهــا بالـشرف القابل(20) | |
| كـيـمـا يــــراهـــا بائـس مـــرمــــل |
أو فـرد حــي لـيــس بــالآهــل | |
| لا يــؤثـــــر الـدنـيـا عـلــى ديــنـــه |
ولا يـــبـيـع الــــحــق بالباطــل | |
| أعني ابن ليلى ذا الـسدي والـندى |
أعني ابن بنت الحسب الفاضل(21) | |
و هذه الصفات التي نضدها الشاعر في مسلكه الذهني، لم تجر مجرى المبالغة في القول أو الخيال الشعري، و إنما هي حقائق راهنة ،
كيف لا وقد تفرع (الأكبر) من الدوحة النبوية ، و كان غصناً من أغصان الخلافة الإلهية ، و إن الفضائل و الفواضل بأسرها موروثة له من سلفه الطاهر
الهاشمي.
و مما يشهد له ، أن
معاوية مع ما عليه من المباينة مع الهاشميين ، لم يسعه إلا الاعتراف أمام قومه باجتماع الفضائل في (علي الأكبر) ، و أنه جدير بالخلافة و قابل للزعامة الدينية، يوم قال من حضر عنده من أهل الشام وغيرهم:
من أحق بهذا الأمر:
قالوا: أنت.
فقال معاوية: لا أولى الناس بهذا الأمر عليّ بن
الحسين بن علي جدّه
رسول الله و فيه شجاعة
بني هاشم و سخاء بني أمية و زهو ثقيف(22).
نحن لا نشك في أن الأكبر ، كان جامعاً للفضائل وحائزاً لما هو أربى و أرقى منها ، و هو العصمة عن المآثم و منافيات الأخلاق و المروءة و لا يأتي بما يخالف الأولى ، كيف لا و قد جمع الخلق
المحمدي ، بأتمّ معانيه و حتى عن الدنس من الآثام بشهادة أبيه الواقف على نفسيات الرجال ة، و كما شهد نص الزيارة المتلوة عند قبره في أول رجب ، و التي علمها
الصادق (عليه السلام)
أبا حمزة الثمالي(23).
وهذه الكلمة الصادرة من معاوية ، ترشدنا إلى أن علياً الأكبر يومئذ معروف عند اهل الشام و غيرهم ، بأنه الجامع للقداسة الإلهية و محاسن الأخلاق بأجلى مظاهرها
و إلا فلا يعقل ، أن يشير معاوية بأهلية الخلافة إلى رجل غير مرموق عند الناس من جميع الفضائل.
كما أن معاوية ، لم يشك في أن هاتيك الفضائل موروثة له من سلفه الطاهر فحسب ، ولكنه تغافل عن ذلك حتى شرك معهم غيرهم لمغازي تختلج في صدره.
أولاً: أراد أن يزحزح الخلافة عن أبيه الحسين المنصوص عليه من جده النبي (صلى الله عليه وآله) وأبيه الوصي (عليه السلام) بإيجاد شخص من هذا البيت ، يكون مرجع الأمة في النوائب و غياثها المرتجى و فصل القضاء و تبياناً للمشكلات.
ثانياً: أراد تخفيف وطأة المنازع في خلافته بحصر شرائط الخلافة في هذه الأمور الثلاثة ، دون غيرها لفقده أهم ما يشترط في الخليفة على المسلمين من العلم و العصمة و النص.
ثالثاً: أراد إثبات فضيلة في قومه غير ، أن البرهنة تعوزه فشرك معه من لا يدافع في فضله و هم الهاشميون ، و ثقيف و أنت على ثقة من خلو البيت الأموي من كل فضيلة و مكرمة منذ نشأة جدهم ،
عبد شمس الذي كفله أخوه هاشم ، و قد كان مملقاً لا مال له و أمية ، الذي استعبده
عبد المطلب عشر سنين ، وذلك لما تراهنا على فرسين و جعلا الخطر لمن سبقت فرسه مئة من الإبل و عشرة عبيد و عشر إماء و استعباد سنة وجز الناصية.
فسبق فرس عبد المطلب ، فأخذ الخطر و قسمه في
قريش ، و أراد جز ناصيته ، فافتدى ذلك باستعباد عشر سنين ، فكان أمية يعد في حشم عبد المطلب هذه المدة.
و أما حرب بن أمية جد معاوية ، فأجاره عبد المطلب من ابنه الزبير ، و كفأ عليه إناء هاشم الذ ي هشم فيه الثريد، و كان أبو سفيان شحيحاً بخيلاً ، لا ينفق على زوجته هند ، فألجأها ذلك إلى السرقة من ماله لتنفق على فنسها و ولدها.
فأنّى يقاسون هؤلاء بهاشم مطعم الحاج و ساقيهم و كانت مائدته منصوبة لا ترفع في السرّاء و الضرّاء ، و هو أول من سن لقريش الرحلتين إلى اليمن و الشام ، و أخذ لهم من ملوك الروم و غسان ما يعتصمون به.
و قد كانت تجارة قريش ، لا تعدو نفس
مكة و ضواحيها ، و إنما تقدم عليهم الأعاجم بالسلع ، فيشترونها حتى رحل هاشم إلى الشام ، و نزل على
قيصر ، فأعجبه حسن خلقه و جمال هيئته و كرمه ة، فلم يحجبه ، و أذن له بالقدوم عليه بالتجارة، و كتب أماناً بينهم ، فارتقت منزلة هاشم بين الناس ، و سافر في الشتاء إلى اليمن و في الصيف إلى الشام ، و اشترك في تجارته رؤساء القبائل من العرب و من ملوك اليمن و الشام، و جعل له معهم ربحاً ، و ساق لهم إبلاً مع إبله ، و كفاهم مؤنة الأسفار على ، أن يكفوه أذى الأعداء في طريقه إليهم و منصرفه ، فكان في ذلك صلاح عام للفريقين ، و كان المقيم رابحاً و المسافر محفوظاً ، فأخصبت قريش بذلك و أتاها الخير من البلاد العالية و السافلة ببركة هاشم ة، و هذا هو الإيلاف المذكور في القرآن المجيد.
«لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف» ،(27).
وأما عبد المطلب ، فكان يدعى شيبة الحمد لكثرة حمد الناس له لكونه مفزع قريش في النوائب و ملجأهم في الأمور ، فكان شريف قومه و سيدهم كمالاً و رفعة غير مدافع ، و هو من حلماء قريش وح كمائهم و قد سن لهم أشياء أمضاها له الإسلام.
فإنه حرم نساء الآباء على الأنباء، و وجد كنزاً أخرج خمسه و تصدق به، و سن في القتل مئة من الإبل، و لم يكن للطواف عند قريش عدد فسنه سبعة أشواط، و قطع يد السارق، و حرم الخمر و الزنا، و أن لا يطوف بالبيت عريان، و لا يستقسم بالأزلام، و لا يؤكل ما ذبح على النصب.
و قيل له الفياض لجوده و كثرة نائله ، حتى ان مائدته يأكل منها الراكب ، ثم ترفع إلى جبل أبي قبيس لتأكل منها الطيور والوحوش.
و لمنعته و شرفه ة، كان يفرش له بإزاء الكعبة ، و لم يفرش لأي أحد من قريش ، و لا يجالسه على بساط الأبهة و العظمة إلا نبيّ الرحمة.
و كان وصياً من الأوصياء ، و قارئاً للكتب السماوية ، و لم يزل يلهج في محافل قريش بظهور نبيّ من صلبه ، ثم يوصي ولده و قومه بالإيمان به واتباع أمره.
و أما
أبو طالب ، سيد البطحاء و موئل قريش و زعيمهم المقدم بعد أبيه ، لا يفات رأيه و من غريب أمره ، ان قريشاً لما أبصرت العجائب ليلة ولادة
أمير المؤمنين (عليه السلام) ، جاؤوا بالآلهة إلى جبل أبي قبيس ، يتضرعون إليها ليسكن ما حل بهم فارتج الجبل ، و سقطت الأصنام، فازداد تحيرهم ، و فزعوا إلى أبي طالب ، لأنه كأبيه عصمة المستجير ، وسألوه عن ذلك فرفع يديه مبتهلاً إلى الله سبحانه يقول:
«إلهي أسألك بالمحمدية المحمودة والعلوية العالية والفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة».
فسكن ما حل بهم ببركات هذه الأسماء الطيبة الكريمة على الله تعالى ، و عرفت قريش فضل هذه الأسماء قبل ظهورها،
فكانت العرب تكتب هذه الأسماء ، و تدعوا بها في المهمات ، فيكشف الله تعالى عنها ضراءها ، و لم تكن تعرف حقيقتها.
و ما عسى أن يقول القائل فيمن هو أشرف الخليقة و علة الكائنات المتكون من النور الإلهي القدسي: نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) و أعطف عليه في الفضائل كلها وصيه المقدم ، الذي هو منه بمنزلة
هارون من موسى ، عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، ثم ريحانته سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
فعلي الأكبر ، هو المتفرع من هذه الشجرة الطيبة ا، لتي أصلها ثابت و فرعها في السماء و الوارث لهذه المآثر النيرة و الحائز على جمال النبوة و أُبهة الخلافة الإلهية.
| ورث الصــفــات الـغــر فهي تراثه |
عــن كل غطريف وشهم أصيد | |
| في بأس حـــمزة في شجاعة حيدر |
بأبي الحسين وفي مهابة أحمد | |
| وتـراه في خـلق وطـيـب خـلائــــق |
وبـلـيـغ نـطـق كـالـنـبـي مــحمد | |
الأكبر يشبه الرسول الاکبر و السبق للجهاد
علي الأكبر بن الإمام الحسين ( عليهما السلام)
الاکبرعليه السلام
علي الأكبر ( عليه السلام )